الإعلام المصري .. هدية مجانية لأعداء الإسلام!
ما يميز الإعلام المحترف والحضاري هو نقل المعلومات والأحداث بواقعية ومنطقية – وان كان هناك مجال لإبداء الرأي الشخصي- الا أن المصداقية في نقل الحدث والتعبير عن ظاهرة معينة هي معيار الإعلام الناجح، وتعد الاستقلالية وحرية إبداء الرأي هي أساس تطور الصحافة في الدول المتقدمة، أما الاعلام المسير من قبل الحكومات أو المتعصب لحزب أو فئة أو لصالح شخص معين، فإنه لا يسمى إعلاماً حقيقيا ولا يرقى الى مرتبة الصحافة المحترمة وخاصة اذا كان متعصباً لرأي معين دون أخذ الرأي الآخر، وبذلك يتحول الإعلام الى أداة يتحكم بها أصحاب النفوذ بحسب ما يشتهون.
الإعلام المصري المسيطر على الشاشة لا يختلف اليوم عن زمن مبارك، حيث لا يزال بنفس العقلية السابقة وهي تمجيد القائد المنقذ والجيش وتبني القومية والدفاع عن العروبة والوطن والحدود وخلق العداوات مع الدول الإسلامية المجاورة ودول المنطقة.
فبعد حادثة اعدام الـ21 قبطياً مصرياً من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية” المتطرف في ليبيا، وبعد أن انهى السيسي كلمته التي ألقاها حول الحادثة، بدا الاعلام المصري وكأنه على “استعداد مسبق” للانطلاق بالخطاب الثوري التحريضي الذي يحاول أن يعطي الشرعية للسيسي للتدخل في ليبيا رسمياً وقصفها للرد على هذه المجزرة والظهور بمظهر البطل القومي المدافع عن الكرامة والحدود، بل وكأن الأمر مطبوخ ومهيأ له مسبقاً، حتى سيطر حديث الحرب على أغلب برامج الفضائيات المصرية.
الإعلام المصري هوَّل من حادثة إعدام المصريين الأقباط الى مستوى غير معقول وصعّد من لهجته العدائية باتهام العديد من المسميات والدول وخاصة الإسلامية منها وإظهارها بمظهر العدو.
الإعلامي “أحمد موسى” طالب إعلام الأزمة بالوقوف خلف الجيش، وأكد أن مصر ذاهبة إلى حرب خارجية، وأنها ستعدم بلدانا كاملة!، أما “حسام سويلم” فقد قال ان تنظيم الدولة يعمل بإيعاز ودعم من قطر وتركيا والولايات المتحدة، وهناك رغبة لجرّ مصر إلى حرب مفتوحة خارج أراضيها لإجبارها على التصالح مع الإخوان!.
توجيه الاتهامات:
واستغل الاعلاميون المحرضون هذه المناسبة لتوجيه الاتهامات للعديد من الدول والمسميات أبرزها “قطر العربية المسلمة وتركيا المسلمة والإخوان وحماس”، كل هذه المسميات طرحت وبقوة على أنها أعداء لمصر في البرامج التلفزيونية وكأنها الفرصة السانحة للنيل منهم، وظهر “توفيق عكاشة” بخرافة جديدة على التلفاز كاشفاً عن “اتفاق بين جماعة الإخوان ومخابرات أمريكا ودول حلف الناتو برعاية جهاز الموساد الإسرائيلي لنشر الفوضى يوم 25 يناير/كانون الثاني”، حيث تناول المصحف وأقسم ثلاث مرات على صحة الواقعة وكأنه يبذل كل جهده لإقناع الناس بما يقول!.
الإعلامي “عمرو أديب” تظاهر بالهستيريا على شاشة التلفاز مبالغاً في تأثره حول حادثة اعدام الأقباط، لكنه استعطف المشاهدين ليشن هجوما عنيفا على قطر وتركيا في حلقة كاملة من برنامج “القاهرة اليوم”، حيث تسائل مخاطباً الجمهور: “هل تمتلك أدنى شك بأن قطر تتآمر عليك؟! ، لو سألت أي طفل مصري لعرف الإجابة!” ، ثم خاطب السيسي: “اقطع العلاقات مع قطر، طز بقطر، أكلنا منهم ايه غير الدم؟، أكلنا منهم ايه غير الخراب؟، القطريين أسوء من أي عدو عندنا” والعجيب أن هذه الكلمات كانت أنسب ما يكون أن يوجهها لإسرائيل مثلاً!.
أما جماعة الاخوان وحماس فقد كان لهما النصيب الأكبر من الاتهامات حيث اعتبر الاعلاميون سبب خروج تنظيم “الدولة الاسلامية” ونشأته وقيامه بالجرائم، هم الاخوان الذين نشروا هذه الأفكار المتطرفة وأن هذه الجماعات الارهابية تخرجت على أيديهم للنيل من مصر وهم من يقفون وراء أعمال التطرف في سيناء، وأما حماس فتعتبر أحد أعداء مصر الرئيسيين، حيث لم يكتف الاعلامي “أحمد موسى” بوصفها بالارهاب بل طالب بإن “تقوم الطائرات العائدة من القصف في ليبيا بقصف حماس ومعسكرات الإرهاب في غزة” معبراً عن ارتياحه اذا تم هذا الأمر.
الإعلام المصري يتهم بشكل شبه يومي كلاً من الإخوان وحماس بقيامهما بأعمال إرهابية ونشر الفوضى في مصر، و لو حصل أي انفجار أو هجوم صغير فإن التهمة جاهزة لهذين الطرفين.
مراقبون بدورهم أبدوا استغرابهم من هذه الحملة الشرسة ضد دول المنطقة!، وما هو السبب الذي يدفع الاعلام المصري لمعاداة الجميع وخاصة الدول الخليجية وتركيا بهذه الطريقة الشنيعة والمستمرة دون انقطاع؟!، وما الذي تريده الحكومة المصرية من هذا التوجه؟، كما تخوف المراقبون من أن تخلق هذه التحريضات العداوات بين الشعوب، والعجيب أن هؤلاء الأبواق لا يوجهون سهامهم الى الجهات والدول التي تقتل الشعوب مثل اسرائيل والنظام السوري والمليشيات والحكومات الغربية!.
في تقرير سابق على قناة الجزيرة: “لقد أصبح الإعلام المصري يمس مستقبل مصر ويخدش مستواها الثقافي بنسفه المعايير المهنية والأعراف الصحفية عبر أخبار لا تذكر أسانيدها وتهم جاهزة لشركاء الوطن فيتحول المختلفون معه الى كتل إرهابية يجري التحريض عليها بأساليب معيبة”.
التعدي على رموز الإسلام:
الإعلام المصري تميّز عن غيره بجرأته على الإسلام ورموزه وبإساءاته الصريحة والمباشرة لبعض أئمة المسلمين والشيوخ والعلماء السابقين واللاحقين.
وهذا المنزلق هو مرحلة خطيرة تنذر بما وصل اليه هذا الاعلام من جرأة ووقاحة في تشويه صورة الاسلام والمسلمين أمام الملايين.
ففي تعليق الاعلامي “ابراهيم عيسى” حول حادثة اعدام القبطيين قال: “الارهاب يدرس في المناهج الاسلامية” ، وأضاف: “من قتل الاقباط هو ابن تيمية، والذي يمنح فتاوى القتل يسمى بشيخ الاسلام! ، والفكر العفن استند الى كتب ابن تيمية وكتب الاصول والفقه!”، كما فتح ناره على المناهج الاسلامية مشيرا الى أن “الارهاب والتطرف يدرس في المدارس والكليات”.
والعجيب أن الحكومة المصرية ووزارة الاعلام والأزهر صامتون ولم يعلقوا أو يستنكروا هذه الاعتداءات التي تعكس وقاحة هذا الاعلامي في التعدي على رموز الاسلام والاساءة الى مليار ونصف مسلم في العالم.
ان المتابع للاعلام المصري المدعوم من قبل سلطة الانقلاب والذي يتساقط شيئاً فشيئاً أمام أنظار المصريين، يجد أنه يقدم هدية مجانية شاء أم أبى لـ(أعداء الاسلام)، لأنه يستهدف كل دولة أو تيار يحمل الفكر الاسلامي الوسطي، كما أن استهداف الاعلام وتشويهه لحركة حماس واتهامها بالارهاب هو خدمة مجانية لاسرائيل، فما نشهده اليوم هو انقلاب الموازين فالاعلام الذي طبل للانقلاب ووصف الرئيس الشرعي بالارهابي والجماعات الوسطية بأنها منبع الارهاب، ليس غريبا عليه أن يغير الحقائق ويزيفها ويظهر الصديق عدواً والعدو صديقاً!، ولكن المشكلة الأكبر عندما تقاتل دولة مسلمة مثل مصر (هي وإعلامها) جميع المسلمين بالنيابة عن أعداء الإسلام, و ليس سياسياً وأمنياً فحسب، بل وحتى فكرياً بالنيل من الاسلام (منهجاً ورموزاً).