واقع النظام الدولي قراءة في الميديا الغربية 4
إعداد أكرم حجازي
المبحث الثالث
تآكل النظام الدولي
منطقة الانعطافات الكبرى
إذا كانت هيمنة الولايات المتحدة تواجه تحدياتها في الداخل الأمريكي فإن تجليات المواجهة الطاحنة لها تجري في منطقة آسيا والباسيفيك، وفي المقدمة منها الصين واليابان. لكن في مستوى الصراع على النظام الدولي، يبدو المثل القائل بأن «العرس في الشام والدبكة في حلب» هو التعبير الأصدق، عما يجري في المنطقة من انعطافات تاريخية، تمس جوهر النظام الدولي إنْ لم يكن وجوده. هذا ملخص توصيف Martin S. Indyk مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق.ففي مقالة له من جزأين بعنوان:«عودة إلى لعبة الشرق الأوسط – 17/2/2015[1] كتب Indyk في الجزء الأول يقول:«لا يوجد مكان في عالم اليوم تنتشر به الفوضى ويحتاج لإعادة تقعيد النظام بشكل أكثر حرجًا من الشرق الأوسط. إن اللعبة الكبرى بين القوى العظمى المتنافسة يمكن أن يكون أصلها في وسط آسيا، لكنها وجدت أكثر تجلياتها حدة في “تقاطع الإمبراطورية” في الشرق الأوسط. وطالما ما تزال المصالح الأمريكية مشتبكة لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتوقف عن لعبها».
حال الأمة اليوم، في إطار الصراع الدولي، يكاد يكون نسخة طبق الأصل عن حالها عشية الحرب العالمية
الأولى سنة 1913. فأعظم الصراعات الدموية الطاحنة تجري على أرضها، والنظام الدولي التقليدي، الذي مضى على ظهوره قرابة مائة عام مضت، يكاد يلفظ أنفاسه هنا في المنطقة إنْ لم يكن قد لفظ أنفاسه فعلا، وتقاسُم النفوذ الدولي والهيمنة تجد تجلياتها هنا أيضا، وكذلك الشلل الذي يضرب مؤسسات النظام الدولي تجد صداها في وقائع لهيب الثورة السورية. وأينما ولى المراقب وجهه لمعاينة ما يجري في العالم لا بد وأن يتوقف هنا. ومن هنا ينطلق!!! والمشكلة العويصة أن الأمة تكاد تكون غارقة في فساد مستحكم، وسط صراعات أيديولوجية واستبدادية وفاشية ووحشية، وتحالفات بلا أية مسؤولية، إلا من الغرام في الاستئثار بالسلطة والثروات والموارد، سواء على مستوى الدول أو النظم السياسية أو الجماعات والأحزاب أو النخب والتيارات الثقافية أو العقدية والطائفية. وكأن ما يجري لا يعنيها، فضلا عن إشغال وانشغال التيارات الثورية والجهادية بصراعات بينية لاستنزافها وإضعافها وترويضها أو شل فاعليتها.
لكن إذا كانت مشكلة الديون تشكل نذيرا للنظام الاقتصادي والمالي العالميين، فإن بنية النظام الدولي السياسية والقانونية استنزفت إلى الحدود التي تبقيها مجرد هياكل شكلية، بلا فاعلية. الأمر الذي يدفعنا إلى الحديث، على الأقل، عن حتمية إعادة بناء النظام الدولي.
طالما تميز المشهد التقليدي للنظام الدولي، بوضعية تشريعاته وفلسفاته وبناه المعرفية والذهنية والإدراكية والفلسفية والأخلاقية والقيمية، وكذا وحداته السياسية والإدارية ومؤسساته ومرابطه الكبرى، ومنظوماته القانونية ومواثيقه الحقوقية، ونظم علاقاته وغيرها من التراتيب. ولا ريب أن كل هذه المرجعيات والنظم والأطر كانت مؤهلة للتعامل مع الدول القومية التي صنعها، ومع كل منتجاتها من الأحزاب التي نبتت في رحابها، وكذلك مع كافة الجماعات والحركات الوطنية والتحررية والتيارات السياسية، بمختلف تلاوينها الأيديولوجية والعقدية … والواقع أن كل نواتج النظام الدولي، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والصحية والإعلامية والقانونية والتشريعية، قبلت العمل تحت سقف النظام الدولي كما هو. بل أنها لم تفرط في وسيلة أو تدخر جهدا إلا وبه تزاحمت، طوعا أو كرها أو من باب الأمر الواقع، على أبواب النظام الدولي، والاندراج فيه كما لو أنه آخر المطاف، إما طلبا للاعتراف، أو رغبة في الحماية، أو بحثا عن إنصاف في قضية ما، أو استجداءً لنصرة في مرحلة ما.
وبدوره كان النظام الدولي، عبر الدول المهيمنة أو في إطار مؤسساته، ذو نفس طويل في التلاعب بحقوق البشر ومصائر الأمم والشعوب، عبر الاحتفاظ بالهيمنة وأدواتها في عقر دار الدول وأنظمتها السياسية، ومساومة الحكام والقوى السياسية والدينية، أفرادا ودولا وجماعات ومؤسسات، وابتزازها إلى حد الاستنزاف التام، والاحتواء والتطويع، ولو على حساب الدين والحضارة والتاريخ والثقافة، أو ما يسمى بالمصطلح السياسي بـ « الثوابت»، أو فرض العقوبات السياسية والاقتصادية، أو دعم الانقلابات والتدخل العسكري المباشر إذا لزم الأمر، بل وزرع وتنمية ما يلزم له من النخب لتبني خطابه وفلسفاته وأطروحاته التحريفية، المعادية للأمة والدين، والاجتهاد في ترويج نماذجه السياسية والثقافية، وحتى بناء التحالفات، واستعمال القوى المادية العنيفة كالجيوش وأجهزة الأمن ومؤسساتها وقواعدها العسكرية والأمنية في شن حروبه داخل الدول القومية، وأخيرا «احتلال المجتمعات»[2] ذاتها.
كان العالم الإسلامي وفي القلب منه العالم العربي، عقر الدار، أكثر من تعرَّض، على وجه الأرض من الأمم والشعوب، للتدمير والتخريب والسيطرة والتحكم في مصيره، ماضيا وحاضرا، دون أن يكون هناك أدنى أمل في الخروج من سطوة هذه الهيمنة. فلم تحتفظ دوله بثروة ولا بحقوق ولا تنمية ولا اقتصاد ولا سياسة ولا حريات ولا أمن ولا أمان بقدر ما شاع واستوطن في دوله الاستبداد وثقافته وقيمه التي ألقت بظلالها على الفرد والمجتمع حتى غدت ثقافة العبودية لدى الغالبية الساحقة من الناس، موالين ومعارضين، كما لو أنها الأصل والدين الحنيف وما دونها أو فوقها من الحريات استثناء وترف وتعدًّ على سماحة الإسلام وولاية الأمر.
ما كان للنظام الدولي أن يورث في العالم الإسلامي غير هذه النتائج، لاسيما وأن كينونته ووجوده تم ربطهما في المنطقة بـ « المرابط» الأربعة الكبرى. وما كان للنظام الدولي أن يعتق المنطقة وهي سيدة الانعطافات في التاريخ الإنساني، فكيف يمكن ذلك؛ والإسلام بالمرصاد لكل المنتجات الوضعية التي ائتلفت لمحاربته؟ وكيف يمكن لهذا النظام أن يركن حتى إلى ما يسمى بـ « القوى الإسلامية المعتدلة» بحيث يسلم لها زمام الأمور؟
لكن في مشهد النظام الدولي الأمني، انزوت الأيديولوجيات القومية واليسارية، بعد الفشل الذريع الذي منيت به في تحقيق أية نتائج تذكر، بل أنها اندرجت في غالبيتها الساحقة، بوعي أو بدون وعي، إما في أطر النظم القائمة، أو في أطر النظام الدولي نفسه، أو حتى في الأطر اليهودية والصهيونية، أو في أطر الصفوية الجديدة. وفي ذات الوقت الذي كان يشهد هذا الأفول المريع، كان ثمة قوى صاعدة بدأت تشق طريق بواكيرها الأولى عبر ستينات القرن العشرين.
فقد مثَّل الغزو السوفياتي لأفغانستان سنة 1979 أول لحظة انعطاف فارقة، عبر التيارات الإسلامية المقاومة والجهادية، التي أخذت بالظهور تباعا في شتى أنحاء العالم الإسلامي. وقدمت خطابا عقديا (1) مناهضا للنظام الدولي، و (2) رافضا لكل كينوناته ومرجعياته وآليات عمله وسياساته، بل ولكل مخرجاته ومنتجاته. ولم تعد « التيارات الجهادية العالمية» على وجه الخصوص لتقبل الدخول في أية مساومات مع النظام الدولي ومؤسساته، أو مع النظم السياسية، أو مع القوى السياسية المخالفة، أو حتى مع ما بات يعرف بالمؤسسات الدينية التقليدية ورموزها. بل أنها، وخشية من « الإسلام الأيديولوجي»، رغم انزلاقها فيه، رفضت، ولمَّا تزل، أية مصالحات أو تقاطعات شرعية أو رسمية محلية، وأبت؛ ولم تأبه لأية نتائج قد تترتب على اختياراتها، ولا لأية نداءات أو محاولات احتواء أو تبرير أو تفاهم.
أما ثاني لحظات الانعطاف الفارقة، فتمثلت في الثورات الشعبية، التي انطلقت شرارتها في تونس، وامتد لهيبها شرقا، لتطيح بأعتى النظم السياسية، وتتوهج غربا، وتحط بعض رحالها شمالا باتجاه أوروبا، وصولا إلى شمال القارة الأمريكية. هذه اللحظة مثلت أول وأبرز اشتباك محلي مع الاستبداد، وخارجي مع النظام الدولي. ولعل أميز ما في هذه الثورات، التي خرجت بلا قيادات، أنها بدت كما لو أنها ردا، ليس فقط على عقود الاستبداد والظلم وسوء الحال، بل وعلى فشل كافة الأطروحات الأيديولوجية، ورموزها ومؤسساتها وأدائها وآليات عملها.
هاتان اللحظتان الفارقتان هزتا النظام الدولي من الجذور. وحثتا جميع القوى والنظم السياسية في العالم على التحرك، لمنع توغلهما، ومحاصرة آثارهما، وإبقائهما في حالة قذف باتجاه الداخل. فالنظام الدولي الذي كان خلال العقود الماضية قادرا على التعامل مع مخرجاته ومنتجاته، بدا مع تفجر الاحتجاجات في ورطة غير مسبوقة، وهو الذي أمكنه فعلا من التعامل مع الدول والنظم السياسية وما تفرزه حركات التحرر والمقاومة والاحتجاج، إلا أن مرجعياته ومنظوماته التقليدية بدت عاجزة تماما عن التعامل مع الأطروحات العقدية وتمرد الشعوب.
الطريف في الأمر أن النظام الدولي وظف كل طاقاته العسكرية والأمنية والفكرية والإعلامية والاقتصادية، وخاض فعليا حربين طاحنتين في أفغانستان والعراق، فشلتا في تحقيق أية نتائج تحد من توغل « الفكر الجهادي» وتياراته الضاربة. ولأنه تَراجع اقتصاديا بفعل الديون، والتفاوت الهائل في الثروة بين المكونات الاجتماعية، وصارت له أزمات محلية مستحكمة، فقد بات تدخله عسكريا، كما حالتي العراق وأفغانستان، بالغ الصعوبة، إنْ لم يكن مستحيلا بالمنطق التقليدي الذي تنزل به الجيوش على الأرض. كما أن أدواته ورموزه، ممن يضطلعون بقيادة الثروة المضادة في دول الثورات وحتى في تركيا التي تتعرض لعبث محلي ودولي أقرب ما يكون إلى الثورة المضادة، ما زالوا يسجلون فشلا ذريعا في حسم الموقف لصالحهم.
في المحصلة؛ فلا النظام الدولي ومرجعياته قادر على حسم الموقف عبر أطره ومؤسساته، ولا الدول الكبرى قادرة على حل مشاكلها وأزماتها أو التجرؤ على التدخل العسكري المباشر، ولا النظم السياسية تمتلك من الشرعية في واقعها وسياساتها بقادرة على أن تفعل شيءً ما يؤمن وجودها ناهيك عن مستقبلها، ولا الدول العميقة وأذرعها بمنآى عن المحاسبة والعقاب وربما الانتقام، ولا الشعوب مهيأة لتنسى أو لتخسر ما خبرته من تجربة جماعية تنفست فيها بعض عبير الحريات. فما الذي يحدث إذن أو سيحدث في قابل الأيام؟
حتمية التفكك
ما يحدث أن الجغرافيا تتفكك، والنظم السياسية العربية في حالة فزع وتور واستنفار لا مثيل له، فبعضها انهار، وآخر في طور الانهيار، وبعضها يتمنع ويتحصن، وثالثها يتوحش ويهاجم، ورابعها يتآمر، وخامسها في حالة دفاع، وروسيا القيصرية في حالة هجوم، والهيمنة الأمريكية تنحسر، واليابان تنكمش، والصين تترقب وتتوسع، وأوروبا تحبس أنفاسها، والمشروع الصفوي يهاجم ويهدد، والدولة اليهودية في هلع متزايد، والثورات السلمية تتعسكر وطنيا وعقديا، والشعوب تفقد صبرها … . فما الذي يمكن أن تكون عليه حالة النظام الدولي مع هكذا أوضاع؟
كغيره من سياسيي الغرب كتب وزير الخارجية الألماني الأسبق، joschka fischer، مقالة بعنوان: « أمريكا
المفتقدة[3] – 30/5/2013»، قال فيها: « (لقد) جرى الحفاظ على النظام الإقليمي الذي خلقته القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وإلى نهاية الحرب الباردة والحقبة الوجيزة من الهيمنة الأميركية الأحادية التي أعقبت نهايتها، بيد أن اضطرابات السنوات الأخيرة العنيفة ربما تفضي إلى نهاية هذا النظام .. الآن أصبحت الحدود الاستعمارية محل تشكيك، ومن الصعب أن نتكهن بما قد تنتهي إليه أحوال سوريا ولبنان والعراق والأردن. والآن أصبحت إمكانية تفكك المنطقة وإعادة تشكيلها – وهي العملية التي قد تطلق أعمال عنف لا توصف كما يحدث في سوريا – أعظم من أي وقت مضى».
كانت الولايات المتحدة قد اعترفت مبكرا بالخطر المحدق بالنظام الدولي. وجاء في أول فقرة لنص « تقرير مراجعة استراتيجيا الأمن القومي[4] لسنة 2010 – صدر في 2/6/2010» ما يلي: « في مطلع القرن الحادي والعشرين، تواجه الولايات المتحدة الأميركية مجموعة واسعة ومعقدة من التحديات لأمننا القومي. وكما أن أميركا ساعدت على تحديد مسار القرن العشرين، علينا أن نبني الآن مصادر قوة أميركا ونفوذها، وأن نصوغ نظاما دوليا قادرا على التغلب على تحديات القرن21». وفي فقرة أخرى يقول التقرير: « سيكون من المدمر لكل من الأمن القومي الأميركي والأمن العالمي، إن استخدمت الولايات المتحدة ظهور تحديات جديدة وعيوب النظام الدولي كذريعة للانسحاب منه».
لكن ما أن وقعت مذبحة الغوطة الكيماوية في سوريا في 21/8/2013 حتى ثارت زوبعة دولية تمخضت عن حديث علني بين رموز النظام الدولي حول حقيقة النظام وقدرة مؤسساته على العمل. وعشية اجتماع مرتقب لمجلس الأمن لبحث وقائع المذبحة دعت صحيفة « الواشنطن بوست – 29/8/2013 » الأمريكية الرئيس باراك أوباما إلى: « إثبات أن هناك عواقب وخيمة لمن يجرؤ على انتهاك الخطوط الحمراء التي تضعها الولايات المتحدة، وإلا فإن النظام العالمي سيبدأ بالتفكك». ولما فشل المجلس في اتخاذ أي إجراء، بسبب الموقف الروسي، سارعت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف، إلى التعبير عن: « تشكك (ها) فيما إذا كان المجلس هو المكان المناسب للتصدي للحرب المستمرة منذ عامين». ومن جهته؛ وصف الكاتب البريطاني، بول فاليلي، في مقالة له في صحيفة « ذي إندبندنت أون صنداي – 8/9/2013 » البريطانية، مجلس الأمن الدولي بأنه « معطل»، ونسبت الصحيفة إلى سفيرة الولايات المتحدة الأممية، سمانثا باور، قولها: « إن المجلس لم يعد يقوم بالواجبات التي نشأ من أجلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية». وأشارت إلى أن: « النظام الأممي اُبتكر عام 1945 للتعامل مع التهديدات من هذا النوع في المقام الأول» .. (لكن) .. « مجلس الأمن الدولي لا يقوم بمنع الأخيار من السيطرة على أفعال الأشرار وكبحها، ولكنه يتيح لروسيا استخدام حق الفيتو من أجل حماية حليفها الأسد، رغم إمعان الأخير في ذبح المدنيين بدم بارد وبالغازات السامة»، وأكثر من ذك، قالت الصحيفة أن: « رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يتبنى نفس وجهة النظر من المجلس الأممي».
في أعقاب إعلان « الدولة الإسلامية» عن قيام «الخلافة» كرر الرئيس الأمريكي أوباما موقف بلاده في مقابلة مع صحيفة « نيويورك تايمز – 8/8/2014» على موقعها الإلكتروني القول:« لن نسمح لهم بإقامة خلافة بصورة ما في سوريا والعراق، … لكن لا يمكننا فعل ذلك إلا إذا علمنا أن لدينا شركاء على الأرض قادرين على ملء الفراغ». وسواء كان هناك شركاء أو لم يكن فالحقيقة لم تفارق الرئيس حين قال بأن: «ما نراه يحدث في الشرق الأوسط ومناطق من شمال أفريقيا هو بداية تصدع نظام يعود إلى الحرب العالمية الأولى». أما المتحدث السابق باسم الخارجية الأميركية،آدم إيرلي، فقال خلال استضافته على برنامج« ما وراء الخبر – 20/12/2014 الذي بثته قناة « الجزيرة» على وقع معركة عين العرب (كوباني) مع « الدولة الإسلامية» أن: «اتفاقية سايكس بيكو لم تعد موجودة مع تلاشي الحدود بين سوريا والعراق»، … وأن « المنطقة لن تشهد سايكس بيكو جديدة». ومع ذلك فقد ختم بالإشارة إلى:«الحاجة إلى حدود جديدة وكيانات جديدة». وحتى لا يستفز بعض الدول الإقليمية الكبرىفقد ألمح إلى أن:« النقاش حول هذه المسائل يجب أن يكون بين دول المنطقة وليس غيرها». ولا ريب أن المقصود بذلك إيران وتركيا على وجه التحديد بعيدا عن الجماعات الجهادية والثورية المسلحة.
وفي مقالته «الفائزون والخاسرون في الشرق الأوسط[5] – 3/11/2014» يؤكد fischer joschka مجددا بأنه: « بات من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تواجه أيضا احتمال انهيار النظام القديم الذي ظل قائما في المنطقة بلا تغيير تقريبا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فضلا عن تراجع القوى التقليدية المثبتة للاستقرار في المنطقة».
وفي مقالة سابقة له بقليل بعنوان: « الغرب المنهَك[6] – 26/8/2014» رأى fischer من جهته أن: «المناقشة حول مستقبل النظام العالمي تدور في الأساس في الغرب وتحديداً في أميركا الشمالية وأوروبا». وفي شرحه لآليات تفكك النظام الدولي أشار إلى أن: « العواقب الفوضوية المترتبة على التفكك التدريجي لما يسمى باكس أميركانا (السلام الأميركي) واضحة على نحو متزايد»، وأن:«السلام الأميركي كان مكوناً أساسياً من مكونات الأمن الغربي، إلا أن الولايات المتحدة لم تعد راغبة في، أو قادرة على، العمل كشرطي للعالم»، وأنه: « إذا بلغت الأمور ذروة التعقيد في منطقة زلزالية أخرى من السياسة العالمية، أو على وجه التحديد منطقة شرق آسيا، فإن العالم قد يواجه كارثة عالمية نابعة من تزامن العديد من الأزمات الإقليمية. ومن الواضح أن أزمة كهذه لن يتمكن أحد من السيطرة عليها أو احتوائها». وأنه: «حتى الآن لم تسمح العولمة الاقتصادية بظهور إطار واضح للحكم العالمي. ولعلنا الآن في خضم عملية فوضوية يخرج منها ما قد يؤدي إلى نشوء نظام دولي جديد، أو الأرجح هو أننا لا نزال عند بداية هذه العملية».
من جهته يقر الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي ( الناتو)، javier-solana، في مقالته: « سنوات العيش تكتيكيا[7] – 27/10/2014» بفشل استراتيجي يتحمله مهندسو النظام الدولي بعد الحرب الثانية. وفي ضوء الأزمات التي يعاني منها النظام ينطلق Solana من تقييم حالة الانتقال من الثنائية القطبية إلى التعددية فيقول: «الواقع أن النظام الدولي، مع تقدم التحول نحو التعددية القطبية، أصبح غير مستقر ومتوترا على نحو متزايد، ثم أتت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 لكي تتفاقم حالة عدم اليقين وانعدام الثقة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل اتجاهات مثل العولمة» .. لكن « المشكلة الكبرى كانت فشل البلدان المتقدمة، التي تولت هندسة النظام الدولي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في صياغة إستراتيجية شاملة في التصدي للتحديات العالمية وإدارة عملية الانتقال إلى نظام دولي جديد». والسبب أن: «الغرب سمح للمخاوف التكتيكية القصيرة الأمد بعرقلة تطور الرؤية الإستراتيجية الأطول أمدا». لهذا فـ:« ليست روسيا وحدها التي أدارت ظهرها للحداثة الغربية … كما أن الغرب لم يكن مستعدا لتقهقر القوى العالمية والبحث عن المستقبل في الماضي … وتتلخص مسؤولية بقية العالم في بناء خلفية مستقرة … نظام دولي شامل حيث تلتزم الدول بالقواعد والمعايير نفسها».
وكنماذج أخرى من المناقشات الدائرة حول مصير النظام الدولي؛ عنونت المديرة السابقة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، anne-marie-slaughter، مقالتها بسؤال: « كيف يُحكم عالم أفلت زمامه؟ – 31/10/2014» يوحي بأن النظام الدولي وليس فقط النظام الإقليمي انفلت من عقاله. وبخلافjoschka fischer الذي أشار إلى أمريكا وأوروبا كمركز للمناقشات الدائرة حول النظام الدولي، تنقلslaughter رأيا لعجوز السياسة الأمريكية، هنري كيسنجر، يرى فيه أن: « التصورات المتنافسة للنظام العالمي منتشرة ليس فقط في الشرق الأوسط، بل وأيضا في آسيا»، ويرى أن القواعد الدولية إما أنها تتحطم كما تفعل روسيا بوتين التي:« تكسر القواعد الدولية صراحة» دون أن: « تكلف نفسها عناء تبرير تصرفاتها بموجب القانون الدولي، بل إنها تتفاخر باستعادة الأراضي التي حكمها الكرملين ذات يوم وتهدد باستخدام القوة لحماية المنتمين إلى العرق الروسي من تهديدات مزعومة»، وإما أنها في الطريق إلى التحطيم كما سيكون الحال مع الصين التي:« تلعب حاليا وفقا للقواعد الدولية» … لكن كيسنجر يتساءل: « مع تنامي قوتها ومطالبتها بما تعتقد أنها مكانتها التاريخية في آسيا والعالم، فإلى متى قد تنتظر ( الصين) قبل أن تصر على إعادة صياغة القواعد الدولية؟». وتختمslaughter مقالتها بفقرة بالغة الصراحة حين تقول: « الواقع أن مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد كافية، وقد حان الوقت لإصلاحها وابتكار هياكل وأدوات جديدة مصممة لمعالجة المشاكل العالمية».
لكن؛ وبعد نحو عام من استشهاداتslaughter، وبضعة أسابيع من الإعلان الرسمي عن التدخل
الروسي في سوريا (15/9/2015)، كتب كيسنجر نفسه، مقالة في صحيفة « وول ستريت جورنال -18/10/2015»، توقف فيها عند سلسلة الأزمات الطاحنة التي تضرب المنطقة والعالم، وكذا الدور الأمريكي، وما يجب القيام به. والحقيقة أن مقالته بدت، في شموليتها، وكأن الرجل، الذي بلغ من العمر عتيا، يحرص على قول آخر الكلام قبل أن يرحل عن عالم الدنيا. وعلى خلفية ما أفرزته حرب تشرين أول/أكتوبر سنة 1973 من « نظام استقرار» في المنطقة، امتد طوال أربعين سنة، يرى كيسنجر أن: « الشرق الأوسط السني بات عرضة لخطر الابتلاع من أربعة مصادر متزامنة، هي: (1) إيران التي يحكمها الشيعة وما لديها من إرث إمبريالي فارسي، و (2) الحركات الراديكالية أيديولوجيا ودينيّاً التي تناضل لإطاحة الهياكل السياسية السائدة، و (3) الصراعات الراهنة داخل كل دولة بين جماعات إثنية ودينية جُمّعت عشوائيّاً بعد الحرب العالمية الأولى على هيئة دول (آخذة الآن في الانهيار)، و (4) الضغوط المحلية النابعة من اتباع سياسات داخلية سياسية واجتماعية واقتصادية وخيمة». وفيما يتعلق بروسيا وإيران، فقد رأى كيسنجر أن: « التدخل العسكري الروسي في سوريا تسبب في جلب الفوضى للبنية الجيوسياسية التي اتسمت بها منطقة الشرق الأوسط عقودا». أما الدور الإيراني، فيقول: « ما إن بدأ نقاش الخطة الدولية الشاملة المشتركة لتنفيذ اتفاق البرنامج النووي الإيراني على أرض الواقع، وذلك من أجل العمل على استقرار الشرق الأوسط على المستوى الإستراتيجي، حتى بدأ الإطار الجيوسياسي للمنطقة بالانهيار»[8].
أما الأوساط الاستخبارية الدولية فكانت أكثر تشاؤما من كيسنجر. فبعد عشرة أيام من مقالته، وخلال مؤتمر حول الاستخباراتشارك فيه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية« CIA»، جون برينان، أعلن مدير الإدارة العامة للأمن الخارجي « DGSA»، برنار باجوليه، أن « الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى وأشك بأن يعود مجددا». وبالنظر إلى ما يجري في سوريا والعراق، حيث يقول باجوليه: « نحن نرى أن سوريا مقسمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد: ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها داعش، وأن « الأمر نفسه ينطبق على العراق»، فـ « لا اعتقد أن هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق». ومع أنه « يثق» بأن « المنطقة ستستقر مجددا في المستقبل»، لكنه لا يدري: « وفق أية خطوط؟»، فـ« في الوقت الراهن لست أعلم. ولكن في مطلق الأحوال ستكون مختلفة عن تلك التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية»، بل أن « الشرق الأوسط المقبل سيكون حتما مختلفا عن الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية»[9].
وفي السياق الاستخباري ذاته، أدلى الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية « CIA، مايكل هايدن، بتصريحات لقناة « CNN – 26/2/2016» الأمريكية، تتعلق بمصير المرجعيات الدولية التي صاغت النظام الدولي سابقا، مؤكدا أن: « الاتفاقيات العالمية التي عقدت بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تنهار، ما سيغير حدود بعض الدول في الشرق الأوسط». وأن: « الذي نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي، نحن نرى انهيارا للاتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضا انهيارا في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول بأن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجودا، ولن يعود كلاهما أبدا، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة»[10].
هكذا! « لم تعد المؤسسات كافية» ولا « قواعد النظام الدولي» أيضا، أما لماذا؟ فلأن (1) الأسباب والظروف والغايات المنشئة لها ولأجلها قد تغيرت بتقادم الزمن عليها، وأمست كأية منظومة قانونية بحاجة إلى تعديل وتنقيح وتفكيك وإعادة تركيب. فقد مرت مائة عام على نشأة العصبة وهيأة الأمم، أولى بواكير النظام الدولي. ولأن (2) البشرية مرت في عدة أطوار من التغيرات الجذرية حضارية، (3) في حين لم تتغير القواعد المنشئة، ولا البنى المؤسسية، ولا آليات العمل، ولا السياسات المهيمنة، ولا الغايات، ولا المرجعيات، ولا القيم الحاكمة، ولا التقسيمات الظالمة، ولأن (4) فاعلين جدد ظهروا في العالم ومصالح جديدة، ولأن (5) ما بلي من القواعد والمرجعيات لم تتضمن في الأصل معالجة ما استجد من حركات اجتماعية وشعبية ومطالب حقوقية وأخلاقية وإنسانية شاملة، ولأن (6) النظام الدولي، كأحد السلع الرأسمالية، ولد وظل، هو ومنتجاته، موضع احتكار، وأداة سيطرة وتحكم، لقادة السوق، ولأن (7) العقائد والأديان لا يمكن أن تبقى مجرد سلع، تُزدَرى في أسواق الفلسفات الوضعية. فإذا كانت الرأسمالية ذاتها قد استنزفت؛ فهل يعقل أن يبقى الحديث عن إصلاحات وابتكارات لذات المنظومة أو في محيطها!!؟
ولعلها أسوأ المناسبات الصريحة تلك التي كانت في أعمال « المؤتمر السنوي للأمن والسلم العالمي»، والذي انطلقت فعالياته في 6/2/2015 في مدينة ميونيخ الألمانية، حيث كانت مناقشة (1) «انهيار النظام العالمي» من ضمن جدول الأعمال إلى جانب (2) « المسألة الأوكرانية» و (3) «محاربة الدولة الإسلامية». وهو ما يؤكد أن النظام الدولي بات مسألة أمنية دولية بامتياز. وها هو منظم المؤتمر فهو الدبلوماسي الألماني السابق، فولفغانغ إيشنغر، يوضح بأن: « الاجتماع سيبحث الازدياد غير المسبوق بالأزمات العالمية خلال العام المنصرم، وعدم قدرة المجتمع الدولي على مواجهتها». وبخلاف الرئيس الأمريكي الذي تحدث عن « بداية تصدع في الشرق الأوسط ومناطق من شمال أفريقيا» ابتعد إيشنغر عن اللغة الدبلوماسية ليشير إلى أن: «النظام العالمي ينهار حاليا»، وما يجري في الواقع هو أن:«الجميع يختبر القدرة على المواصلة»، لافتا إلى أن مصادر التهديد تكمن في: « (1) نفوذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأوكرانيا، و (2) الصين في مواجهة اليابان، و (3) إيران في الملف النووي، و (4) الجهاديون بأفعالهم الفظيعة». أما«مجموعة الأزمات الدولية» فأكدت بأنه: «على الصعيد العالمي، تبدو الزيادة في التنافس الجيوسياسي، في الوقت الحاضر على الأقل، وكأنها تتجه نحو عالم أقل سيطرة وأقل قابلية للتنبؤ».
وعلى ضوء الأزمة الأوكرانية التي مثلت بحسب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل (24/8/2014) «أخطر تهديد لاستقرار أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية» عبرت صحيفتا « الغارديان» و« صنداي تايمز» البريطانيتان في 15/2/2015 عما يشبه حالة الفزع، من فوضى قد تعم أوروبا قريبا. ففي «الغارديان» كتب مدير مركز « كارنيغ» بموسكو، ديمتري ترينين، يقول بأن:« التوقعات ترجح أن المستقبل المنظور لن يشهد وجود نظام أمني مشترك في أوروبا، وأن عدم الاستقرار سيدخل إلى هذه القارة التي ظلت فترة طويلة أكثر مناطق العالم استقرارا وأمنا». وخلص إلى القول بأن: «أزمة أوكرانيا تشير إلى بدء فترة جديدة في السياسة الدولية، إذ أن دولا كبيرة تهدد النظام الدولي الحالي الذي تهيمن عليه أميركا، والنزعة الوطنية تتصاعد في أماكن تمتد من تركيا إلى الهند واليابان وتهدد بالمزيد من التآكل للهيمنة الأميركية».
في السياق، وحيث تتوجه الأنظار نحو مصير الولايات المتحدة في ظل الخطر المتربص بالنظام الدولي، يخرج أكاديمي يمايز بين « الهيمنة» و « التفوق» الأمريكي. هذا ما يعتقده مساعد وزير الدفاع ورئيس مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي، Joseph S. Nye. ففي مقالة له بعنوان: « هيمنة أم تفوق أمريكي؟[11] – 9/3/2015» افتتحها بالقول: « لم تمتلك دولة في التاريخ الحديث نفوذا عسكريا دوليا بهذا الحجم الذي حازته الولايات المتحدة الأميركية. لكن بعض المحللين الآن يرون أن الولايات المتحدة تسير على خطى المملكة المتحدة، آخر القوى المهيمنة المنهارة. وهذا القياس التاريخي، رغم شيوعه المتزايد، خادع ومضلل». وفي متنها استعرض « ثلاثة مضامين لمفهوم الهيمنة:
- « فبعض المراقبين يخلط هذا المفهوم بالإمبريالية، لكن الولايات المتحدة تمثل دليلا واضحا على أن القوة المهيمنة لا تحتاج بالضرورة إلى امتلاك إمبراطورية رسمية.
- وهناك آخرون يعرِّفون الهيمنة بأنها القدرة على وضع قواعد النظام الدولي، وإن ظل التعريف الدقيق لمدى التأثير الذي يجب أن تحدثه القوة المهيمنة في هذه العملية، مقارنة بالقوى الأخرى، غامضا.
- بيد أن آخرين يعتبرون الهيمنة مرادفة للسيطرة على معظم موارد النفوذ».
وبعد مناقشة قصيرة لآراء محللين، يخلص إلى القول: « يبدو التفوق وصفا أكثر دقة لنصيب متميز ووافر وقابل للقياس من أنواع موارد النفوذ الثلاثة، العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة». وفي إجابته على التساؤل الذي يطرحه:« بشأن ما إذا كان عصر التفوق الأميركي في سبيله إلى الزوال؟»، يقول: إذا أخذنا في الاعتبار صعوبة التنبؤ بالتطورات العالمية، « فمن المستحيل مؤكدا أن نتوصل إلى إجابة قاطعة عن هذا السؤال». ومع أن الكاتب يعتقد بأن: «صعود القوى العابرة للحدود والفاعلين من غير الدول، ناهيك عن القوى الصاعدة كالصين، يوحي بأن هناك تغييرات كبرى تلوح في الأفق». إلا أنه يعتقد أيضا بأنه: « لا يزال هناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد بأن الولايات المتحدة ستحتفظ بتفوقها في موارد النفوذ، وستواصل أداء الدور المحوري في ميزان النفوذ العالمي، طيلة النصف الأول من هذا القرن على أقل تقدير». وينهي مقالته في فقرة تنبؤية لافتة، تقول:«إذا كان التفوق الأميركي لم ينته، فهو على وشك أن يشهد تغيرات مهمة. ويبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كانت هذه التغيرات ستعزز الأمن والرخاء العالميين أم لا».
لكن السؤال الحرج هنا هو: إذا ما كانت الولايات المتحدة قادرة على الاحتفاظ بتفوقها لعقود قادمة فهل سيكون بمقدورها الاحتفاظ بالهيمنة؟ أو هل ستتصرف بذات منطق الهيمنة الذي تصرفت به على مدار العقود الماضية؟
واقع الأمر أن الصورة البادية لهذه المناقشات خاصة في الولايات المتحدة تؤشر على حالة من الغموض لا يمكن أن تفككها المناقشات فحسب، بقدر ما تصيغها الأحداث والمواقف والأفعال أيضا. لكنها بلا شك تعكس ما يراه الكثيرون حالة من الفوضى العارمة التي تجتاح العالم.« فوضى حقيقية» وليست« فوضى خلاقة» كما يرى البعض. وهو ما يستدعي نوعا من الاحتفاظ بالهيمنة إلى أن تتضح الأمور. وقريبا مما طرحه Joseph S. Nye حول مستقبل النفوذ الأمريكي، يناقش كاتب فرنسي هوDavid Rothkopf الأمرفي مقالة له صدرت في صحيفة « سليت – 5/4/2015» الفرنسية، بعنوان:« الولايات المتحدة وراء فوضى مجهولة في الشرق الأوسط». وفيها يقر الكاتب بمسؤولية النظام الدولي، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ونظم الاستبداد، عما وصل إليه الحال، بالتأكيد على أنه: « لا يمكن إنكار أن العديد من الانتفاضات الحالية سببها (1) تعاطي الدول الاستبدادية الفاسدة». وأن:«عددا كبيرا من هذه المشاكل الحالية يمكن إرجاعه أيضًا إلى (2) أخطاء قادة الإمبراطورية البريطانية، وإلى (3) اتفاقيات مثل اتفاقية سايكس بيكو التي أصابها التقادم بعد ما يقرب من قرن من وجودها. ولا ننسى أن (4) غزو العراق من قبل بوش زاد في تعكر الأمور. ناهيك، بطبيعة الحال عن (5) بنيامين نتنياهو، الذي لا يمكن أن يكون أكثر من أحمق. وبالإضافة إلى ذلك، يرى أنصار فك الارتباط مع الشرق الأوسط، أن أمريكا لديها النفط ولديها الغاز. وهكذا فالأمريكان لم يعودوا بحاجة إلى الشرق الأوسط مثل ذي قبل. كما أثبت الأمريكان جهلهم في كل تدخل عسكري وفي بناء الدولة (في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى) ».
وعن « فك الارتباط» هذا؛ يذكر الكاتب بما:« سبق وأن قاله أوباما إنه سيفك الارتباط .. »، ثم يتساءل: « ما السبب الذي يمنع الأمريكان من الخروج من منطقة الشرق الأوسط؟ أليس هذا ما نادى به أوباما خلال حملته الانتخابية؟»، وفي الإجابة يذكر الكاتب النفط كمتغير ثابت[12] لكنه يرى أن:
· « أمن أمريكا ضد التهديدات المحتملة من هذه المنطقة لا يزال من مسؤوليتها. وكرئيس، فهو يتحمل مسؤولية الدفاع عن المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم. هذه المصالح التي تلزم أمريكا بالبقاء في الشرق الأوسط.
· وهناك عوامل جيوسياسية ضخمة في اللعبة؛ فاستمرار الفوضى لفترة طويلة مع وجود حكومات ضعيفة سيجعل من الصعب مراقبة وإدارة التهديدات التي تعيشها المنطقة.
· وهناك أيضًا الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة مثل إسرائيل والأردن يواجهان أيضًا خطر هذه الفوضى الكبيرة. وإذا ما ضعفت مواقعهم، ستضطر وقتها الولايات المتحدة لمزيد من الاستثمار في المنطقة، مما سينجر عنه تكلفة باهظة.
· وفي الوقت نفسه، إذا كانت الولايات المتحدة تريد فك الروابط أو أن تكون عاجزة على القيام بدور فاعل في المنطقة، وقتها سيكون تأثيرها في الحكومات الوطنية الجديدة التي ستنشأ بعد نهاية الحروب منخفضًا، إن لم يكن انتفى. وإذا ضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة فإن دولًا أخرى ستحل محلها ما ستكون له تداعيات مؤسفة».
من جهتهم يصب الجمهوريون جام غضبهم على سياسات « أنصار فك الارتباط» من الديمقراطيين. ففي 26/3/2015 ألقى رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، جون ماكين، خطابا في « مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية»، كشف فيه: « إنه في الأشهر الثلاثة الماضية، أرسل القادة في أقسام مختلفة من الولايات المتحدة رسالة مشابهة، مفادها أنّ: الولايات المتحدة تعاني من فترة غير مسبوقة من الاضطرابات العالمية التي يمكن أن تقوّض النظام العالمي الليبرالي». واستشهد بكلام لهنري كيسنجر إلى اللجنة في يناير الماضي مفاده: « إنّ الولايات المتحدة لم تواجه مثل هذه المجموعة المتنوعة والمعقدة من الأزمات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
ومن جهته قام الكاتبJu-Yeong June Shin بتغطية الخطابفي مقالته:«كيف تحافظ أمريكا على النظام العالمي اللبرالي؟[13] – 7/4/2015» كاشفا الكثير من أطروحات ماكينالتيتفوح منها مرارة الحال: «فعلى مدى سبعة عقود، (والكلام لماكين) والنظام العالمي الليبرالي الذي أسسته أمريكا وحلفاؤنا بشق الأنفس، ينشر الازدهار ويحافظ على السلام. تصدينا لعمليات العدوان، ودافعنا عن الحلفاء، وقضينا على النزاعات وحافظنا على السلام من خلال القوة». ومع أنه لا يخفي مخاوفه من: « دول مثل الصين وروسيا وإيران تهدد بمراجعة ودحر المبادئ الأساسية للنظام العالمي الليبرالي، ويصر على:« الاعتراف بأنه لا يوجد حل عسكري»، إلا أنه يتمسك بالقول أنه:« لا ينبغي أن يقودنا ( ذلك) إلى الاعتقاد أنه لا يوجد بُعد عسكري».
وبحسب الكاتب يختتم ماكين كلمته قائلًا: « هناك ضغوط خطيرة على النظام العالمي الليبرالي. لا يجب أن تسير الأمور بهذه الطريقة. لا يجب أن ينخفض النفوذ الأمريكي في أي مكان في العالم. هذا هو الخيار، والأمر متروك لنا. نستطيع أن نختار مستقبل أفضل لأنفسنا؛ ولكن إذا اتخذنا قرارات صائبة فقط. ويجب على الولايات المتحدة أن تبدأ باتخاذ القرارات الذكية لمواجهة التهديدات بشكل فعّال التي تهدّد القيم الأمريكية».
مثل ماكين هذا، ومعه الجمهوريين، لا يرى حلا إلا بالقوة العسكرية والهيمنة، حتى أنه لم يتوانى أن يفتتح مقالته بالإشادة بالامبريالية: « على الرغم من سوء سمعة الإمبريالية الآن؛ إلّا أنّ الإمبراطورية كانت الوسيلة الافتراضية للحُكم في معظم فترات التاريخ، ودائمًا ما كان يُنظر إلى انهيار الإمبراطوريات بأنّه عملٌ فوضوي، سواء في الصين والهند من العصور القديمة وحتى مطلع القرن العشرين أو في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى». هذا ما كتبه Robert D. Kaplan في مجلة الـ « فورين بوليسي- 25/5/2015»: عودة الإمبريالية هي الحل للفوضى في الشرق الأوسط! »[14].
وفي الإجمال يقر Kaplan بأن: «الانهيار الذي نشهده في العالم العربي اليوم، وحالة الفوضى في أجزاء من شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام، هو في حقيقته نهاية تامة للإمبريالية». لكن في تفاصيل«الواقع» يتحدث عن: «انهيار ثلاثة أنظمة إمبريالية في الشرق الأوسط». وهي بحسبه:
« أولًا: توضح الفوضى في الشرق الأوسط أنّ المنطقة لا تزال لم تجد حلًا لانهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب
العالمية الأولى». لذا فقد: « كان الاستبداد هو الحل الوحيد لنهاية الإمبريالية الغربية في هذه الدول المصطنعة، وانهيار الشمولية الآن هو السبب الجذري للفوضى في الشرق الأوسط».
« ثانيًا: أدى الانفجار الداخلي في العراق في أعقاب سقوط صدام حسين، وانهيار سوريا في أعقاب الربيع العربي، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية إلى نهاية الحدود التي أقامتها الإمبريالية الأوروبية والبريطانية والفرنسية في بلاد الشام». ولعل في هذا السقوط مأساة للولايات المتحدة والنظام الدولي. فقد:« كانت الديكتاتوريات العربية القوية في جميع أنحاء المنطقة متوافقة مع المصالح الأمريكية؛ لأنها توفر عنوانًا واحدًا في كل بلد تذهب إليه أمريكا في حالة وقوع أزمات إقليمية. ولكن هذا انتهى الآن؛ ففي العديد من البلدان، لا يوجد ثمة مسؤول واحد يمكننا أن نتحدث معه عن مخاوفنا. الفوضى ليست مجرد مشكلة أمنية وإنسانية، لكنّها عقبة شديدة تقف أمام استعراض القوة الأمريكية».
« ثالثًا: نهج عدم التدخل الواضح إزاء هذه التطورات من قِبل الرئيس باراك أوباما يُظهر نهاية دور أمريكا كقوة عظمى في تنظيم واستقرار المنطقة».
ويختم بعبارة طريفة يقول فيها: «التحدي الآن ليس إقامة الديمقراطية؛ بل استعادة النظام[15]؛ لأنه بدون نظام، لن يتمتع أي إنسان بالحرية».
أما تقييم مؤسسة الاستخبارات الأمريكية الخاصة للتنبؤ الاستراتيجي، « ستراتفور»، وتوقعاتها لحالة البشرية في السنوات العشر القادمة فجاءت بأسوأ ما يمكن تخيله. ولخصها Armin Rosen في مقالة بعنوان:« ستراتفور – توقعات مثيرة عن شكل العالم بعد عقد من الآن[16] – 16/6/ 2015»، وبدورنا سنجملها دون ذكر للتفاصيل.
تعتقد المؤسسة بأن:« العالم بعد 10 سنوات من الآن سيكون مكانًا أكثر خطورة، مع تلاشي قوة الولايات المتحدة ومعاناة دول أخرى بارزة من الفوضى والتراجع». ولا يرى تقرير المؤسسة أنّ:« الفوضى ستنتهي قريبًا» أما: « روسيا سوف تنهار»، و:« ألمانيا ستعاني من بعض المشكلات»، و:« بولندا ستكون أحد زعماء أوروبا»، و:« أوروبا سوف تُقسّم إلى أربع مناطق»، و:« العديد من الدول العربية في حالة سقوط حر الآن»، و:«الصين ستواجه مشكلة كبيرة»، و:« اليابان ستصبح قوة بحرية صاعدة في آسيا»، و:« القوة الأمريكية سوف تتراجع، والمستفيد الأكبر من كلٍ ما يجري ستكون تركيا».
حتى الكاتب لم يخف فزعه من التقرير. فأيد: « الحجة القائلة بأن الولايات المتحدة لابد أن تعيد ترتيب بيتها من الداخل، اقتصاديا، وماديا، واجتماعيا، وسياسيا، إذا كان لها أن تحظى بالموارد اللازمة لتعزيز النظام في العالم». لكن عقلية الهيمنة لم تفارقه في خاتمة مقالته:حيث « ينبغي للجميع أن يأملوا أن تتمكن من تحقيق هذه الغاية بالفعل: فالبديل لعالم تقوده الولايات المتحدة ليس عالم تقوده الصين، أو أوروبا، أو روسيا، أو اليابان، أو الهند، أو أي دولة أخرى، بل إنه عالم بلا قيادة على الإطلاق. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا العالم سوف يتسم على الأرجح بالأزمات المزمنة والصراع. ولن يكون هذا سيئاً بالنسبة للأميركيين فحسب، بل وأيضاً للغالبية العظمى من سكان كوكب الأرض».
لكن من يطلع على مقالة Dominique Moisi القادمة من العاصمة البولندية – وارسو:« ترميم النظام العالمي[17] – 29/6/2015» يشعر وكأنها رد على تقرير « سترانفور». وربما هي كذلك فعلا. ففي ضوء الأزمة الأوكرانية، سطر الكاتب أول الفقرات بالقول: « بينما تستعر الصراعات والأزمات العنيفة على مستوى العالم من أفريقيا إلى آسيا فإنه من الواضح تماما أنه لم يعد هناك ضامن لنظام – ليس القانون الدولي أو حتى الهيمنة العالمية- تنظر إليه البلدان (وبناة الدول المستقبليين ) على أنه شرعي ويتمتع بالمصداقية». ويلاحظ أنه بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية سنة 1923، ثم السوفياتية 1992، نهضت الإمبراطورية الصينية: «وهذا هو الأهم. هناك تقهقر في نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يطلق عليها ريموند ارون اسم الجمهورية الامبريالية، فالولايات المتحدة الأمريكية هي التي نظمت ودعمت المؤسسات متعددة الأطراف لمرحلة ما بعد سنة 1945 – مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيره- من أجل دعم الاستقرار الدولي. وإن فشل ذلك النظام على التأقلم مع تغير الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية قد أثار أسئلة جدية تتعلق بشرعيته»[18].
ويضيف بأن:« العالم لم يعد مقسما إلى امبرطوريات مما يعني تضاعف عدد اللاعبين (بما في ذلك اللاعبين الفاشلين) على الساحة الدولية … وإن …العامل الآخر الذي يساهم في انتشار الفوضى هو الزيادة الكبيرة في انعدام المساواة ومع العولمة فإن الفجوة بين الأغنى والأفقر، بين البلدان وفي داخل البلدان نفسها، قد ازدادت مما أضعف حس وحدة الهدف والذي يعتبر مهما للغاية لنظام دولي شرعي». ولأنه: «سوف يكون من الصعب جدا خلق نظام عالمي يحقق التوازن الذي نحتاج إليه بين الشرعية والقوة وحتى نتغلب على هذا التحدي فإن هناك ثلاث مقاربات واضحة:
المقاربة الأولى،
« تتضمن إعادة تعريف النظام العالمي. وذلك حتى يعكس بشكل أفضل الحقائق الجيوسياسية. ولئن تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية في العقد الأخير من موقع القيادة العالمي .. فإن .. الدولة الوحيدة التي لديها الوسائل والطموح لِأن تعمل إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كقائد عالمي هي الصين .. ولعل .. الإقرار بدور الصين كقوة عالمية حقيقية سوف يجبر الولايات المتحدة الأمريكية على تفهم تراجع هيمنتها ويجبر القادة الصينيين على الإقرار بمسؤولياتهم الدولية».
المقاربة الثانية،
« تعزيز القيم التي تعكس ذلك النظام. ففي نهاية القرن19 كان جان جاك روسو مقتنعا أن غياب الديمقراطية في أوروبا يمثل أحد الأسباب الرئيسة للحرب. واليوم يبدو أن الشيء المفقود هو حكم القانون .. وجود نظام دولي يطبق حكم القانون بشكل فعال سوف يحقق الكثير، فيما يتعلق بالتخفيف من السلوك الذي يؤدي للصراع».
المقاربة الثالثة،
« إعادة تقييم عمل المؤسسات المتعددة الأطراف. إن أفضل طريقة على وجه الخصوص لتجاوز الشلل الحاصل في مجلس الأمن الدولي، هو نقل بعض القرارات المهمة إلى مؤسسة أقل رسمية، مثل مجموعة العشرين علما أن عضويتها وإن لم تكن مثالية تعتبر أكثر تمثيلا للمتغيرات الجيوسياسية الحالية».
[1] Martin S. Indyk: « عودة إلى لعبة الشرق الأوسط – 2015/02/17 »، ج1، مدونة brookings.edu، على الشبكة:http://cutt.us/YtMbI، فريق ترجمة موقع« راقب»، على الشبكة:http://cutt.us/jMKC
[2] د. أكرم حجازي:« بدعوى مكافحة الإرهاب – « راند» توصي باحتلال المجتمعات»، 8/8/2008، موقع« إسلام أون لاين»، على الشبكة:http://cutt.us/mQR4A، أومدونة« islam4world»،: http://cutt.us/SlDns
[3] joschka fischer: « أمريكا المفتقدة»، 30/5/2013، موقع« بروجيكت سنديكيت»، على الشبكة: http://cutt.us/5D4v
[4] « تقرير مراجعة استراتيجيا الأمن القومي لسنة 2010» – صدر في 2/6/2010.
joschka fischer [5]: « الفائزون والخاسرون في الشرق الأوسط»، 3/11/2014. موقع« بروجيكت سنديكيت»، على الشبكة:
[6] joschka fischer: « الغرب المنهَك»، 28/8/2014. موقع« بروجيكت سنديكيت»، على الشبكة:http://cutt.us/U5qNg
[7] javier-solana: « سنوات العيش تكتيكيا – 27/10/2014»، موقع « بروجيكت سنديكيت»، على الشبكة: http://cutt.us/NSWXw
[8] « نص المقال الكامل لرسالة كيسنجر إلى أوباما»، ترجمة طارق علي، موقع «دار الأخبار»، على الشبكة:http://cutt.us/zcm0C، وكذلك: « كيسنجر: الإطار الجيوسياسي للشرق الأوسط ينهار»، 18/10/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/Q58u.
[9] « مدير الاستخبارات الفرنسية: الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى والعراق وسوريا لن تستعيدا حدودهما أبدا»، 28/10/2015، موقع: «راديو صوت بيروت»، على الشبكة: http://cutt.us/smkrX
[10] « رئيس CIA السابق: ستتغير حدود الشرق الأوسط التي كنا نعرفها – هايدن: القانون الدولي ينهار»، 26/2/2016، موقع « عربي21»، على الشبكة: http://cutt.us/Vpa3C
[11] Joseph S. Nye: « هيمنة أم تفوق أمريكي؟ – 9/3/2015»، موقع« بروجيكت سنديكيت»، على الشبكة: http://cutt.us/3Gjo
[12] لكن انطلاقا من متغير النفط يصف الكاتب Michael J. Tottenتخلي أمريكا عن منطقة الشرق الأوسط بـ « الخروج المستحيل»، فيقول: « إلى أن يمكن للسيارات والشاحنات أن تسير بالطاقة الشمسية والريح والطاقة النووية، يبقى العالم كله معتمدا على تدفق النفط من منطقة الخليج، وهذا يتطلب ضمانات أمن أمريكية، أي يتطلب وجودنا. وإلى أن تخسر التنظيمات الإسلاموية كل جاذبيتها المحلية، فليس لنا خيار يذكر إلا التدخل بصفة دورية بغض النظر عن الاقتصاديات أو الموارد. وفي الوقت الراهن، ومهما تكن جسامة الوضع، فالأمريكيون والعرب ملتصقون ببعضهم بعضا ولا فكاك. بوسعنا أن نأخذ استراحة قصيرة، أما التقاعد فبيننا وبينه عقود».تابعمصدر المقالة: Michael J. Totten: « الخروج المستحيل .. لماذا لا يمكن أن ترحل الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط؟»، نوفمبر/ ديسمبر2013، علىموقع« worldaffairsjournal»، على الشبكة:http://cutt.us/O8l8، ترجمة موقع« راقب»: http://cutt.us/8tnO6
[13] Ju-Yeong June Shin: « كيف تحافظ أمريكا على النظام العالمي اللبرالي؟ – 7/4/2015»، موقع« nationalinterest»، على الشبكة: http://cutt.us/3013u
[14] Robert D. Kaplan: « عودة الإمبريالية هي الحل للفوضى في الشرق الأوسط! – 25/5/2015»، موقعمجلة « foreignpolicy»، على الشبكة:http://cutt.us/Nh3wW
[15] في تقريره على محطة الـ «BBC» البريطانية يتحدثKevin Connolly بفقرة طريفة عن حكاية« استعادة النظام» بصيغة أخرى فيقول: « لا تزال أمريكا قوةً عظمى في الشرق الأوسط بطبيعة الحال، ولكنها ليست القوة التي كانت من قبل، لأسباب ليس أقلها أنها تجد صعوبة في تحديد النتائج المفضلة بالنسبة لها من هذا العصر الحالي من الصراع أبعد من البحث الميؤوس منه على ما يبدو عن تحقيق الاستقرار». Kevin Connolly: « رياح التغيير تعصف بالشرق الأوسط – 19 /7/2015»، موقع «BBC»، على الشبكة: http://cutt.us/xTuh0
[16] Armin Rosen: « ستراتفور: توقعات مثيرة عن شكل العالم بعد عقد من الآن»، 16/6/ 2015، موقع « businessinsider»، على الشبكة: http://cutt.us/mmx6T
[17] Dominique Moisi: « ترميم النظام العالمي – 29/6/2015»، موقع « بروجيكت سينديكيت»، على الشبكة: http://cutt.us/hmsyo
[18] ورد مثل هذا القول حتى في نص « تقرير مراجعة استراتيجيا الأمن القومي لسنة 2010»، الصادرة في 2/6/2010، حيث جاء فيها: « في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة هي التي تولت القيادة في بناء منظومة دولية جديدة =
= لاستتباب السلام ودفع عجلة الرخاء، من إنشاء حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة إلى توقيع معاهدات تنظم تطبيق القوانين وأسلحة الحرب؛ ومن إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصولا إلى شبكة يزداد نطاقها اتساعا من الاتفاقيات التجارية. هذه المنظومة، رغم عيوبها، مكنتنا من تجنب حرب عالمية وأتاحت تحقيق النمو الاقتصادي وعززت حقوق الإنسان. وفي الوقت ذاته سهلت تقاسم الأعباء بصورة فعالة بين الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا».
(المصدر: رسالة بوست)