استضافت أكاديمية أطر الغد في أولى محاضراتها المركزية، صباح يوم الاثنين، العالم المقاصدي نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. أحمد الريسوني، ليحاضر في موضوع “تدافع القيم في عالم اليوم”، حيث ابتدأ حديثه بالتنبيه إلى كون العالم اليوم يشكو من شتى أنواع الحروب العسكرية الدموية، والتي تخترق الحدود الجغرافية للبلدان، “إلا أن الحرب على القيم ليس لها حدود أبدا”، حسب المتحدث.
وقدم الريسوني تعريفا مقتضبا عن القيم، معتبرا أنها تضمن الحد الأدنى من الانسجام في السلوك الاجتماعي وهي المعاني التي تجعل الشعوب تتطلع للأفضل مثل التضامن، الطموح، الحرص على الوقت.. وبناء على ذلك فهي كثيرة وغير محدودة ولها تصنيفات حسب المجال الذي يتواجد فيه الإنسان، كما يمكن أن تكون كونية شاملة يشترك فيها الجميع.
وعن العبارة الشائعة “تدافع القيم”، قال العالم المقاصدي أنه بمتابعة الأحداث سنجد أن هناك صراعا، إلا أنه ليس صراعا بين القيم، ولكن بين “القيم واللاقيم” حسب تعبيره، “لأن القيم لا تدل إلا على الأشياء الإيجابية، وهي تتعاون وتتضافر وتسير نحو نفس الوجهة”، ليستطرد قائلا: “إن أصحاب القيم السلبية لا يرتضونها مبدئيا، ولكنهم يعملون بها خدمة لمصالحهم”. ويضيف: “إن الصراع الدائر اليوم بين القيم الأصيلة وبين القيم الدخيلة أو قيم الحداثة، إلا أن حقيقته تتجلى في كون الهجوم من طرف واحد، بينما ينحصر دور الطرف الآخر في الدفاع عن نفسه. ويشدد الدكتور على استحالة إمكانية اعتبار هذا النوع من التدافع متكافئا، بحكم تفوق الغرب المطلق في جميع المجالات، وخاصة عناصر القوة، فهو يسعى للترويج لقيمه بل وفرضها علينا.
ويضرب الريسوني مثالا بالأسرة التي تعتبر معقلا وقلعة لحفظ القيم، والتي يتم استهدافها بكل الوسائل، “ففي الغرب اندحرت الأسرة وتلاشى دورها، في حين أن المسلمين عامة لا يزالون يعظمون الزواج، ويتشبثون بشرعية العلاقات عن طريق الزواج”، ويستطرد المتحدث بقوله أن استهداف الأسرة يتم عن طريق مطالب لحذف تجريم الخيانة الزوجية وشرعنة الزواج المثلي، والعلاقات الجنسية الرضائية، وكذا مكالب تأخير سن الزواج، وتقنين الإجهاض، وكثيرا ما يتم استغلال بعض القيم من أجل تبرير هذه المطالب كقيمة «الحرية» والتي قال عنها الريسوني أنها مفهوم واسع، يشمل حرية التفكير والإبداع وإبداء الرأي .. إلا أن الاستغلال البشع يجعل من هذا المفهوم يرادف حرية تصريف الشهوات بلا قيد ولا شرط.. وهو الأمر الذي يجعل الإنسان عبدا لشهواته فتنتفي الحرية التي ادعى أنه يسعى إليها.
وشأنها شأن مفهوم الحرية، يرفع دعاة تيار اللاقيم شعار القيم الكونية، لكنهم للأسف يستعملونه بغرض التدليس، ويجعلونه مفهوما فضفاضا ليوظفوه حسب السياقات التي تخدم مصالحهم، لذا ينبه الدكتور إلى ضرورة التفكير والتساؤل عن المعيار في وضع هذه القيم؟ وعن مواصفاتها التي تجعلها تبدو « كونية».
ويقول الريسوني أن البشرية تتفق وتختلف في نقاط كثيرة، ومن الأمور التي تشترك فيه تاريخيا واجتماعيا وكذا شرعيا، مسألة الضرورات الخمس التي تعتبر قيما كونية ومشتركة بين جميع الديانات والشرائع، وهو شيء يفخر به فقهاء الأمة.
وفي الأخير يؤكد الدكتور الريسوني على كون القيم الكونية الحقيقية التي ينبغي إعلاؤها هي تلك التي تكون مشتركة بين جميع الشرائع على مر الأزمان، حتى لا تكون مرتبطة بظرفية زمانية ومكانية معينة، إذ ينبغي التأكد ما إن كانت ستستمر في الزمان وإن كانت ستمتد جغرافيا.
المصدر: منظمة التجديد الطلابي.