53 عاماً على إحراق الأقصى.. “المسجد يحترق بأشكال أخرى”
لا يكاد يخمد حريق في المسجد الأقصى حتى يشتعل آخر، بعد مرور 53 عاماً على الجريمة الأولى لإحراق المسجد عام 1969.
إحراق المسجد الأقصى نفذه شخص أسترالي الجنسية يدعى مايكل دنيس روهن في 21 أغسطس/آب 1969.
حينها التهمت النيران محتويات الجناح الشرقي كاملةً للجامع القِبْلي الموجود في الجهة الجنوبية من المسجد، بما في ذلك منبره التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين.
“نار” الاقتحامات
وفي حديث لوكالة الأناضول قال الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى: “الحريق الآن هو بشكل آخر، وهو الانتهاكات اليومية بحق المسجد الأقصى المبارك”.
وفي هذا السياق أشار إلى “أداء متطرّفين صلوات تلمودية، بما فيها الانبطاح على الأرض والرقص داخل باحات المسجد الأقصى”.
السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بأعداد مقتحمي المسجد الأقصى، ويتوقّع أن يسجل العام الجاري رقماً قياسياً بأعداد المقتحمين.
ومنذ عام 2003 سمحت الشرطة الإسرائيلية أحادياً ومن دون موافقة دائرة الأوقاف الإسلامية بمدينة القدس، للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى من جهة “باب المغاربة” عند الجدار الغربيّ للمسجد.
ومنذ ذلك الحين يقتحم آلاف المستوطنين الإسرائيليين المسجد بحراسة الشرطة الإسرائيلية يومياً ما عدا الجمعة والسبت من كل أسبوع، في استفزازات للمصلّين وحرّاس المسجد من خلال محاولة أداء طقوس تلمودية.
وتقول مؤسسات حقوقية فلسطينية إن السنوات الأخيرة شهدت أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً بأعداد المبعدين عن المسجد الأقصى لفترات تتراوح ما بين أسبوع وعدة أشهر، بِذريعة اعتراضهم على الاقتحامات.
“نار” الحفريات
ألمح الشيخ الكسواني إلى “حريقٍ إضافيًّ” ازدادت نيرانه مؤخراً، وهو عبارة عن “الحفريات المتزايدة في محيط المسجد الأقصى”.
وقال: “هذا بالإضافة إلى الخطر حول المسجد الأقصى المتمثل بالحفريات المستمرة عبر تفريغ الأتربة من ساحة البراق والقصور الأموية مما يشكل خطراً على الجدار”، في إشارة إلى الجدار الجنوبي للمسجد.
وتابع: “أدّت (الحفريات) إلى تشقق الجدار الغربيّ والجنوبي للمسجد الأقصى ما يشكل خطراً على المسجد، وبهذا تكمن الخطورة”.
وأكد ضرورة “أن توقف الأمم المتحدة هذه الحفريات باعتبار أنها تخالف القوانين الدولية وقرارات اليونسكو بوقف الحفريات التي تشكل خطراً على الآثار والتاريخ”.
وفي هذا الصدد أشار إلى “محاولة محو التاريخ من خلال الحفريات وتكسير الحجارة التي يكتشفونها والتي تدلّ على عربية منطقة الحفريات وإسلاميتها”.
وقال: “كل هذه الجرائم تحدث على مرأى ومسمع من العالم حيث يجري إخراج الأتربة يومياً وبكميات كبيرة من منطقة القصور الأموية مما يشكل خطراً على أساسات المسجد”.
وحمّل الشيخ الكسواني “سلطات الاحتلال المسؤولية كاملةً عن كلّ هذه الانتهاكات”.
وقال: “نعتبر أنها (الانتهاكات) بمثابة حرب دينية يريد الاحتلال شنّها على الأقصى، وبالتالي هو الذي يتحمّل نتائجها وردود الفعل عليها والتي إذا بدأت لا نعرف إلى أين يصل مداها”.
وترفض السلطات الإسرائيلية التعقيب رسمياً على الحفريات التي تنفذها في المنطقة.
“نار” التقسيم
كما لفت الشيخ الكسواني إلى تصاعد الدعوات الإسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود.
وقال: “التحريض من قبل الجماعات المتطرفة على قدمٍ وساق، سواء على من خلال التحريض على استمرار الحفريات وهدم المسجد وبناء الهيكل المزعوم (هيكل سليمان) أو التحريض على اقتحام الأقصى وأداء صلوات فيه، أو التحريض على تقسيم المسجد زمانياً ومكانياً وتغيير واقع البلدة القديمة”.
وأضاف: “هذا ولا يزال الحريق مستمراً ويجب أن يكون للدول العربية والإسلامية دورٌ بالعمل على إطفاء هذه الحرائق التي يشعلها المتطرفون وحكومة الاحتلال”.
وتابع: “يجب أن تكون لهم (الدول العربية) كلمة بشأن مسجدهم الذي يعدّ ارتباطنا به ارتباطاً عقائدياً، و(الدفاع عنه) واجب عربي وإسلامي على كل المّة العربية والإسلامية في ظل هذه الهجمة الشرسة”.
وتحدث الشيخ الكسواني عن “محاولات من أجل فرض واقع مرير على المسجد الأقصى”.
“نار” عرقلة الترميم
يقول المسؤولون في إدارة الأوقاف الإسلامية بالقدس، التابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية الأردنية والمسؤولة عن إدارة شؤون المسجد، إن السلطات الإسرائيلية ترفض السماح للدائرة بتنفيذ عمليات ترميم بالمسجد.
من جانبها ترفض دائرة الأوقاف الإسلامية الحصول على إذن من سلطة الآثار الإسرائيلية لإجراء أعمال ترميم بالمسجد أو أن تجري أعمال الترميم تحت رقابة سلطة الآثار الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار قال الشيخ الكسواني: “للأسف لا توجد أي أعمال ترميم وإنما فقط بعض أعمال الزينة وربما تغيير بلاط، أما الترميم الأساسي فحتى الآن لا يسمح للجنة الإعمار بهذه الأمور”.
وأضاف: “مثلاً شبكة المياه، فقبل شهر انفجر أنبوب مياه في سطح قبة الصخرة وسُمح للأوقاف بترقيعها فقط، والأصل هو تغيير الشبكة التي يزيد عمرها على 70 عاماً”.
وتابع: “أيضاً توجد شبكة الإطفاء وشبكة الكهرباء وترميم الأقصى القديم”.
وأردف: “أضف إلى ذلك السور الشرقي للمسجد المطلّ على جبل الزيتون وباب الرحمة، فلأكثر من 20عاماً ولجنة الإعمار ممنوعة من ترميمه، وهي أمور خطيرة، ويجب أن يكون دور عربي وإسلامي داعم للأوقاف الإسلامية لكي تؤدي دورها داخل المسجد الأقصى، وعدم تدخل الاحتلال في شؤون المسجد”.
أما إسرائيل فدائماً تكرر في بياناتها أن “لا تغيير” في وضع المسجد الأقصى.
الحريق الأول عام 1969
وكان الحريق الذي وقع في 21 أغسطس/آب 1969 التهم منبر صلاح الدين والمحراب وأجزاء كبيرة من الجهة الشرقية للمسجد.
وتقول المصادر التاريخية، إن الملك نور الدين زنكي، هو من أمر ببناء منبر “صلاح الدين” عام 1168م، ليتم وضعه في المسجد الأقصى بعد أن يحرّر مدينة القدس من الصليبيين.
وأمر صلاح الدين الأيوبي بنقل المنبر إلى المسجد الأقصى بعد أن حرّر القدس عام 1187.
ويعتبر المنبر قطعة أثرية نادرة صنعها حرفيون مهرة من دمشق وحلب.
وما تبقى من منبر صلاح الدين موجودٌ حالياً بمتحف خاص داخل المسجد الأقصى.
وبعد إحراق المنبر كان الخطباء يقفون على الأرض ثم جرى وضع منبر حديدي إلى أن جُلب منبر شبيه للمنبر الأصلي عام 2007.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تبرّع بتكاليف بناء المنبر كافةً، ليكون نسخة طبق الأصل عن منبر صلاح الدين الذي التهمته النيران.
وعلى مدى سنوات طويلة نفذت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لدائرة الأوقاف الأردنية، عملية ترميم الجهة الشرقية من المسجد القِبلي المسقوف.
وكلّ عام يحيي الفلسطينيون ذكرى إحراق المسجد الأقصى بإقامة فاعليات تؤكد تمسكهم بالمسجد ومدينة القدس وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.
المصدر: تي آر تي العربية