الإسلاموية وما بعدها بين إشكالية المفاهيم والمطلب الاجتماعي
إعداد أ. د. محمد الحاج سالم
ينطلق هذا البحث من معاينة ميدانية تؤكِّد أن مفهوم الإسلام السياسي (أو الإسلاموية) مفهومٌ فضفاضٌ إلى حدِّ أنه قد يتَّسع للشيء ونقيضِه، فما الذي يجمع مثلًا بين الجماعة الإسلامية في باكستان، وحزب الله اللبناني، وحزب التحرير، وحركة الإخوان المسلمين، وجبهة النصرة في سوريا، وحزب النهضة التونسي، وما شابه ذلك من حركاتٍ تُوصَف عادةً بأنها إسلاموية؟
قد نتفق مع مَن يرى أن هدف هذه الحركات هدفٌ واحدٌ، وهو إقامة دولة الإسلام المُطبِّقة للشريعة، سواء من خلال العمل السياسي أو الدعوي أو العسكري، أو باعتماد استراتيجيات عملٍ مختلفة تتراوح بين «الأسلمة من تحت» و«الأسلمة من فوق». وقد يرى البعض في التراجع الميداني للتنظيمات الإسلاموية -سواء على المستوى السياسي (سقوط نظام الإخوان في مصر والسودان، وتراجع حركة النهضة التونسية عن مطلب الشريعة…إلخ) أو العسكري (الهزائم المتعاقبة في العراق وسوريا وليبيا…إلخ)- أنه تجاوزٌ لمرحلة الإسلاموية وولادة «ما بعد الإسلاموية». لكن هل استطاع مفهوم الإسلام السياسي المستورد من الفكر السياسي الغربي فهمَ مختلف جوانب هذه الظاهرة وتفكيكها حتى يجنح إلى اقتراح مفهومٍ جديدٍ يدَّعي التعبير عمَّا يتجاوزها ويؤدي إلى فهمٍ أفضل لما يجري في منطقتنا؟ وما هو المضمون الاجتماعي السياسي لهذا الـ «ما بعد» ما لم نفكِّك الـ «ما قبل»؟ وما أدرانا أن الجديد المزعوم سيكون موتًا للقديم ولن يكون مجرَّد نكوص أو تشكُّل جديد له؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، نقترح عناصر البحث التالية:
1- عرض مفهوم الإسلام السياسي عند بعض الذين تناولوا هذه الظاهرة من الباحثين العرب والغربيين.
2- نَقْد تلك الأطروحات بما يُتيح بناء مفهومٍ بديلٍ نزعم أنه أكثر استجابةً لما يقتضيه البحث العلمي من صرامة في تناول القضايا الملتبسة مفاهيميًّا، وأكثر التصاقًا بالمنحى السوسيولوجي الذي نزعم اتخاذه منهجًا، ويرى أن الإسلاموية نمطٌ من الأيديولوجيا المُعبِّرة عن حركاتٍ اجتماعية، وأن تنوُّعها من تنوُّع الجماعات التي تتبنَّاها بوصفها تعبيرًا سياسيًّا عن مطالبها.
3- بيان قدرة المفهوم المقترح على اجتراح قراءةٍ جديدةٍ للظاهرة تتجاوز القراءات المُسقطة على واقعٍ شديد التعقيد سوسيولوجيًّا ومتأثِّر بالدين لأسبابٍ تاريخية حضارية، مقابل رؤية تبسيطية ترى أن مجرَّد القول بموت الإسلاموية كفيلٌ بفهم ما طرأ على الظاهرة في سياق الظرف التاريخي الراهن.