مقالاتمقالات مختارة

مسلمو بريطانيا.. بين النمو الطبيعي والتحديات المعرقلة (1-3)

مسلمو بريطانيا.. بين النمو الطبيعي والتحديات المعرقلة (1-3)

بقلم د. إدريس جميل

تتناول هذه المقالات على مدار ثلاثة حلقات التطوّرات التأريخية للأقلية المسلمة في بريطانيا؛ متى شكّلت النواة الأُولى للمجتمع المسلم المستقر في بريطانيا؟ وتطوّراتهم العددية والديمغرافية، وتنوّعاتهم العرقية والإثنية والعقدية والفكرية، وانتشارهم الجغرافي في أنحاء البلاد، وظاهرة تزايد نسبة نموّهم بالاطراد، وتزايد حضورهم في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية العليا والمتوسطة.

 كما أصبحت الأقلية المسلمة اليوم أكثر تعليماً وانفتاحاً وتفاعلاً وقدرة للاندماج الإيجابي من ذي قيل حسب إحصائيات عام 2011.

وبالمقابل تتطرق المقالات إلى التحديات الذاتية والموضوعية التي تواجهها اليوم الأقلية المسلمة في بريطانيا، ويتم مناقشة وتحليل تلك المواضيع في سياق ترتيبها الزمني والموضوعي.

متى شكّلت النواة الأُولى للمجتمع المسلم المستقر في بريطانيا؟

يعتقد أنّ معرفة البريطانيين بالإسلام والمسلمين تعود إلى فجر الإسلام؛ ذلك أنّ الإسلام ظهر في المنطقة التي تعتبر مهد الديانتين السماويتين اليهودية والنصرانية في العالم، حيث تشير بعض الوثائق التاريخية البريطانية إلى أنّ الملك أوفا ملك أنجلوسكسون القوي المتوفى (796م) امتلك نقوداً مكتوبا عليها البسملة وكلمة الشهادة بالخط العربي الكوفي، ولا يعرف حتى الآن طبيعة علاقة هذا الملك ببلاد الإسلام، إلا أنّ الشيء المؤكد أن اتصالات حصلت بينه وبين ملوك المسلمين في القرن الثامن الميلادي.

كما أنّ الجزر البريطانية كانت معروفة لدى بعض المؤرخين المسلمين القدامى، لذا ورد ذكر أجزاء كبيرة منها في كتاب صورة الأرض من المدن والجبال والبحار والجزائر، والأنهار الذي استخرجه الخوارزمي (781-850)، كما ورد بعض تفاصيلها في خريطة العالم للإدريسي (1100-1166) بل إنّ الإدريسي قام بزيارة جنوب إنجلترا قادماً إليها من صقلية، ونتيجة لهذا التواصل بدأت تزداد معرفة الإنجليز بالعالم الإسلامي، إلا أنّ هذه العلاقات لم تكن دائما حسنة، بل تعرضت إلى موجات من الصراعات لقرون عدة في الفترة التي عرفت بالحروب الصليبية، وكان الدور البريطاني دوراً محورياً ضد المسلمين في الحملات الصليبية المختلفة.

وعلى الرغم من تلك الحملات العسكرية فإنّ علاقات المسلمين والأوروبيين لم تخلُ من تواصل إيجابي، ومن علاقات تجارية، وتبادل المعارف والخبرات في المجالات العلمية والثقافية المختلفة، فإنّ المنجزات العلمية للحضارة الإسلامية من الطب ورياضيات والفن المعماري والفلسفة ومبتكرات أخرى كثيرة وجدت طريقها إلى الغرب. وبدأت تلك التطوّرات المعرفية للمسلمين تجذب اهتمام الإنجليز أكثر إلى الحضارة الإسلامية، على الأقل من بداية القرن الثاني عشر الميلادي، وأصبحوا يشدون الرحال إلى الأندلس والشام ومصر والقدس، ومراكز أخرى للاستفادة من إسهاماتها ومنجزاتها الإنسانية؛ نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أدليلارد (Adlelard of Bath 1080 -1125 ) الذي سافر لطلب العلم إلى الأندلس وصقلية وبعدها إلى الشام والقدس ومصر واليونان وتعلم اللغة العربية، وبعد إجادته لها ترجم عدة أعمال عربية إلى اللاتينية؛ أشهرها “زيج الخوارزمي بتنقيح المجريطي” وكتاب أصول الأقليدس وكان الأصل اليوناني مفقوداً وأربعة كتب للبلخي بمساعدة يوحنا الإشبيلي. وترجم روبرت من شستر في عام 1145م من العربية إلى اللاتينية كتاب “الجبر والمقابلة” للخوازمي. وفي عام 1386م عندما كتب شستر حكايات كانتنبري ( (The prologue to Canterbury tales ذكر علماء المسلمين العظام الذين لهم إسهامات كبيرة في مختلف المجالات والمعارف العلمية كالرازي وابن سيناء وابن رشد. وترجما دانييل أوف مورلي ( Danel of Morly) ) ومايكل اسكوتوس ((Micael Scotus أعمال أرسطو التي كانت مترجمة إلى العربية من اللاتينية، والتي أصبح لها الصيت الكبير في عهد النهضة في الغرب.

وفي عام 1477م ترجم إيرل ريفيرز ( Earl Rivers) إلى الإنجليزية كتاب “مختار الحكم ومحاسن الكلم”، وتتالت أنشطة حركة الترجمة للكتب الإسلامية في تلك الفترة والعقود التي تلتها، وأصبحت مكتبة بودليان (Bodleian Library) في أوكسفورد تزخر بمخطوطات ومراجع عربية وإسلامية أصيلة. وأسست كل من جامعتي كيمبردج وأكسفورد في القرن السابع عشر الميلادي كرسي الدراسات العربية، وتباعاً ظهر علماء عرفوا بالمستشرقين متخصصين في حقل الدراسات الإسلامية والعربية، وغرضهم كان ابتداء دينياً تبشيرياً، إلا أنّهم لاحقا أصبحوا في صلب العملية الاستعمارية بمدهم للاستعمار بمعلومات تاريخية وثقافية واجتماعية ودينية لتلك البلدان سهّلت لاحتلالها، بل أصبح الكثير منهم وزراء ومستشارين في المستعمرات، وانخرط عدد منهم في الأجهزة التجسسية والعسكرية؛ على سبيل المثال لا الحصر توماس لورانس المعروف بلورانس العرب، وديفد هوغارت والسير مكماهون ومارك سايكس صاحب اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت، واللورد بلفور صاحب وعد بلفور المشؤم، والجنرال غوردن حاكم السودان وغيرهم.

 وإذا تركنا جانبا الدور السلبي الذي لعبه المستشرقون فإنّ أعمالهم العلمية لا تخلو من إيجابيات أقلها أنها عرفت المجتمعات الغربية بالثقافة الإسلامية واللغة العربية خاصة في أوساط النخب المتعلمة منهم، وظهر ذلك جلياً من تأثير الحضارة الإسلامية في كثير من أنماط حياتهم الاجتماعية والثقافية والفن المعماري وغيره في أروبا عامة وفي بريطانيا خاصة.

 وبعد بروز الإمبراطورية العثمانية كقوة ضاربة في المشهد الدولي منذ القرن الخامس عشر، دخلت بريطانيا معها في عدة اتفاقيات سياسية وتجارية وعسكرية، ومثلها مع سلاطين المغرب العربي لنفس الغرض.

ونتيجة لتلك التطورات في العلاقات وصلت أول بعثة دبلوماسية من شمال إفريقيا بقيادة أحمد بن هادوا إلى إنجلترا وبقيت هذه البعثة في إنجلترا لفترة من الزمن. وأثناء مكوثها أثيرت مسألة الطعام الحلال وموضوع مقابر المسلمين ومراسم دفنهم، وكان ذلك في عام 1601م تقريبا.

وبموجب تلك الاتفاقيات حصل تبادل الأسرى بين بريطانيا والدولة العثمانية وسلاطين شمال إفريقيا كما فتحت بريطانيا موانئها للتجار المسلمين، وبالمثل فتحت الدولة العثمانية موانئها وأسواقها للتجار الإنجليز.

3 أصناف

وعلى العموم فإنّ بريطانيا عرفت في تلك الفترة ثلاثة أصناف من المسلمين؛ صنفاً كان يأتي إليها للتجارة، وصنفاً آخر من الأسرى القراصنة الذين تمّ إطلاقهم من السجون أو من العبيد الذين تم تحريرهم بموجب الاتفاقيات المذكورة أعلاه. وصنفا ثالثا أشارت إليه بعض المصادر؛ حيث إن بعض القراصنة البريطانيين الذين سقطوا أسرى في أيدي المسلمين تحولوا إلى الإسلام؛ ففي بداية القرن السابع عشر في حدود عام 1610م وصل عدد المعتنقين للإسلام منهم ستة وأربعين شخصاً، إلا أنّ المعلومات عنهم انقطعت بعد عودتهم إلى بلادهم، وهناك أشخاص من البريطانيين ذهبوا إلى ديار المسلمين باختيارهم واعتنقوا الإسلام طوعاً، وأطلقت عليهم بعض الكتابات الإنجليزية آنذاك بأنّهم تحولوا إلى أتراك أو إلى محمديين.

رحلات تجارية

ونتيجة لهذا الانفتاح أصبحت بريطانيا تستقبل أفواجاً من المسلمين لأغراض تجارية. ففي عام 1611م أشار توماس كوريات إلى وجود أعداد من المسلمين الأتراك في بريطانيا، وحصول بعض الزيجات من فتيات بريطانيات.

 وفي عام 1641م أثناء الحرب الأهلية أشارت بعض الكتابات إلى وجود طائفة من المحمديين في لندن وتناولتهم بصورة سلبية. وبعدها بسنوات قليلة في عام 1649م أشار إليهم المفكر البريطاني المعروف جون لوك (John Locke) أثناء مطالبته بضمانات الحقوق المدنية لجميع الطوائف سواء كانوا اللادينيين أو أتباع محمد أو يهودا في المملكة.

وفي عام 1650م صدرت أول ترجمة للقرآن الكريم بالإنجليزية حيث ترجمها ألكسندر روس الإسكوتلندي، كما تم تناول الإسلام والمسلمين في بعض الأعمال الفنية في تلك الفترة في بريطانيا.

وعلى العموم استمرت علاقة بريطانيا بالعالم الإسلامي بعد تلك الفترة تتقدم أحيانا وتتراجع أحايين أخرى إلى أن أصبحت بريطانيا قوة استعمارية واستعمرت كثيرا من بلدان العالم الإسلامي.

وللحديث بقية..

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى