مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (17) التربية والأخلاق

مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (17) التربية والأخلاق

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم

 

منهج الحكماء في التعامل مع الأزمات

من منهج العقلاء والحكماء: استشراف الأزمات والفتن قبل وقوعها، وحُسْنُ الاستعداد لها قبل نزولها، وإذا أقبلت الفتن أدركها العلماء، وإذا أدبرت عرفها كل أحدٍ!

ودراسة التاريخ وتجارب السابقين مما يُعين- بعد الفهم عن الله تعالى- على معرفة حكمته في قضائه وقدره، وشرعه وأمره.

والعقلاء يعملون على سدِّ ذرائع الفتن، واتخاذ تدابير مواجهة الأزمات والمحن، ومَنْعُ المبادي أهونُ من قطع التمادي!

والفتن العامة التي تضطرب فيها الأمور، وتغلي منها الصدور، وتلتبس على الحليم معها الدروبُ، ولا يتبين فيها وجهُ الصواب، لا يُشْرَع فيها خوضٌ بغير علمٍ ولا فهمٍ ولا بصيرة.

فحقُّها: طلبُ السلامة منها باعتزالها حتى تنجلي، والسلامةَُغنيمةٌ لا يعدلها شيء.

وأمَّا ما لاح فيه وجه الحق وظهر، فحقُّه الاستمساك بالحق، والثبات عليه، ومن صبر ظَفِرَ، والصلاةُ من أعظم ما يُعين على الثبات.

قال الله تعالى:

وَٱسْتَعِينُوا۟ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ
(2 : 45)
[البقرة: 45].

 

القواعد العلمية في مواجهة الأزمات

وعند نزول المُدْلَهِمَّات، وتجددِ الأزمات، تتأكد واجباتٌ ومستحبات، على رأسها: الاعتصام بالله، وبمحكمات الوحي قرآنًا وسُنَّة، والحرص على الجمع بين الاجتماع والاتباع، وتصحيح النية، وتجديد التوبة، والاجتهاد في الدعاء، واللجأ إلى الله في رفع البلاء، وتصحيح التوكل على الله، مع الحِلْم والأناة.

ومن القواعد العلمية المنهجية: اجتناب كثير من الظن، والتثبت من الأقوال والأفعال، وترك المجازفة بإطلاق الأحكام، أو المبادرة إلى ردود الأفعال بلا رويَّةٍ، واعتماد الفزع إلى أهل العلم والحِلم والرأي والحكمة، والتأنِّي في تنزيل النصوص الشرعية على الوقائع الجارية، والجمع بين فقه النصوص، وفقه الواقع، وتوقُّعِ المآلات، مع الحذر من سوء التأويل والاعتمادِ على الرؤى والمنامات في قضايا الأمة والشأن العام، ومثلُ هذه الشئون إنما يُعْتمد فيها على الحقائق والبراهين.

قال الله تعالى:

وَقَالُوا۟ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا۟ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ
(2 : 111)
[البقرة: 111].

 

مسئولية العلماء في الفتن

ويتعلَّق بالعلماء والدعاة والفضلاء واجبات ومسئوليات في أوقات الأزمات، ومن ذلك: السعي بين المتخاصمين بالإصلاح، وتقديم المفاسد درءًا ودفعًا على المصالح تكثيرًا وجمعًا، وفعل المفضول لمصلحة التأليف وجمع الكلمة، وتقديم المصلحة العامة للأمة على مصلحة خاصة لطائفة، وتقوية قلوب الناس، وتحرير الفتاوى الراشدة التي لا تتسبب عنها فتنةٌ، واعتماد المشاورة في النوازل العامة سبيلًا للتصدي لها، والتماس المعاذير لأهل الفضل، وإشاعة فقه العفو، ومناظرة مَن يرجى انتفاعه بالعلم والحجة، ومراعاة حال أهل الزمان والمكان عند الإفتاء والتكليف والإلزام، إذ لا واجب مع عجزٍ، ولا محرَّم مع اضطرارٍ، وتعظيم شأن العدل، وتحريم الظلم، والانقياد للشرع، وإشاعة الفقه الراشد لإنكار المنكرات، والتوسط بين التشدد والتساهل، والترغيب والترهيب، والسعي في ضبط الإعلام، وحسن توجيه الرأي العام، والاجتماع على الثوابت والمعاقد الشرعية، والمنافحة عن الأصول والأحكام القطعيَّة، لا سيَّما حرمة الأنفس والدماء، والأعراض والأموال.

قال الله تعالى:

وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًۭا مُّتَعَمِّدًۭا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًۭا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًۭا
(4 : 93)
[النساء: 93].

وقال الله تعالى:

مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًۭا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًۭا ۚ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًۭا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
(5 : 32)
[المائدة: 32].

 

مسئولية العامة في الأزمات

وعلى كل مسلم ومسلمة حال الفتن والاضطرابات كَفُّ الألسن عن إطلاق الشائعات، ونقل الأخبار الكاذبة، وعدم الخوض فيما ليس للإنسان به علمٌ، وتجنب الكلام فيما لا تُدْرَى مصلحتُه، ولا تُرْجَى حسنُ عاقبته، والتجافي عن الإرجاف والجدال العقيم، وترك السماع للمتصدرين للشأن العام بغير أهليةٍ، والحذر من تثوير العامة على العلماء وخواص الأمة!

ومهما ادلهمَّت الخطوب، وتتابعت الكروب، فإنها ستنجلي، فلا بد من تفاؤلٍ بالخير، وتذكير بفضيلة اليقين بحسن عاقبة المتقين، وفضل الغرباء المصلحين، ولزوم ذكر الله على كل حالٍ، وفي كل حينٍ.

قال الله تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةًۭ فَٱثْبُتُوا۟ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًۭا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(8 : 45)
[الأنفال: 45].

***

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى