مقالاتمقالات المنتدى

مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (5) الإيمان والتوحيد

مقتطفات من كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) للدكتور محمد يسري إبراهيم | (5) الإيمان والتوحيد

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم (خاص بالمنتدى)

 

الإيمان أركانه ومراتبه

الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والقدر خيره وشره، والإيمان بالغيب – عقيدةُ المسلمين المتبعين لسنة خاتم النبيين وإمام المرسلين ﷺ، اتفقت عليه كلمتهم، واجتمعت عليه أئمتهم، وتلقاه خَلَفُهم عن سلفهم.

والإيمان بالله تعالى يتضمن الإيمان بوجود الله تعالى ووحدانيته، وبربوبيته، وبألوهيته جل وعلا، وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأنه تعالى موصوف بكل كمال، وكلُّ نقص عليه محال.

والإيمان الشرعي اسم لمعنًى ذي شُعَب وأجزاء، له أدنى وأعلى؛ فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق.

والإيمان يزداد بطاعة الجوارح واللسان والجنان، وينقص بالعصيان.

وعليه، فإن الإيمان مراتب: أدناها مطلق الإيمان، وهو ما منع صاحبه الظالم لنفسه من الخلود في النيران؛ إذ لا يُخلَّد فيها موحِّد، وأوسطها الإيمان المطلق وهو ما منع صاحبه المقتصد من دخول النار، وهو في الجنة مخلَّد، وأعلاها الإيمان الكامل وهو ما ترقى صاحبه السابق بالخيرات في درج الجنات.

 قال الله تعالى:

ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌۭ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌۭ وَمِنْهُمْ سَابِقٌۢ بِٱلْخَيْرَٰتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
(35 : 32)
[فاطر: 32].

 

معنى الشهادتين وحقيقة التوحيد

والشهادتان مفتاح الإسلام وكلمة التوحيد، والنطق بهما إقرارًا بمعناهما واجبٌ على كل مكلَّف، وبه يثبت عَقْدُ الإسلام في أحكام الدنيا.

والتوحيد: اعتقاد أن الله تعالى واحد أحد في ذاته وأسمائه، فلا سميَّ له، منفرد بصفاته فلا مثل له، متفرد بأفعاله فلا نظير له، متفرد باستحقاق العبادة وحده فلا شريك له؛ ومن ثمَّ طاعته وعبادته بما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر.

وجماع التوحيد والإيمان أن يفرد العبد ربه باعتقاداتٍ تقوم بقلبه، وأقوالٍ تجري على لسانه، وأفعالٍ تحصل بجوارحه.

وعليه، فإن التوحيد والإيمان اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ، ومجموعها هو العبادة التي يحبها الله ويرضاها، والتي لا تُصْرَف إلا لله وحده.

وكما تضمنت شهادة ألا إله إلا الله إفراده تعالى بالعبادة ونَفْيَ استحقاقها لأحد دون الله، تضمنت شهادة أن محمدًا رسول الله إفراده ﷺ بالاتباع؛ يقينًا برسالته، وحبًّا وتوقيرًا لشخصيته، وتصديقًا لخبره، وعملًا بأمره، واجتنابًا لنهيه، وتعبدًا بشرعه، وأنه سيد ولد آدم يوم القيامة.

قال الله تعالى:

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ
(3 : 31)
[آل عمران: 31].

 

من أصول الإيمان: التحاكم إلى الكتاب والسنة

ومن الإيمان بالله وتوحيده: إفرادُه تعالى بالطاعة والانقياد، والحكم والتشريع، فلا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله.

والسعي لإقامة سلطان الشريعة والتحاكم إليها فرضٌ شرعي، وعمل مرضي، ويتأتى بالاعتصام بالكتاب والسنة بفهم الصحابة وهدي سلف الأمة، والتحاكم إلى غير ما أنزل الله- رضًا واختيارًا- كفر وردة ونفاق لا تجتمع مع الإيمان.

قال الله تعالى:

إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَىٰةَ فِيهَا هُدًۭى وَنُورٌۭ ۚ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا۟ لِلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلْأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا۟ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِى ثَمَنًۭا قَلِيلًۭا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ
(5 : 44)
[المائدة: 44].

وقال الله تعالى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا۟ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓا۟ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوٓا۟ أَن يَكْفُرُوا۟ بِهِۦ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًۭا
(4 : 60)
[النساء: 60].

 

من أصول الإيمان: موالاة المؤمنين

وموالاة الله ورسوله وأهل الإيمان من أصول التوحيد وشعب الإيمان، وأولى الناس بالموالاة أطوعهم لله، وهم- بعد الرسل- أصحاب رسول الله ﷺ؛ فيتعين الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم، ثم الأمثل فالأمثل.

ومن والى كافرًا لكفره فقد نقض أصل إيمانه بالله، وهدم الدين، فصار من الظالمين.

قال الله تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ
(5 : 51)
[المائدة: 51].

 

نواقض الإيمان والتوحيد

للإيمان والتوحيد نواقض تبطلهما، وهي: أقوال أو أفعال أو اعتقادات حكم الشارع أنها تبطل التوحيد والإيمان، وتوجب الخلود في النيران.

والكفر والشرك والفسق قد تطلق في الشرع ويراد منها الأكبر.

والأكبر: يخرج صاحبه من الملَّة، ويرفع عنه العصمة، وبعد إقامة الحجة ورفع الشبهة تجري عليه أحكام الكفار، والمشركون من كل جنس في جهنم خالدون.

ومن الأكبر: الردة، والإلحاد، وسبُّ الله تعالى، وسبُّ كتابه القرآن الكريم،  وسب نبيه ﷺ، وإنكار وجود الملائكة أو بغضهم،  وكذا إنكار الجن، أو أحد ممن أجمع على وجوده، وإنكار الكتب المنزلة، والرسل إجمالًا، وجحود معجزاتهم المجمع عليها، أو إنكار من يجب الإيمان به تفصيلًا، أو إنكار البعث والحشر للأجساد والأرواح، أو إنكار الجنة أو النار، أو العرض على الرحمن.

والعلمانية التي تعزل الدين عن الحياة، هي والإيمان ضدان لا يجتمعان، والدعوة إلى وحدة الأديان، أو دعوى صحة التدين بها جميعًا الآن؛ كلُّ ذلك من الدعاوى الكفرية، ومن التشبه بأهل الملل الرَّديَّة!

قال الله تعالى:

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ قُلْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْكَٰفِرُونَ . لَآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَآ أَنتُمْ عَٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٌۭ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَآ أَنتُمْ عَٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ .
(109 : 1-6)
[الكافرون: 1-6].

 

نواقص الإيمان والتوحيد

وللإيمان نواقص لا تنقضه؛ كالشرك الأصغر، والكبائر والصغائر، والبدع.

والشرك الأصغر صاحبه من أهل الملَّة في الدنيا والآخرة، وهو ممن تدركه الشفاعة في الآخرة، والأصغر كالوسيلة للأكبر، وقد ترد تسميته في النصوص بالأصغر.

وقد يُطلق الكفر الأصغر، ويراد به كفر النعمة.

قال الله تعالى:

قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌۭ مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّۭ كَرِيمٌۭ
(27 : 40)
[النمل: 40].

والكبائر: ما استتبعت لعنة أو حدًّا في الدنيا أو وعيدًا في الآخرة، كقتل النفس، والربا، والزنا، وسائر الموبقات.

والصغائر: ما لم يبلغ حد الكبائر.

وقد يعفو الله عن أهل الكبائر بتوحيدهم، أو بحسنات ماحية لذنوبهم، أو لمصائب مكفرة لسيئاتهم، والشفاعة تنالهم، وهم داخلون تحت مشيئة الله؛ إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم.

وأعمال الخير والعبادات كالوضوء والصلوات المفروضات وصيام رمضان والعمرة تُكَفِّر الصغائر، ومن اجتنب الكبائر كفَّر الله عنه الصغائر.

والبدعة: كل ما لم يدل على مشروعية التعبد به دليل معتبر، وكل ذريعة تُفْضي إلى عبادة غير الله أو الإحداث في دين الله؛ فقد وجب سدُّهَا ومنعها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة.

وخير العلم والعمل والهدي ما كان على صراط النبي ﷺ.

قال الله تعالى:

وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًۭا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(6 : 153)
[الأنعام: 153].

 

قواعد وضوابط الحكم على المكلفين

ويتعين الاحتياط والاستيثاق عند إطلاق الأحكام، فمن ثبت إسلامُه وعدالته بيقين لم يزولا بالشك.

والخطأ في نفي التكفير أو التفسيق أو التبديع أهونُ من الخطأ في إثباتها.

والأحكام تَجْري في الدنيا على الظاهر، والله يتولى السرائر، والحكم المطلق لا يستلزم الحكم المعين، كما لا يستلزم الحكم على الفعل تعدية الحكم إلى فاعله.

ولا تجري الأحكام على الأعيان إلا بعد قيام الحجة بتحقق الشروط علمًا وقصدًا واختيارًا، وانتفاء الموانع.

والعذر جارٍ عند إجراء الأحكام في أصول الدين وفروعه، ومواطن الإجماع والخلاف على حد سواء!

وحيث أمكن الجهلُ وسوءُ التأويل فالأصلُ العذر حتى تقوم الحجة وتبين المحجَّة.

والحكم على المعينين في الجملة موكولٌ إلى القضاة المعتبرين، والعلماء الراسخين من أئمة الفقه في الدين، أصحاب الكلمة الماضية المسموعة.

قال الله تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُوا۟ وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنًۭا تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌۭ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًۭا
(4 : 94)
[النساء: 94].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى