احتجاجات بلوشستان في إيران.. أسبابها ومآلاتها
إعداد محمد عبد المجيد
وأظهرت فيديوهات نشرها ناشطون تنفيذ أصحاب المحلات التجارية اعتصاماً في عدة مناطق من المحافظة احتجاجاً على مقتل مواطنيهم.
وحذّر ناشطون بلوش من وقوع انتهاكات واسعة لا سيما بعد قطع الإنترنت في المنطقة، كما حدث في الاحتجاجات التي اندلعت في نوفمبر 2019 التي قُتل فيها نحو 1500 متظاهر حسب رويترز. وعلى الرغم من حديث المسؤولين المحليين في نهاية الأسبوع عن إخماد الاحتجاجات، يؤكّد الناشطون أنها ما زالت مستمرة. ومع ذلك لا تتوافر حتى الآن إحصائيات موثَّقة وكاملة عن عدد القتلى والجرحى، وإن كانت المؤشرات تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص.
حرمان بلا حدود
يشكل البلوش السُّنَّة الذين يغلب عليهم الطابع القبلي، الأكثرية في محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة في أقصى جنوب شرق البلاد، والتي يبلغ عدد سكانها نحو مليونين وثمانمئة ألف نسمة. ونتيجة الظروف القاسية التي تعاني منها المحافظة اضطُرّ كثير من أبنائها إلى الهجرة إلى محافظات أخرى، كما تُقدَّر أعدادهم بنحو ثلاثمئة ألف في دول الخليج العربية.
يعاني كثير من المحافظات الإيرانية، لا سيما تلك التي تقطنها أقليات عرقية أو مذهبية، من الفقر والحرمان، وعلى رأسها سيستان وبلوشستان التي تقع في قعر الجدول من حيث مؤشرات التنمية. وقد زادت معاناة أبنائها في العقد الأخير نتيجة الجفاف وشحّ الأمطار. وحسب الإحصاءات الرسمية، تحتلّ المحافظة المرتبة الثالثة في نسبة البطالة، والأخيرة في نسبة الحصول على فرص عمل.
ورغم الوعود التي أطلقها رؤساء إيران المتعاقبون منذ انتصار الثورة، ومنهم الرئيس الحالي حسن روحاني، بتحسين أوضاع المحافظة، فإن الكثير من مدنها فضلاً عن قُراها لا يزال يفتقر إلى أدنى الخدمات الأساسية كشبكة الصرف الصحي.
كما أن شبكة المياه لا تصل إلى سوى عشرين بالمئة من أبنائها. ويعتمد كثير من الأهالي في تأمين مياه الشرب على برك المياه التي تتجمع فيها مياه الأمطار رغم أنها غير صالحة للشرب. وكثيراً ما تشهد هذه البرك غرق أطفال فيها. يُضاف إلى ذلك أن شبكة الغاز التي باتت متوافرة في باقي المحافظات لا تصل إلى 80 بالمئة من أرجاء المحافظة.
كما تعاني سيستان وبلوشستان من قلة عدد المدارس، ويُضطرّ عشرات الآلاف من تلاميذها إلى الدراسة في صفوف تفتقر إلى أدنى درجات السلامة والأمان. وقد تفاقمت الأزمة بعد انتشار وباء كورونا، إذ حُرم 400 ألف تلميذ من أبنائها من الحصول على التعليم الافتراضي بسبب فقدان البنية التحتية اللازمة للإنترنت، وعدم امتلاك أجهزة هاتف ذكية، وافتقار الأهالي إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع الشبكة العنكبوتية. إلى ذلك تقع المحافظة في المرتبة قبل الأخيرة من حيث عدد الأسرّة في المشافي نسبةً إلى عدد سكانها.
تمييز مضاعف
لطالما وجّه مرشد الثورة الحالي خامنئي الذي كان قد نُفي إلى المحافظة قبل عام من انتصار الثورة انتقادات إلى النظام البهلوي بسبب ما اعتبره ظلماً لأبناء المحافظة وإهمالاً لها وعدم اهتمام بالتنمية فيها.
لكن يبدو أن الحال ينطبق على الجمهورية الإسلامية أيضاً، إذ يعتقد البلوش أنهم كانوا وما زالوا يتعرّضون للتمييز الممنهج بحقّهم منذ تأسيس الدولة البهلوية حتى زمننا الراهن لاعتبارات عرقية ومذهبية.
ففضلاً عن حرمانهم من حق تسلُّم منصب المرشد ورئيس الجمهورية حسب الدستور، يلاحَظ -رغم الحديث عن المساواة في الحقوق بين المواطنين- أن البلوش لا يتمتعون بحقوق متساوية مع مواطنيهم، فحصة هؤلاء من المناصب القيادية في الدولة والجيش والمؤسسات الأمنية تصل إلى الصفر تقريباً، إذ إنه طوال العقود الأربعة من عمر الثورة لم يتسلّم أي منهم منصب وزير أو محافظ أو حتى مدير عامّ على مستوى الدولة. الاستثناء الوحيد كان تعيين سفيرة من البلوش في بروناي قبل عامین.
إضافة إلى ذلك فإن البلوش محرومون من المناصب القيادية في المحافظة نفسها، فمعظم المديرين الأساسيين فيها من أبنائها الشيعة أو الوافدين إليها. وبينما تستقدم السلطات موظفين ومدرسين إلى المحافظة للعمل فيها، ينضمّ أبناؤها من خريجي الجامعات إلى قوائم العاطلين عن العمل.
يتهم البلوش السلطات بأنها تعمد إلى حرمانهم من الخدمات الأساسية لتحقيق هدفين: إجبارهم على مغادرة المحافظة والانتقال إلى محافظات أخرى لتغيير التركيبة السكانية في المحافظة، إذ تنظر السلطات إلى مواطنيها السُّنَّة كأحد مصادر التهديد، والحد من الزيادة السكانية لأهل السُّنَّة في البلاد، لأن نسبة الولادات بين البلوش والكرد -وغالبيتهم ينتمون إلى المذهب السني- مرتفعة مقارنة بغيرهم من المواطنين الشيعة. وقد عبّر بعض مراجع الشيعة -على رأسهم مكارم الشيرازي- عن مخاوفهم من هذا الأمر مراراً.
معضلة نقل الوقود
لا شك أن نقل المحروقات من دولة إلى أخرى بطرق غير رسمية يُعتبر تهريباً بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، لكنه في الحقيقة السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة بالنسبة إلى كثير من البلوش الذين يعانون الفقر والحرمان ويفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة البسيطة. وهذا ما جعل السلطات تغضّ الطرف عنه لسنوات.
قبل عدة أعوام، أوجد الحرس الثوري الذي يتولى مسؤولية الحفاظ على الأمن في المحافظة ومهمة ضبط الحدود فيها معابر شبه رسمية لمراقبة الحدود الإيرانية-الباكستانية منعاً لتسلل عناصر متطرفة إلى داخل البلاد. وكان يفتّش السيارات والدراجات النارية التي تُستخدم في نقل الوقود في أثناء عبورها الحدود في الاتجاهين. واستمرت هذه الحالة حتى طرح الحرس في سبتمبر الماضي مشروعا سماه “رزّاق” لتنظيم نقل الوقود يقضي بمنح كل عائلة تعيش في المناطق التي تقع في مسافة لا تتجاوز 20 كلم عن الحدود بطاقة يُسمح لهم بموجبها بنقل 600 لتر من المازوت أسبوعياً إلى باكستان بشكل قانوني.
ومع أن المشروع حلّ مشكلة جزء من سكان المحافظة نسبياً، فإنه حسب الناشطين البلوش أدّى إلى حرمان عشرات الألوف من ناقلي الوقود المقيمين في مناطق تبعد أكثر من المسافة المحددة من حقهم في مواصلة عملهم، فضلاً عن اتهامات للحرس بمنح هذه البطاقات للمقربين منهم والموالين لهم وحجبها عن كثير من مستحقيها.
نتيجة لذلك اضطُرّ الألوف من ناقلي الوقود إلى متابعة عملهم بصورة غير قانونية رغم المخاطر التي يتعرضون لها، إذ يقول الناشطون إن العشرات من هؤلاء قُتلوا برصاص القوى الأمنية أو نتيجة حوادث مرورية في أثناء نقلهم الوقود في المنطقة الحدودية الوعرة في الشهرين الأخيرين. وقبل أيام بدأت السلطات إغلاق جميع المعابر غير الرسمية لنقل الوقود، وحفرت خنادق كبيرة لمنع ناقلي الوقود غير المرخَّص لهم من العبور مما أدى إلى اندلاع الأحداث الأخيرة.
وأخيراً لن يكون من المستغرَب أن تخمد الاحتجاجات مرحلياً بسبب القمع والعنف الذي تمارسه السلطات بحق المحتجّين وعزل المنطقة عن محيطها وقطع الإنترنت وعدم التحاق باقي المحافظات بها. لكن هذا الحلّ الأمني لن يكون مُجدِياً على المدى البعيد، وستبقى المحافظة عرضة لاندلاع احتجاجات ما دامت تعاني التهميش وعدم اهتمام الدولة بها، وما دام أبناؤها يشعرون بالحرمان والتمييز ضدهم، مع الإشارة إلى أنه لا يبدو أن لدى السلطات إرادة جدية لإيجاد حلول جذرية لمشكلاتها.
(المصدر: تي آر تي TRT العربية)