إسلاميون يحبون الظالمين ويترحمون عليهم!!
بقلم السيد أبو داود
وأنا على فراش المرض أنتظر عفو ربي، وألتمس بركة دعاء الأحبة والصالحين.. أثيرت قضية الشماتة في هلاك الظالمين.. فأحببت أن أسجل هذه الخاطرة:
منذ صغري، ثم بعد تعرفي على الثقافة الإسلامية وأنا شاب، لم تشغلني قضية هلاك الظالمين، وكنت ومازلت أعتبرها قضية بسيطة لا تستحق، فمن شاء فليفرح وليشمت، ومن شاء لم يفعل، لكن عليه ألا يعترض على من يشمت ويفرح.
لكن ما أفزعني هو مسارعة قطاع واسع من الإسلاميين إلى الترحم على الهالكين من الظلمة وأهل الفساد والطغيان والتجبر في الأرض، ولم يكتفوا بذلك بل سارعوا في انتقاص الفريق الآخر من الإسلاميين الذين عبروا عن فرحهم وشماتتهم..
واستند فزعي إلى نقطتين رئيسيتين:
النقطة الأولى (سياسية):
وتتعلق بقضية غاية في الخطورة، وهي أننا نعتبر أن أخطر قضية في تاريخ المصريين السياسي والنفسي والاجتماعي، هي قضية الفرعونية وتسلط واستبداد الحاكم الفرعون، ويصاحب ذلك عبودية المصريين للفرعون وتأليههم له، رغم ما يفعله بهم من إذلال وقهر وإفقار. والقرآن الكريم مليئ بالآيات التي تحلل الظاهرة الفرعونية وتذمها وتحذر منها.
لكن المصيبة أن الإسلاميين الذين يدّعون أنهم يرفضون الفرعونية وعبادة الفرعون، تأكد بالفعل والممارسة أن قطاعًا واسعًا منهم يحبون الفرعون حبًا متغلغلاً في شغاف قلوبهم. فمنذ ثورة ٢٥ يناير وما بعدها، تأكد للعالم أجمع أن هذا القطاع يعبد الفرعون ويحبه، ويلوي نصوص الشريعة لكي يؤكد بها حبه هذا، ثم رأينا قطاعًا آخر من الإسلاميين الذين يقولون إنهم يرفضون الفرعونية وعبادة الفرعون، يعيبون على من يشمت في هلاك الظالمين والفراعنة، بل إنهم يترحمون عليهم، وما ذلك إلا لتغلغل العبودية للفرعون وحبه في جيناتهم ودمائهم.
النقطة الثانية (دينية):
حيث يدعي من يترحمون على الظالمين، أن ذلك نابع من رقة قلوبهم وإنسانية مشاعرهم، ويستند أيضًا إلى حبهم للدين وتمسكهم بالشريعة بشكل أقوى من أولئك الشامتين، لكن المؤكد أن مستندهم الشرعي واه، وأن فهمهم الديني مضطرب.
ففي صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجنازة، فقال: (مُستريح ومُستراح منه؛ فقالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟، قال: إن العبد المؤمن يستريح من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب).
ففي هذا الحديث دليل على أن هذه الراحة نعمة من نعم الله الجليلة التي لا بد من شُكرها، وأول أبواب شكرها: الفرح بها.
أما الاحتجاج بحديث النهي عن سب الموتى وذكرهم إلا بخير، فيجاب بأن النهي إنما هو في حق غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة وأهل الجبروت والضلال والفساد، فإن هؤلاء لا يحرُم ذِكرُهم بالشر؛ للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم.
وهذا ما فهمه إمام كبير هو الحسن البصري حيث قال: «أترغبون عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يحذره الناس».
الدرس المستفاد من هذه القضية، هو استحضار آيات الله في الظالمين: فبعد السلطان والنفوذ والمال والتكبر والإفساد في الأرض، يأتي الفناء والهلاك، ولا ينفع إلا الهدى والإيمان والدوران مع الحق حيث دار، والدعاء بحسن الخواتيم، فقد انتهت الحياة للظالم المتجبر وثبت أنه لا يملك شيئًا أكثر من المؤمن الضعيف الذي كان يظلمه.. وفي النهاية مات الاثنان.. وبعد قليل سيندم الظالم المتجبر، وسيفرح المؤمن المظلوم: [قل بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَلِكَ فَلۡیَفۡرَحُوا۟ هُوَ خَیۡر مِّمَّا یَجۡمَعُونَ].
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)