? جمال الدين الأفغاني وحركة طالبان!
بقلم أ. د. فؤاد البنا
هناك شبه إجماع على أن جمال الدين الأفغاني هو الأب الروحي للحركة الإسلامية التي انبعثت بفضل جهودها ما تسمى بالصحوة الإسلامية المعاصرة، فهل تصبح حركة طالبان الأفغانية بداية للمد الاستقلالي الشامل، حيث التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتستعيد الأمة رسالتها العالمية المفقودة ودورها في الشهود الحضاري على الأمم؟
لقد كان شعار جمال الدين الأفغاني الذي تمحورت حوله أفكاره وتحركاته وأنشطته، هو (يا مسلمي العالم اتّحدوا)، فهل تتمحور طالبان حول الهوية الجامعة للأمة بعيدا عن المسالك الضيقة حيث التعصب للأفكار والأقوال الموروثة في إطار الانغلاق الفكري والتعصب المذهبي؟!
لقد تميز الأفغاني بخطابه العالمي، وكان يتعامل مع كافة أقطار العالم الإسلامي كجسد واحد، ومما قاله في هذا الشأن: “لقد خصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه وتحري دوائه، فوجدت أقتل داء انقسام أهله وتشتت آرائهم، واختلافهم على الاتحاد واتحادهم على الاختلاف، فعمدت على توحيد كلمتهم وتنبيههم للخطر الغربي المحدق بهم”.
لقد كان الأفغاني صاحب رؤية عالمية ولم يتوقف عن الدعوة إلى الدوران حول فلك الأمة في أقواله وأفعاله، ومن النداءات التي خاطب بها أمة المسلمين بكافة مكوناتها: “أيتها الأمة المرحومة هذه حياتكم فاحفظوها ودماؤكم فلا تريقوها، هذه روابطكم الدينية لا تغرنكم الوساوس ولا تستهويكم الترهات، ارفعوا غطاء الوهم عن باصرة الفهم، واعتصموا بحبل الرابطة الدينية التي هي أحكم رابطة اجتمع فيها التركي بالعربي بالفارسي بالهندي والمصري بالمغربي”، فهل تتبنى قيادة طالبان أفكار جدها الأفغاني التي هي من صلب مقاصد الشريعة الإسلامية، لتتحرك عجلة السير نحو وحدة الأمة، أم تدفعهم أحابيل أبالسة الإنس والجن نحو أفكار عصبوية ضيقة تعمق تخلف الأمة وتثخن جراحَ تَمزُّقها؟!
ونحن لا نطلب من طالبان ما لا تستطيع تحمله، ولا نزعم بأنها تستطيع توحيد الأمة الإسلامية بخارطتها الفكرية والجغرافية والبشرية العريضة، وإنما نطمع في أن تقدم نموذجا للتوحد المنشود وسط الوطن الأفغاني دون تدخل في شؤون الآخرين، وذلك بأن تعلي من شأن القواسم المشتركة وتدفع الجميع بحكمة للاستظلال تحت سقف الثوابت الدينية والوطنية، متسامحة إلى حد كبير في مناطق المتغيرات، وأن تجفف بطريقة متدرجة منابع مختلف العصبيات التي تفرق الشمل وتقطع الأواصر، ولو فعلت ذلك تكون قد وحدت الأمة من خلال إيجاد نموذج عملي معاصر، يمكن أن يصبح مثالاً يحتذى به في العالم الإسلامي، كما كان يريد د. محمد إقبال أن يفعل في الوطن الذي كان يدعو لإنشائه لصالح مسلمي شبه القارة الهندية، لكنه انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن تولد باكستان بنحو عشر سنوات.
وقبل أن نتوقف عن تسطير كلمات هذه المقالة المختزلة، نُذكر بأن الذين شغبوا على الأفغاني هم أنفسهم تقريبا من يوجهون أصابع الاتهام نحو طالبان اليوم، فقد قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، إذ اتهموه بأنه إيراني وليس أفغانيا، وزعموا أنه شيعي وليس سنيا، وأنه رمز ماسوني وليس داعية للهوية الإسلامية، وأنه عميل للاستعمار الفرنسي ولم يكن داعية استقلال، ومع بعض الاختلاف فإن من ظلوا يكيلون التهم للأفغاني بعد مرور أكثر من قرن وربع من الزمان، هم من يتهمون طالبان اليوم بالانحراف العقدي والفساد المالي والأخلاقي، وبالولاء لأعداء الإسلام والسير في ركاب الأمريكان!
فهل يعيد التاريخ نفسه، وتنتقل روح الأفغاني إلى حركة طالبان، فتكون فاتحة لمرحلة التمكين كما كان مفتاحا لمرحلة الصحوة؟