بقلم د. محمد نور حمدان
عندما نتكلم عن الخلافة فإن الأيام تعود بنا إلى ذلك الزمن الجميل الوردي الذي كان فيه المسلمون أعزة أسياداً يأمرون وينهون ويتسارع العالم إلى كسب ود خلفائهم وإرضائهم انطلاقاً من الخلافة الراشدة التي تحققت فيها معاني الحكم الإسلامي الرشيد على المستوى الخارجي والداخلي فالخلافة الأموية فالعباسية فالعثمانية التي تحققت فيها معاني الحكم الإسلامي على المستوى الخارجي أما الداخلي فكانت تخبو تارة وتزدهر فترات ….
ولما يتذكره المسلمون من تلك المعاني الراقية التي حققت للمسلمين عزة لا يمكن أن ينكرها العدو والصديق فإن الشباب المسلم يطالب بعودة الخلافة وقد يستعجل في إطلاق الاسم ظناً منهم أن إطلاق الاسم سيعيد تلك الأيام.
وبالتحقيق في الخلافة كمصطلح هل هذا المصطلح شرعي بمعنى أن الله قد تعبدنا في الاسم وأمرنا بالاحتفاظ على هذا الاسم للجسم السياسي المكون للدولة أم أن هذا المصطلح وقتي زماني لغوي أطلقه المسلمون فترة من الزمن ولا يضر تغير الاسم مع تبدل الزمان والعصر ولغة الخطاب …
بالعودة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية نجد أن هذا المصطلح (الخلافة) استعمل في القرآن وفي السنة بمعناه اللغوي بمعنى الذي يستخلف ممن قبله ولذلك سمي من جاء بعد رسول الله خليفة لأنه جاء بعده ولكن السؤال هل أمرنا الله ورسوله بأن نطلق عليه لفظ (خليفة) أم أن اللغة هي التي ساقتنا إلى اللفظ ؟
لسنا بحاجة إلى كثير من التدليل على أن هذا المصطلح لغوي ولا يوجد أمر في الشريعة الإسلامية على إطلاق اسم الخلافة على الجسم السياسي المكون للدولة المسلمة وحسبنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما تولى الخلافة ووجد العسر في إطلاق مصطلح خليفة خليفة رسول الله بدل المصطلح إلى أمير المؤمنين.
نعم يوجد في القرآن أوامر لتحقيق معنى الخلافة والمطالبة بها كالأمر بالوحدة والشورى والعدل ولكن هل أمرنا الله عز وجل أن نطلق على هذه المكونات الأساسية للحكم مصطلح الخليفة ؟.
لا ريب أننا مطالبون في العمل على تطبيق هذه المعاني في جسم الدولة الإسلامية وبعد ذلك سمها ما شئت (خلافة ، إمارة، سلطنة، دولة …)
البوم نجد شبابنا مندفعين نحو الاسم وقد تسيل نفوس ومهج للحفاظ على اسم الخلافة ظنا منهم أنهم يلتزمون أوامر الله ويطبقون الشريعة الإسلامية.
فاسم الخلافة أصبح يستهوي الكثير من الشباب المسلم المندفع دون تحقيق في حال الجماعة التي أطلقت على نفسها هذا الاسم هل تحققت فيها شروط الخلافة ؟ هل تحققت فيها معاني الخلافة … ؟
إن الخطاب الإسلامي جاء متوافقا مع ما يفهمه الناس ويدركونه وخاصة في المجال السياسي فقد جاءت الشريعة الإسلامية بقواعد أساسية ولم تدخل في التفاصيل بل تركت ذلك لاتفاق الناس مع تبدل الأمكنة والأزمنة بما يتناسب مع كل عصر وزمان .
فعلا نحن بحاجة إلى تحرير كثير من المصطلحات المتداولة في أدبيات السياسة الشرعية وتحقيق مضامين هذه المصطلحات والتمييز بين المصطلحات الشرعية المطلوبة لذاتها والمصطلحات التي تكون وسيلة لتحقيق مضامين أخرى ولا مشكلة بتبدلها مع تبدل الزمان والمكان.
ختاماً يجب على الشباب المسلم أن لا ينخدع وراء المصطلحات والشعارات البراقة التي تطلقها كثير من الجماعات وأن يحقق في المعاني أكثر وأن يتخاطب مع العالم بلغة عصره مع التأكيد على الثوابت والقواعد الأساسية التي أقرتها الشريعة الإسلامية.
وتذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من المرحلة المكية إلى المرحلة المدنية وتعامل مع كل مرحلة بما يناسبها مع تبدل بالخطاب بما يناسب طبيعة المرحلة والحال.
والخيرية في التفقه في الدين فالفقه هو الذي يعصم العقل من الزلل والوقوع في الخطأ فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
*المصدر : رابطة العلماء السوريين