مقالاتمقالات مختارة

نظام عالمي يسعى لتغييب العقول

نظام عالمي يسعى لتغييب العقول

بقلم صهيب مقداد

الحديث عن التفاهة بدأ يطفوا على السطح، فالتافهون اليوم يغزون الكوكب وقد صنعوا لأنفسهم إمبراطورية عملاقة، والتافه اليوم هو سيد العصر، وبداية علينا أن نعلم من هم التافهون؟

 

صدر في عام 2017 كتاب بعنوان la mediocrite لمؤلفه آلان دونو وهو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة كيبيك الكندية، والذي تناول فيه موضوع التفاهة وسيطرة التافهين على مفاصل الحياة، وكلمة mediocracy تعني النظام الإجتماعي الذي تكون فيه الطبقة المسيطرة هي طبقة التافهين، ويكون فيه المعيار للتقدم والرقي “التفاهة” بدلا من الجودة والأهمية (١)

 

فالنظام العالمي اليوم قائم على البلاهة والغباء، وقد ساهمت الكثير من العوامل في إنشاء هذا النظام، أهمها:

 

١-مواقع التواصل: حاول أن تنشر في أحد مواقع التواصل في موضوعين مختلفين، اعتمد بالأول الكلام الهزلي والقصير وأعتمد في الثاني قواعد البحث العلمي وتناول القضية من جوانبها كافة، التفاعل مع الأول سيكون هو الخيار للغالبية العظمى من جمهور مواقع التواصل، فالنفس البشرية تميل إلى السهل والقريب من متناول اليد، وطريق العِلم الشاق ليس خيار الكثير، لهذا يَكثر البلهاء ويَقل العلماء.

 

وصف المفكر الإيطالي أمبرتو أيكو، ما يحدث اليوم عبر مواقع التواصل الإجتماعي: هذه المواقع تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى الذين كانوا يتكلمون في البارات فقط دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.(٢)

 

٢-توفر البرامج التلفازية مساحات مخصصة لاستضافة التافهين وتصديرهم على أنهم رموز المجتمع وقادته فيتم إستضافة ممثل ويسأل في كل ما هب ودب وفي كل شاردة وواردة، فيسأل الممثل سؤال في الدين وسؤال آخر في الاقتصاد وكأن الممثل يعرف كلّ شيء متناسين بأنه لم يصل إلى شهرته عن طريق العِلم.

 

وبرامج تقوم بتكريس السادية والمازوخية والعادات الأخلاقية السيئة والتي تكسب أعداد كبيرة من الجماهير، كبرنامج رامز جلال.

 

إضافة إلى مواقع التواصل يتم الهجوم على القواعد العلمية من جانبين:

 

-تسطيح العلوم: تقوم بعض البرامج بتقديم العِلم بعد قصقصة جوانبه وتكبيل يديه؛ تسهيلًا للجمهور؟ والحقيقة أن هذا التسهيل يفرغ المعلومات من كينونتها ويجعلها تفقد قيمتها الحقيقة مما يخلق لدينا مشكلات من الأخطاء والمغالطات وجيل ممن يتحدثون في كل علم، كتلك الحلقة التي عرضتها صفحة “الاسبتالية” بعنوان: كيف بدأ الخلق؟ وهي تقول: وجودنا أحنا وكل الحيوانات اللي حوالينا، بكل أشكالها وأحجامها برضوا بتبتدي بداية “بسيطة”، خلية واحدة، بويضة مخصبة *

 

-الإباحة: الكل مسموح له الحديث في الدين، من كان معه شهادة شرعية ومن لم يكن معه، ومن درس عند المشايخ ومن لم يدرس، والنص الشرعي مباح ولسنا بحاجة لمن يفسّر لنا القرآن الكريم، حديث أصبحنا نسمع من يقول به، في محاولة لإلغاء التخصص، وليس في الدين فقط، وما مثال الفنان الذي يظهر للشاشات للفتوى في كل أمر سوى مثال صارخ على ما نقول، بالفنان محمد رمضان أراد الطعن في الدين فاخترع نظرية فيزيائية من عقله تقول: لا تربط ثابت بمتحرك.(الدين ثابت)

 

صدر حديثًا كتاب بعنوان: رحلة الدجال الناعمة، لكاتبه: عبداللطيف عمر المحيمد، وقدّم الباحث أحمد دعدوش مراجعة للكتاب على موقعه “السبيل” تناول الكتاب التفاهة في جميع المواضع، تفاهة في الشعر، تفاهة في التلفاز، وشعرنة التفاهة من خلال سن القوانين والأنظمة لحماية التافهين و تشجعيهم على الحديث.. تفاهة في كل مكان.

 

وهناك نوعان من التافهين:(٣)

 

-تافه غبي: هذا الذي محكوم عليه بالفشل وليست مشكلتنا معه، فسرعان ما يقع في شر تفاهته وحمقه

 

-تافه ذكي:  يستطيع أن يستغل تفاهته بذكائه ويجذب إليه كم هائل من الجمهور عبر استخدام وسائل السوشيال ميديا وبطريقته التافهة كستخدام ألفاظ خادشة للحياء لإضحاك الناس أو تقديم تلميحات جنسية لإثارة غرائز من يشبهونه من التافهين.

 

لو يسعى أحدهم ليؤلف كتابًا على غرار كتاب العلامة ابن القيم الجوزي “أخبار الحمقى والمغفلين” ويضيف إلى العنوان “في القرن الحادي والعشرين”، فسيجد مادة دسمة تُغطي الغرض، فما أكثرهم في أيامنا، ودورنا هو الحذر والتحذير وتربية الجيل الجديد على البرامج ذات الفائدة و استغلال الوقت بالشكل الصحيح والتنشئة الدينية القويمة، وتحرّي العِلم والعلماء، وتتبع الخير واجتناب الشرّ، وأن نسأل الله الهداية في كل أمر.

 

____________________________________________________________________

المصادر:

 

١- نظام التفاهة، د.آلان دونو، ترجمة د. مشاعل الهاجري، صفحة ١٤.

٢-التفاهة..صناعة مدبرة أم ظاهرة عابرة، شبّاك-shibbak.

*للتوسع راجع حلقة الدكتور إياد القنيبي في الرد على الاسبتالية.

٣-التفاهة في كل مكان.. مراجعة كتاب “رحلة الدجال الناعمة”، الباحث أحمد دعدوش، السبيل.

(المصدر: موقع البوصلة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى