مقالاتمقالات مختارة

مقال في ميديا بارت: عرب فرنسا بين أزمة الهوية والمعاناة النفسية

مقال في ميديا بارت: عرب فرنسا بين أزمة الهوية والمعاناة النفسية

في مكتب الطبيب النفسي، حيث يجد المرضى الفرنسيون المغاربيون الثقة، يعبر هؤلاء عن التمييز الذي يواجهونه في حياتهم اليومية، يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل يومي من السياق السياسي العام، من مشروع قانون “النزعة الانفصالية” إلى الخطاب العنصري غير المقيد المستمر على القنوات الإخبارية.

وتتحدث مدونة مكرورة، في مقال على موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي عن الكاتبة والطبيبة النفسية التونسية الأصل فاطمة بوفيت دو لا ميزونوف، وهي مؤلفة كتاب “عربية في فرنسا.. حياة تتجاوز التحيزات” وتعمل في مستشفى سانت آن في باريس، وجمعت شهادات كثيرة لبعض المرضى النفسيين المغاربيين الذين يعانون من أزمة هوية.

أزمة هوية
وتقول المدونة إن مكتب الطبيبة النفسية وفر للمغاربيين مساحة نادرة للتعبير عن أنفسهم دون الشعور بالذنب، ومنه جمعت “فرانس كلتور” شهادات هؤلاء المرضى الثمينة ووضعتها في تسجيل صوتي (بودكاست) بعنوان “التجربة” وبث في 3 يناير/كانون الثاني.

ويوضح مقالها أن مرضى فاطمة المتعودين على الصمت لا يقدمون قراءة سياسية لمعاناتهم، رغم أنها تبدو مرتبطة ارتباطًا وثيقا بتجربة التمييز اليومي، ولا يذكرون العنصرية بالاسم غالبا، بل يكتفون بالإشارة إليها.

وتفسر المدونة ما يعانيه المهاجرون وأبناؤهم عموما بما يراه عالم الاجتماع عبد المالك سيد من أنهم يحملون في داخلهم “نظاما مرجعيا مزدوجا ومتناقضا” ورفضا مزدوجا يجعل من الصعب استرضاء هويتهم، فهم عرب جدا في فرنسا، وفرنسيون جدا في بلدهم الأصلي، مما جعلهم في وضع بين بين لا يصعب تحمله.

يضاف إلى ذلك -حسب المدونة- ما ينتجه النظام الفرنسي من ظروف مادية غير مواتية لذوي الأصول المهاجرة، حيث يرتفع معدل البطالة وينخفض التصنيف، ويصعب الوصول إلى السكن والتوظيف والصحة، مما ينتج عنه عدم الاستقرار الذي يصب في القلق والاكتئاب وأمراض أخرى، دون توفير الرعاية النفسية التي غالبًا ما تكون باهظة الثمن.

ويأتي بعد كل ذلك مشروع القانون الأخير ضد النزعة الانفصالية الذي يعتبر تتويجا لعدة سنوات من الإجراءات الإدارية والدائرية التي استهدفت دور العبادة والجمعيات الإسلامية، على خلفية حالة الطوارئ ومكافحة الإرهاب، وسط خطاب عنصري في المجتمع الفرنسي.

يقول أحد المرضى الذين يعانون من الاكتئاب “مع كل هجوم، يكون رد فعلي الأول أن أتمنى ألا يكون محمدا” لأنه عندما يكون محمدا، ستتلو ذلك أسابيع من النقاشات حول الإسلام لا تقدم شيئا مفيدا بشأن مكافحة الجهاد، ولكنها تعيد نفس النغمة المعادية للإسلام.

ويتحدث مرضى فاطمة أيضا عن مصادرة الكلام التي تسبب شعورا بالغضب والعجز يتقاسمه الكثيرون، حسب المدونة. تقول الناشطة المناهضة للعنصرية سامية في آخر حلقة علاج لها “أثناء المناقشات حول قانون مناهضة الانفصالية وقانون الأمن العام، تركت الكثير من الضجيج الخارجي يدخل، كنت أشاهد الأخبار على فيسبوك ودموع الغضب والعجز تتحدر من عيني”.

ويتفق مع هذه الناشطة مريض آخر في حلقة البودكاست، فيقول “التلفزيون لم يعد صديقا. في الماضي كنا نمزح بتخويف الناس، أما اليوم فما ينتشر هو الكراهية. ما يقدمه البعض على أنه مناظرات فكرية يعيشه آخرون على أنه حملة إذلال وتحرش وكراهية”.

حارب نفسك لتكون فرنسيا
تقول المدونة إن مرضى الطبيبة النفسية لديهم رغبة مشتركة عميقة في أن ينالوا الاعتراف والانتماء وحتى الانصهار في المجتمع، ولكن بعضهم يقولون إنه حتى طمسهم لهويتهم العربية لم ينقذهم، وتقول إحداهن “حاربت نفسي. مت من الرغبة في الاندماج. أيقنت أنه لا أحد يمكن أن يحبني كما أنا، لأن من تكون مجرد ابنة عامل من شمال أفريقيا لا يمكن أبدا أن تكسب التعاطف معه”.

ومثل من يعيشون في ظل الاستعمار -كما يفهم على مدار البودكاست- ينتهي الأمر بهؤلاء المواطنين الفرنسيين المغاربيين إلى استيعاب السمات السلبية التي أنشأها الخطاب السائد عن ثقافتهم ولغتهم وتراثهم، على أنها حقائق موضوعية، مما يكوّن لديهم عائقا أمام احترام الذات والثقة بالنفس فـ “إذا أردت أن تكون عربيا جيدا في فرنسا، فالأفضل ألا تتخلى عن عروبتك”.

وأشارت المدونة إلى أن ما يشكل مصدر اشتباه، وحتى خيانة في السياق الفرنسي كتعلم اللغة العربية والتحدث بها والاستماع إلى الموسيقى العربية والذهاب إلى بلد المنشأ واعتماد الجنسية المزدوجة، يمكن أن يساهم فيما يحذر منه عالم الاجتماع أحمد محمد من الاضطرابات الناجمة عن التقليل من قيمة الذات، وبالتالي “الآثار النفسية المشوشة للوعي بسبب الانتماء إلى فئة محرومة”.

وترى الطبيبة النفسية فاطمة بوفيت أن دورها هو إطلاق الإنذار، موضحة “ليس من المفترض أن يكون مكتبي هو المكان المناسب لتسوية هذا النوع من الأمور. يجب أن يتم ذلك في مكان آخر”.

وختمت المدونة بأن إنكار العنصرية أو استيعاب الكل داخل الثقافة السائدة، ليسا سوى إستراتيجيات للبقاء في مواجهة كراهية الأجانب، غير أن حكايات هؤلاء المرضى تشهد على أن هناك نظاما عنصريا يؤثر على صحة 7 ملايين مواطن.

(المصدر: الجزيرة نقلاً عن ميديا بارت)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى