بقلم عبدالعزيز صباح الفضلي
علّمنا الإسلام مبدأ الإنصاف، وأن نزن كلّ إنسان بحسب أعماله وأقواله، وأن نقول الحق ولو كان مرّا، وأن نشهد بالصدق ولو على خصمنا “ولا يجْرِمنّكم شنئآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
كما أنه من مباديء الدِّين عدم العصمة لأحد من البشر، سوى الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام.
وأنه لا يوجد إنسان فوق النقد، فكل ابن آدم خطاء، لكن لابد أن يسبق النقدَ الأدبُ، خاصة عندما يكون الحديث عن العلماء الأجلاء.
ومن المعلوم أن العالِم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ بعد الاجتهاد فله أجر واحد، فهو في كلتا الحالتين مأجور.
اختلف البعض مع فتاوى الشيخ العلامة يوسف القرضاوي -حفظه الله- في العديد من المسائل، وهذا أمر طبيعي لا خلاف أو غبار عليه.
لكن الأمر المحزن أن ينتقل الخلاف إلى الطعن والتجريح، وإلى الإساءة والتحريض، وإلى اتهام الشيخ بما ليس فيه، أو نسب فتاوى شرعية هو بريء منها.
ولعل من آخرها ما قام به بعض الجهلة من اتهام الشيخ بأنه أحد المحرضين للأعمال الانتحارية والتخريبية التي يقوم به التكفيريون الغلاة.
وقيامهم بالتحريض على الشيخ لدى بعض الدول العربية كي لا تستقبله أو تُكرمه!!
ومن المعلوم أن الشيخ القرضاوي أفتى بجواز العمليات الاستشهادية على الأراضي الفلسطينية ضد الصهاينة بضوابط وشروط، إلا أن البعض يحاول التلبيس -كفعل إبليس- فيزعم زورا وبهتانا بأن فتوى الدكتور القرضاوي هي أكبر محرض على العمليات الانتحارية!
وينسى أو يتناسى، أو يجهل أو يتجاهل -أولئك المحرّضون- بأن الشيخ القرضاوي في نظر أولئك التكفيريين الخوارج إنما هو ضال مبتدع!
إن تاريخ العلامة القرضاوي أبيض ناصع يحمل بين سطوره المنهج الوسطي المعتدل البعيد عن التشدد والغلو، ولقد عاش الشيخ القرضاوي طول حياته وهو يحارب التطرف، ويستنكر كل الأعمال الخارجة عند المنهج الإسلامي المعتدل.
إن من العجب أن بعض من ينتقد الشيخ القرضاوي اليوم ويتهمه بالتطرف، هو نفسه الذي كان يرى سابقا في دعوة الشيخ للوسطية والاعتدال، بدعة وضلالا!
ونقول لمن فجر في الخصومة، إن سيرة العلامة القرضاوي مليئة بالتضحيات والإنجازات من أجل نصرة الدين والأمة الإسلامية.
فكل ذو بصيرة يعلم بأن للشيخ القرضاوي قصب السبق في تأسيس مجامع فقهية، وروابط علمية، ومؤسسات خيرية، ومنابر إعلامية.
وكان للشيخ القرضاوي حضوره اللافت في القنوات الفضائية والبرامج الإذاعية. وقد أُحصِيَ للشيخ أكثر من ١٠٠ كتاب ومجلد في العلوم المختلفة – الشرعية والإنسانية والتربوية والأدبية والسير والتراجم.
ولا يزال الشيخ -برغم كبر سنه وقد شارف على التسعين عاما- يشارك في المؤتمرات والندوات، وله حضوره الإعلامي.
لكن السؤال: ما هو دور الكثير ممن ينتقدون الشيخ ويهاجمونه، وما هو تاريخهم في نصرة قضايا المسلمين والدفاع عنها؟
البعض لو فتحنا كشف حسابه لوجدناه مليئا بما يسوّد الوجه، من تآمر على المسلمين، وعمالة لأعداء الدين.
والبعض تاريخه أسود -كالليل البهيم- في فتاوى التحريض على قتل المعارضين المدنيين واستباحة دمائهم.
والبعض ممن ينتقدون الشيخ لا يجرؤ على استنكار طوام وبلاوي ومنكرات يقع فيها أولياء نعمته، ولا يملك شجاعة القرضاوي في قول الحق، فيلتزم الصمت خوفا على أرصدته البنكية! !
أخيرا يقول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طُوِيت.. أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت.. ما كان يعرف طيب عرف العود
لقد كان الهجوم على العلامة القرضاوي فرصة استذكر الناس معها تاريخ الشيخ، وعزز فيها مكانته في قلوب محبيه.
حفظ الله تعالى العلّامة القرضاوي وأبقاه ذخرا للأمّة، فهو كالغيث أينما وقع نفع>
*المصدر : بوابة الشرق الالكترونية