مقالاتمقالات مختارة

هل اليوم يشبه الأمس في وادي الكشمير؟

هل اليوم يشبه الأمس في وادي الكشمير؟

بقلم برهان أحمد الصِدّيقي

يتناوب على أرض الكشمير وسُكانها ظروفٌ وأحوالٌ وتجارِب عديدةٌ حصلتْ معهم بالأمس وأعادتْ نفسها اليوم، ولكن جاءتْ في هذه المرة في لِباسٍ مختلفٍ، وعجيبٌ أمرُ هذا اللباس! فخيّاطُه مسرورٌ ولابِسُه محزون. بالأمس! في فجر الاستقلال كانت سلطاتُها مُترددة بين الصفقات مع سلطات الهند والباكستان، وسُكّانها كانوا بين الأمل المشرق لمستقبلهم واليأس المظلم لأجيالهم ولكن توقفت مُقاوَماتُهم ومُواجهاتُهم السياسيةُ بعد الحصولِ على “المادة 370 من الدستور الهندي” و”المادة 35A“، وأولاهما كانت تمنح لجَامو ولِكشمير سُلطةً أن يكون لها دستورٌ منفصلٌ، وعَلمٌ خاصٌّ بها، واستقلالٌ ذاتيٌّ على الإدارة الداخلية للولاية جامّو وكشمير. وبسبب ثانيتهما لم يتمكن المواطنون الهنود من الولايات الأخرى من شراء الأراضي أو الممتلكات في جامو وكشمير.

لكن تم إلغاء المادتين في 5 من شهر أغسطس 2019، تحت اِشراف البرلمان برئاسة حزب بهاراتيا جاناتا بعدما أصدر رئيس الهند رام ناث كوفيند أمرًا رئاسيًا جديدًا، بموجبه ينطبق جميعُ أحكام الدستور الهندي على الولاية (جامو وكشمير) دون أي أحكامٍ أو امتيازات خاصة لها، كانت تمتلكها في ظل “المادة 370 والمادة 35A“؛ وبهذا فرّ العصفورُ من أيدي الكشميريين وقبض عليه الهندُ من رأسها إلى أظفاره!

يا بلبل كشمير! أكمل لنا الحكاية:

 هل فعلا توقفتْ مُقاوَماتُ الكشميريين بعد الحصولِ على المادّتَين؟ وهل رجعوا إلى حياتهم اليوميّة كما رجع سُكّانُ البلد بأكملِها بعد انتهاءِ ضجةٍ وزلزلةٍ واجهتْها البلدُ في فترة الاستقلالِ وفي مآسي تقسيمِها؟ وهل لم يمسّهم السوءُ من أيدي سياسي البلدتيَن؟ وهل استقرت خواطرُهم على شاطئ الأمل ولم ينفصل مِقبضُه من أيديهم أو أدركتْهم موجةُ اليأس ولم يتمكّنوا على فرارٍ منها فصدَّقوا بأن اليأس فيه راحةٌ فلجأوا في كوخه؟ يا بلبل كشمير! أكمل لنا الحكاية…

كلمات رائعة ولكن هل تُمثّلها الخطوات؟

حكاية كشمير، تضم عدة حقب، من أين نبدأ نجد أنفُسَنا في وادٍ لا يُقاطعه أحدٌ الا وهو قد بلغ جهدَه ولكن لا بأس أن نبدأ من مقولة رئيس الوزراء الأول للهند جواهر لآل نهرو: “إن الكشمير لها روحٌ خاصةٌ بها، ولها شخصيةٌ خاصةٌ بها. لا يمكن القيام بأي شيء بدون النوايا الحسنة لشعب كشمير”[i].

قد تكون كلماته ترضي ساسة المنطقة ولكن الناس كانوا غير مرتاحين لهذا الكلام؛ لأنهم كانوا يمرون بظروف سريعة التغيير. وفي الوقت الذي قال فيه الرئيس هذه الكلمات أيقنوا أن انضمام كشمير مع الهند لا يتم أبدا الا بالاستفتاء الشعبي، لكن “لم يتم إجراء الاستفتاء الشعبي في كشمير”[ii]؛ لأنه (الرئيس) كان واثقا من أن نتائج الاستفتاء لن تسرّه كما قال بصراحة للمفوض السامي البريطاني أرشي بالد ناي، في 6 سبتمبر 1949: “إن نتيجة الاستفتاء الحر والنزيه، إذا أمكن إجراؤه، ستكون نتيجتها أن تذهب منطقة بونش إلى باكستان، وأن تذهب منطقة جامو إلى الهند، بينما لسنا متأكدين من نتيجة تصويت الوادي[iii]“.

لكن على الأقل حصل الشعب على المادتين اللتين تحميان أراضيه وشخصيته الذاتية؛ فانسجموا مع الهند، وتركوا أمانيهم لإقام بلدٍ مستقلٍ لهم. ومع هذا فالقانون يعد الجيش أحد أكبر مالكي الأراضي في J&K؛ فللجيش آلاف الأفدنة في قلب المدينة[iv].

واليوم بعد إلغاء المادتين يدعي رئيس الوزراء الحالي للهند أن “المادة 370 والمادة 35 أ لم تعطيا سوى النزعة الانفصالية والمحسوبية والفساد لشعب جامّو وكشمير”. وقال أيضا: “تنتشر العديد من المنتجات العشبية والعضوية عبر جامّو وكشمير ولدّاخ، إذا تم تحديدها وتسويقها في السوق العالمية، فإنها ستفيد الناس والمزارعين في هذه المناطق بشكل كبير. أحث الشركات من جميع أنحاء الهند أن تقدم في هذا الأمر”[v].

فبالأمس كان حديث رئيس الوزراء الأول عن “النوايا الحسنة للشعب” واليوم حديث رئيس الوزراء الحالي عن “منتجات كشمير وتسويقها “؛ وهو قد يعد نوعا من البلاغة الأدبية والكَلِمات الجميلة التي يمكن أن نرددها ونزين بها أحاديثنا، لكن على أرض الواقع لا تجدي نفعا ما دام أفراد الشعب لم يُسألوا عن مقترحات وتعديلات لا تزال تُمارَس وتُنفذ في مناطقهم، وحياتُهم مكتنفة من فساد النُخب السياسية والبيروقراطية.

لكن يكون لأحاديثهم فائدة للكشمير حقا عندما تقوم فيها حكومة مستقرة مع ضمان العدالة في وقته ويتمتع الشعب حياةً بعيدةً من خوف الانفصالين والعسكريين.

لا مجال لمقولة “اليوم خمر وغدا أمر”

إن العالم يتزلزل بحوادث سياسية في أنحائه، والسياسيون يلجؤون إلى تعبيرات تخفي نياتهم الحقيقية، وتمهد الطريق أمامهم للحصول على أمنياتهم وخططهم؛ فصديقك اليوم قد يكون منافسك القوي غدا في هذه السياسة؛ فكل ما يحدث في منطقة يقدم؛ إما من باب السياسة المنطقية، وإما من باب الحكومة المركزية؛ كما حدث في استخدام قانون السلامة العامة (PSA لعام 1978) خلال سبعة عقود ماضية، حيث تم إساءة استخدامه بشكل منهجي لاحتواء العصيان المدني؛ لأنه (القانون) يمهد الطريق لاحتجاز أشخاص لمدة تصل إلى عامين بشبهة غير مؤكدة مثل أن تصفهم القوات الهندية بـ”الإرهابين المناهضين للوطن”.

وبسبب هذه الإساءات لا تزال مواجهات الكشميريين ومقاوماتهم تستمر بدون توقف. وفي بعض الأحيان يزداد الوقود في هذه النيران كما فعل فاروق عبد الله عندما قال في 19 أكتوبر 1990 بعد وقت قصير من توليه منصب رئيس الوزراء في 9 أكتوبر: “من يستسلم نرحّب بهم في التيار الرئيسي ومن يبقي على مواجهتهم سينالون نحبهم”[vi] فتمردوا على هذا التهديد واختاروا طريقتهم الخاصة.

وبدأ أفراد الشعب يذوقون مرارة الشعور بأنهم ضحية؛ بسبب الظروف والأحوال والتجارب التي عانوها، خلال هذه العقود التي تمثل إنكارًا منهجيًا لحقوقهم الديمقراطية؛ فشهدوا انتخابات مزورة، وإقالة حكومة منتخبة، وخنق الأصوات المعارضة من خلال قوانين قاسية، واعتقال سجناء سياسيين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وعدم محاكمة المذنبين بانتهاك حقوق الإنسان… إلخ[vii].

ولقد حان الوقت لكي تدرك نيودلهي أن جرح الكشميريين بحاجة إلى التعافي في أقرب وقت ممكن؛ لأن اليوم لا مجال لمقولة امرئ القيس “اليوم خمر وغدا أمر”؛ فقد مرت على الكشميريين سبعة عقود شداد. ويكون من الخطأ الفادح توافق الشرعية بالإرادة السيادية أو حكم الأغلبية فقط مع استبعاد القيم الدستورية الأخرى؛ لأن هذا يغلق أبواب السلام والأمن، ويفتح أبواب المقاومات، ويقسم أجزاء المنطقة على أسس مجتمعية وعرقية فحسب؛ بل يطلق العنان أيضًا للنهج العسكري القاسي، ويقوي مواجهات الانفصاليين، وكل هذا يكون بيئة غير صالحة للكشمير ولا للهند؛ فالهند لديه مسؤولية مزدوجة؛ عليه أن يضمن تبرئة الأبرياء ومعاقبة المذنبين.

وأحسن ما قيل في هذا السياق ما قال عبد الغفور نوراني -وهو محام هندي، وخبير دستوري ومعلق سياسي- في كتابه الشهير عن الكشمير: “لن ينجح أي جهد ما لم تدرك حكومة ُالهند ووسائلُ الإعلام والمثقفون أساسَ المشاكل ومحورَها، وهي مشاعر الناس تجاه الاتحاد منذ عام 1947 – نبضات قلب الكشميريين. قبول هذا الواقع وحده يمكن أن يمهد الطريق نحو حل عادل”.[viii]

[viii]

 

[i] selected Works of Jawaharlal Nehru vol.28:318

[ii] The Kashmir Dispute vol:1 p:7

[iii] selected Works of Jawaharlal Nehru, Vol.13:225

[iv] Kashmir Times 20 November 2011

[v] Business Today.In | August 9, 2019

[vi] Kashmir Times

[vii] The Kashmir Dispute vol:1 p 91

[viii] The Kashmir Dispute vol:1 117

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى