لماذا تراهن أمريكا على الانتخابات الليبية؟
إعداد حسن الرشيدي
“الإدارة الأمريكية ستحاسب أي طرف يسعى إلى تقويض الانتخابات في ليبيا”
هكذا هدد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، بمحاسبة أي طرف يسعى لتقويض خارطة الطريق التي وضعها الشعب الليبي كما يقول، مطالبا بضرورة إخراج المرتزقة من البلاد. وقال سوليفان في بيان في 13 مارس إن الشعب الليبي يستحق استعادة سيادة بلاده بعيدًا عن التدخل الأجنبي بعد سنوات مؤلمة من الصراع، وتابع إن الإدارة الأمريكية ستحاسب أي طرف يسعى إلى تقويض خارطة الطريق التي وضعها الشعب الليبي، مؤكدا ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية لدعم المسار السياسي.
وبعدها بتسعة أيام، أعرب وزير الخارجية بلينكن لرئيس الوزراء الليبي الجديد الدبيبة في مكالمة هاتفية، عن ترحيب الولايات المتحدة بتشكيل حكومة الوحدة المؤقتة الجديدة، والتي توفر فرصة تاريخية لليبيين لوضع بلادهم على طريق دائم نحو الاستقرار والديمقراطية.
أي أن وزير الخارجية الأمريكي كان حريصا على وصف الحكومة بالمؤقتة، وهو وصف غير متداول لهذه الحكومة والتي يطلق عليها الإعلام وصف حكومة الوحدة الوطنية، أي أن أمريكا تضع هذه الحكومة في إطار الوضع المؤقت وليس الدائم.
وفي أعقاب هذا الاتصال جرت محادثة هاتفية أخرى، ولكن هذه المرة بين وزيري خارجية فرنسا وأمريكا، أعقبها قيام وفد عال المستوى من الاتحاد الأوروبي بزيارة طرابلس يضم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وكانت معظم كلمات وزراء الخارجية الأوروبيين تتمحور حول الانتخابات والاستعداد لها.
هذه الاتصالات والزيارات والتصريحات تطرح العديد من الأسئلة أهمها:
ماذا يريد الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي من المؤسسات الليبية الجديدة: سواء المجلس الرئاسي أو الحكومة؟
ولماذا يدفع بشدة وعزيمة وإصرار على عقد الانتخابات في ليبيا في موعدها في نهاية هذه السنة وبالتحديد في 24 ديسمبر أي بعد أقل من تسعة أشهر؟
هل هو حرص الغرب كما يدعي على الديمقراطية وأن تحكم شعوب المنطقة بنفسها بعد عقود طويلة من هيمنة الديكتاتوريات؟
المتأمل في حال الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية يجد أنها قد ساندت لفترة طويلة الديكتاتوريات في المنطقة، بل هي التي أنشأتها من الأصل…فلماذا إذن هذا الحرص عليها في ليبيا الآن؟
في البداية يجب أن نعرف أن وصول الوفد الأوروبي بهذا المستوى العالي، يحمل رسالة مفادها أن الغرب بشقيه الاوروبي والامريكي عازما على المضي قدما في الانتخابات، حيث لا ترى الولايات المتحدة وأوروبا أي دور لهذه الحكومة إلا اجراء الانتخابات، وأن الغرب مستعد لتقديم أي شيء لمساعدة الحكومة لإجراء هذه الانتخابات بدء من المال وانتهاء بالمراقبين لها، والأوروبيون بالذات تحولوا في الفترة الاخيرة لأكبر خاسر في ليبيا، ويحاولون استعادة موقع لهم في ليبيا وخاصة المشاركة الاقتصادية والتجارية ومشاريع إعادة الاعمار، بالإضافة الى الهاجس الأمني وقضايا الهجرة.
فأوروبا وعلى رأسها فرنسا همها الوحيد والأكبر هو تقليص النفوذ التركي، وخي تدرك جيدا أن ليس لها ورقة ضغط سواء على الأتراك أو الروس أو حتى على الحكومة الجديدة، ويدركون أن اخراج النفوذ التركي والروسي لن يتم الا بشيئين:
الأول أن تلقي أمريكا بثقلها في ليبيا لأنها هي الوحيدة القادرة على اخراج الاتراك من ليبيا.
والأمر الآخر ايجاد شرعية جديدة عن طريق الانتخابات تلغي أي شرعية أخري كانت موجودة في ليبيا وتكون متورطة سواء مع الروس أو الأتراك.
والدور الأوروبي سيتمثل في إنعاش ليبيا اقتصاديا وخدميا (الكهرباء والماء) حتى يقبل الليبيون على الانتخابات.
فالغرب يعتقد ان الانتخابات ستأتي بالاستقرار وهذا ما صرح به السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند عندما قال ان الاستقرار ستأتي به الانتخابات…يعني ان الغرب لا ينظر لمهمة الحكومة الجديدة كمصدر لجلب الاستقرار ولكن الذي سيحققه هي الحكومة القادمة بعد انتخابات ديسمبر القادم.
فالانتخابات وفق التصور الأمريكي ستؤدي الي تغيير النخبة السياسية الليبية والاتيان بشرعية جديدة تكون قادرة على اخراج القوات الأجنبية من ليبيا، فوجود الحكومة المنتخبة هي التي سوف يكون من حقها دعوة القوى الخارجية الى الخروج من ليبيا، وبالتالي الغاء شرعية وجود هذه القوات والاستعانة بالقوى الغربية إذا اقتضى الامر لإخراج هذه القوي ان لم ترضخ لهذه الدعوة.
وأمريكا تفعل ذلك استعدادا لمعاركها الحاسمة مع الصين والروس، وخاصة ان على ما يبدو سيكون ميدان هذه المعركة في المتوسط والشرق الأوسط.
الموقف التركي الروسي
الذي يسيطر على المعادلة الليبية الآن روسيا وتركيا وبالطبع امريكا فالنتائج التي أدت الى المصالحة الحالية ما كانت لتتم لولا أن ألقت أمريكا بثقلها في المشكلة.
أمريكا في البداية وافقت على دخول الاتراك إلى ليبيا لوقف تمدد الروس في المنطقة بينما وجد الاتراك فرصة للثأر من أوروبا التي اخرجتهم من ليبيا قبل مائة عام وللتمدد كقوة إقليمية واعدة.
بينما استدعت أطرافا إقليمية روسيا بعد أن عجزت هذه الأطراف عن حسم معركة طرابلس والهيمنة على كامل ليبيا لحسابات تتعلق بالربيع العربي، وانتهزت روسيا الفرصة لتهدد جنوب أوروبا لأول مرة في التاريخ، وهو منطقة نفوذ حلف الناتو وبالتحديد أمريكا كورقة مساومة ومقايضة على حصار الناتو روسيا في شبه جزيرة القرم وفي جنوب القوقاز.
وفي نفس الوقت فإن العلاقة التركية الروسية معقدة …فالطرفان يتقاطعان على وقف نفوذ أوروبا بينما يتصادمان أحيانا في سوريا حيث جرى قصف إدلب منذ أيام، ولكنهم يعملون معا بصفة عامة فحجم المصالح بينهم كبير، وجرى التوافق بينهما في عدة مناطق على أمل أنهم سيحلون معا محل النفوذ الغربي بشقيه الأمريكي والأوروبي.
وفي نظر البعض فإن روسيا وتركيا لم يصدر عنهما أي تصريحات تفيد حرصهما على اجراء انتخابات فهما فقط رحبا بالحكومة الجديدة.
وهناك تصريح لنائب وزير الخارجية الروسي باسيلوف في الخامس من يناير الماضي، يعبر فيه عن استغرابه من أن يكون أول مهمة لهذه الحكومة هي الانتخابات فهي لديها مهام أخرى، أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فبالرغم من أنه تحدث مع الاطراف الليبية الجديدة إلا أنه لم ينقل عنه أي تصريح يتعلق بالانتخابات القادمة.
ويدرك الأتراك أن أي تسوية في ليبيا قد ينتج عنها خروجها كالطرف الأكبر خسارة، خاصة أن الغرب قد يترك للروس ورقة القرم كمكافأة له على ترك ليبيا والاكتفاء بالمشاريع التجارية، لذلك يتحسب الأتراك لخطورة التنسيق الامريكي الاوروبي فأقدموا على تقديم تنازلات للمصريين، على أمل في تحالف جديد يمنع انفراد أوروبا وأمريكا بليبيا ويقلص نفوذ تركيا فيها.
الليبيون والدور المرتقب
تاريخيا ليبيا لا تستقر الا إذا حصل نوع من التوازن الدولي والاقليمي.. هذه المرة جاء التوازن تركيا روسيا وهذا مرفوض غربيا، فالمطلوب غربيا استبدال الملف العسكري الأمني الذي يجب أن تقوم به الحكومة الجديدة ،بملف سياسي اقتصادي لأنه السبيل الوحيد غربيا لإخراج الوجود الروسي التركي.
الغرب بشقيه يحاول اعادة تفكيك وتركيب المشهد السياسي الليبي باستخدام استراتيجية الدعم والضغط على حكومة الوحدة الوطنية الجديدة.
فخلاصة الموقف الغربي هو التوجس من وجود حكومة جديدة تستمر في الحكم بدون انتخابات، وتكرس تقاسم النفوذ الروسي التركي واستفرادهم بالكعكة الليبية سواء بالثروات او بالجغرافيا السياسية.
وفي نفس الوقت فإن ممثل الامم المتحدة في ليبيا يعتمد استراتيجية جديدة تقوم على ارجاع ملتقى الحوار الوطني الي الخلف، مقابل اعطاء دور أكبر لمجلس النواب في طبرق والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس، على أمل استرضاءهما خاصة أنهما يمثلان قوى سياسية ليبية معتبرة ومؤثرة، لأن هذين المجلسين يعتبران الانتخابات تهديدا وجوديا ولن يسمحا بها وفقا لما قاله مبعوث الامم المتحدة الأسبق غسان سلامة امام مجلس الامن في ٢٠١٨.
وفي النهاية ليبيا تحتاج الي رؤية ليبية خالصة واضحة تخدم ليبيا أولا، وتراعي في الوقت نفسه المصالح الاقليمية والدولية أيضا …رؤية لإخراج القوات الاجنبية جميعها وتفكيك الميليشيات وتوحيد المؤسسات وخاصة العسكرية، حتى لا يتحول الليبيون الي مجرد ريشة في مهب الريح يتقاذفها اللاعبون الاقليميون والدوليون.
(المصدر: مجلة البيان)