شيخنا محمد عمو – اسلام أون لاين.
هذا عنوان كتاب جديد لمحمد بن المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة في دولة قطر، وهو كتاب مهم، ولعل أهميته تكمن في كونه يؤرخ لحياة مجموعة من خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين كانت لها أدوار كبيرة في تاريخ الإسلام وحضارته العريقة.
يقع الكتاب في 95 صفحة، وقد صدر نهاية شهر سبتمبر 2016 عن الشبكة العربية للأبحاث ببيروت، قام الكاتبُ بتوزيعه إلى مقدمة وسبعة محاور رئيسية، تناول في كل محور حياة واحد من هذه العقول السبعة، بدأها بالشاعر محمد إقبال، واختتمها بمحمد حميد الله.
أسس اختيار العقول السبعة
أشار الكاتب في بداية مقدمته إلى أنه لم يلتزم في هذا الكتاب – الذي وصفه بأنه :”رسالة خفيفة القراءة، كثيفة المضامين”- بالطريقة الأكاديمية التي تعتمد التصنيف المنهجي والتوثيق العلمي، بل صاغها صياغة انسيابية، تسهل القراءة الطليقة، وتيسِّر الاعتبار بحياة هؤلاء الأعلام الثريَّة بالعلم والعمل”.
ثم شرح أسس اختياره هذه العقول السبعة دون غيرها؟ فقال إن اختياره جاء “..بناء على معايير ثلاثة، هي: الجمع بين ثقافتيْ الشرق والغرب، وبين الفهم الشرعي والموقف الشرعي، وبين عمق الفكرة وإشراق الروح”.{ص:7}.
حجازيّ الهوى وعاشق القرآن
تناول الكاتب حياة إقبال من خلال العنوان التالي :(أعجمي ذو لحن حجازي)، وقال إن الفيلسوف ابن سينا كان يقول :”اللهم إني أسألك عمرا عريضا”، علق الكاتب على هذه المقولة قائلا :”ويمكن القول إن حياة الفيلسوف الشاعر محمد إقبال تحقَّقَ فيها هذا الدعاء..”. ثم بدأ يستعرض حياته بالتفصيل من خلال عناوين فرعية، فتحدث عن فلسفته وذكر أنها “تتألف من شقين: نفي الذات، وتعني الخضوع..، وإثبات الذات، وتعني العزة والثقة..”.
ثم تحدث عن تراثه الذي يتمثل في “بحر من الأفكار والأشعار”، وعن هويته، فهو “هندي الهوية، حجازي الهوى”، وعن “درب القلب والحب”، فقال إن إقبال “آثر لغة القلب على لغة العقل، واختار الشعر مطية لأفكاره..”.{ص:17}..
أما محمد عبد الله دراز فقد تناول حياته تحت عنوان :(عاشق القرآن الكريم)، بدأ حديثه عن أصول دراز قائلا :”يبدو أن أسرة دراز نزع بها عرق وقرابة عقلية خاصة مع المغرب العربي، ربما لانتساب الأسرة تقليديا إلى المذهب المالكي..”.{ص:22}. ثم تحدث عن فكره وإسهاماته، فذكر أنه كان “يحمل بين جنبيه نفسا أدبية، وكان يتصف بشمائل نادرة”، وأن فكره تركيبي، فهو “ابن الأزهر وابن السربون”.{ص:24}، ولعل هذا التركيب هو الذي خول لدراز أن يصبح “إماما من أئمة الوسطية الإسلامية السمحة”.
ثم أشار إلى أن “أهم سمة من سمات شخصية دراز والمنبع الذي فاضت منه كل مآثره العلمية والعملية هي الوَلَه بالقرآن الكريم..”.{ص:26}، هذا بالإضافة إلى “النظرات التجديدية الثاقبة”، التي لا يخلو منها أي عمل من أعمال دراز.
فيلسوف الحضارة وحامل همِّ الشرق
أما مالك بن نبي فتناول حياته تحت عنوان :(فيلسوف الحضارة الإسلامية)، وقال إنه “ولد لأسرة متواضعة الحال، عميقة التدين، عزيزة النفس..”{ص:31}. ثم تحدث عن دوره في النهوض بالحضارة، فذكر أنه تنقل بين المشرق والمغرب، و”خلف ثروة فكرية رائعة من حوالي ثلاثين كتابا..”، وكان “ثائرا موطأ الأكناف، منيرا لسبيل النهضة”، و”يمكن إجمال جهده التجديدي في مجالين: مجال الدراسات القرآنية، ومجال فكر النهضة..”.{ص:34}، ولكن المؤلف ركز على المجال الأخير، فقال إن ابن نبي :”ذهب إلى أن المدرسة الإصلاحية كان بوسعها أن تؤثر في مسار المجتمعات الإسلامية تأثيرا أكثر إيجابية..”.{ص:38}.
أما إسماعيل الفاروقي فقد تحدث عنه تحت عنوان :(حامل همِّ الشرق في الغرب)، وذكر أنه :”..قتل غدرا وغيلة عندما جاء إلى الغرب حاملا معه مظلمته من الشرق، فوجد الظلم في انتظاره في غربٍ أحلَّ عبادة إسرائيل محل ديانته المسيحية..”.{ص:43}. ثم تحدث عن دوره في مجال الحضارة الإسلامية وأسلمة المعرفة، وقال إنه :”وضع الأسس النظرية لإعادة صياغة العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة صياغة إسلامية، بحيث تصبح هذه العلوم رافدا إيجابيا لثقافة المسلمين..”.{ص:48}، ثم أشار إلى دوره في التعريف بـ”الظاهرة الصهيونية”.
عاشق الحرية والراهب المتبتل
أما علي عزت بيغوفيتش فتحدث عن حياته وذكر أن “أمه كانت على قدر من الورع والتقوى، فغرست في قلبه حب الإسلام، فعشق القرآن وكانت له علاقة خاصة بسورة الرحمن وهو صبي يافع..”.{ص:51}. ثم وصفه بـ:”متحدي الزحف الأحمر”، “وقاهر بربرية الحضارة”، و”حامل الرسالة الإنسانية”، و”عاشق الحرية السَّجين”، ثم ذكر أن علي عزت بيغوفيتش طُلِبَ منه :”التوقيع على استرحام من سجَّانِيه، وعلى التزام باعتزال السياسة والشأن العام، فرفض بإباء، ومكثَ في السجن عامين آخرين جراء ذلك”.{ص:57}.
أما محمد أسد، فبدأ حديثه عنه بجملة تعطي صورة عامة عن حياة الرجل فقال :”إن أهم ما في حياة محمد أسد المديدة ورحلته الروحية الثرية هي أنه مفكر يهوديّ أصرّ على البحث عن ملة إبراهيم، حتى وجدها طريَّة في الإسلام، لم تَغْشَها غَواشي التاريخ أو تعبث بها أيدي الزمان..”{ص:61}.
ثم واصل يستعرض حياته، من خلال عناوين أهمها :”أسد مع أسود الصحراء”، و”عودة إلى المغرب الإسلامي”، و”انبعاث العالم الإسلامي”، ليختتم بقوله :”لقد أدرك أسد المتضلع بثقافتَيْ الشرق والغرب أن البشرية مهما ترقت في مدارج حضارتها فإنها ستظل تجد في رسالة الإسلام الجواب الوافي والبلسم الشافي..”.{ص:79}.
أما محمد حميد الله فقال إنه :”..ولد بنفس أبيِّة، وعلم غزير، وقلب واجف متبتل، ترك الدنيا وراء ظهره وانكبَّ على العلم والتعليم وخدمة الإسلام..وقد هاجرت أسرته إلى الحجاز خوفا من بطش الحجاج…”.{ص:81}. ثم أشار إلى حبه للمعرفة وتبتله “في محراب العلم”، فذكر “أنه عاش عزَبا طيلة عمره، فكان حريّا بالشيخ الحافظ عبد الفتاح أبي غدة أن يترجم له في كتابه الفريد في بابه: (العلماء العُزاب الذين آثروا العلم على الزواج)”.{ص:88}..
في الختام يمكن القول إن الأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي قدَّمَ بطاقة تعريف لسبعة من خيرة العقول المسلمة في القرن العشرين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: من يَنهضُ ليُقدمَ لنا صورة لعدد آخر من خيرة العقول المسلمة الكثيرة؟.