إعداد محمد محمود السيد
هل تخيلت يومًا أنك تسير في الشارع خائفًا مرتعد الفرائص، تنظر عن يمينك ويسارك، أمامك وخلفك، حيران قَلِقًا، فلربما تتعرض للضرب من أحد المارة، سواء كان يعرفك شخصيًا أو يُقابلك للمرة الأولى. وربما يتطور الأمر ويصل إلى مرحلة السحل والقتل، وربما يكون هذا المُعتدي رحيم القلب، ويكتفي بسبك وإهانتك.
هناك حالتان قد تعيش من خلالهما هذه التجربة؛ الأولى أن تشاهد سلسلة الأفلام الأمريكية الشهيرة The Purge، أو أن تكون مُسلمًا يعيش في بريطانيا هذه الأيام، وهنا لن يكون هناك فارق بين الوافد الجديد، وذلك الشخص الذي وُلد هناك، وعاش لسنوات طويلة، فيد العنصرية تنال الفئتين.
وصول المسلمين إلى بريطانيا
عاشت بريطانيا عصرها الذهبي خلال القرنين الـ 19 والـ 20، عندما كانت الشمس لا تغيب عن أراضيها. حيث كانت تضم نيجيريا ومصر والملايو والهند (كانت تضم باكستان)، ما يعني أن المسلمين التابعين لها كانوا يتجاوزون في عددهم أتباع ديانات الأخرى.
وفي القرن التاسع عشر بدأت البحرية الملكية الاستعانة بأبناء المستعمرات في مجالات عدة، وبدأ توافد المسلمين إلى الجزر البريطانية، وجرى توطينهم قرب المرافئ الحربية في إنجلترا وأسكتلندا.
ومع بداية القرن العشرين شهدت أسكتلندا وصول الباكستانيين الذين أسسوا ما عُرف باسم «باعة الكشة» أو «الباعة المتجولين»، لتوزيع البضائع المستوردة من الشرق، كما بدأ «الأطباء الشرقيون» في معالجة المرضى بالأعشاب الطبيعية، وبوصفات لم يعرف الأطباء الملكيون أو الشعبيون في بريطانيا مثيلًا لها على الإطلاق.
ظهر أول نشاط سياسي للمسلمين البريطانيين عام 1937، عندما طرح لورد بيل مبدأ تقسيم فلسطين، وعقد القيادي الإسلامي والداعية «يوسف علي» اجتماعات شعبية في كل من لندن وكمبريدج وبرايتون، وذلك لإطلاع البريطانيين على حقائق قضية فلسطين. وحاليًا باتوا أعضاء في الحكومة ومجلس العموم، وكذلك محافظين لكبرى المدن.
دفتر أحوالهم
تعاني الإحصائيات التي ترصد أعداد المسلمين في بريطانيا من التعدد وعدم الاستقرار حول رقم مُحدد، ولكن إلى عام 2016، يمكن القول إن أعداد المسلمين هناك تصل تقريبًا إلى 3.114 مليون نسمة. وهو ما يُمثل تقريبًا 4.8% من إجمالي سكان البلاد، أغلبهم من أصول آسيوية وخاصة من باكستان وبنغلاديش، بينما لا يتجاوز عدد العرب في بريطانيا 178 ألف شخص.
وتقول دراسة قام بإعدادها المجلس الإسلامي البريطاني إن أعداد المسلمين هناك قد ازدادت بنسبة 75% خلال العقد الأخير، وقد تضاعف عدد الأطفال المسلمين في إنجلترا وويلز خلال العقد الماضي، ليصبح هناك تلميذ واحد مسلم على الأقل بين كل 12 تلميذًا بالمدارس البريطانية هناك.
وعلى الرغم من أن أكثر من نصف جميع المسلمين في المملكة المتحدة قد ولدوا خارج البلاد، فإن 73% منهم يزعمون أن هويتهم الوطنية بريطانية.
ويتركز ثلاثة أرباع السكان المسلمين في لندن، ووست ميدلاندز، ونورث وست، ويوركشاير وهامبر. ولكن 46% من المسلمين يعيشون في 10% من المناطق الأكثر حرمانًا وفقرًا في البلاد.
وتعود أسباب الارتفاع الكبير في أعداد السكان المسلمين داخل بريطانيا إلى زيادة أعداد اللاجئين من دول مثل أفغانستان والعراق وسوريا، إضافة إلى عوامل أخرى تخص النمو السكاني، حيث تتزايد أعداد الشباب المسلم القادر على الزواج والإنجاب، كما أن ثلث المسلمين هناك تحت سن الـ 15 عامًا، مقابل 4% فقط ممن فوق الـ 65 عامًا.
وقد نشرت مواقع بريطانية عدة نتائج دراسة أجرتها جامعة «سانت ماري» غرب لندن، جاء فيها أن ما نسبته 48.6%، أي نصف سكان بريطانيا، «بدون ديانة». في حين شهدت نسبة المسيحيين انخفاضًا من 55% إلى 43% بين الأعوام 1983 و2015، مقابل تضاعف نسبة أصحاب الديانات الأخرى غير المسيحيين أربعة أضعاف؛ كالديانة الإسلامية خلال الفترة نفسها.
المصرية «مريم مصطفى» آخر ضحايا «الإسلاموفوبيا»
مريم مصطفى شابة طموحة، مُقبلة على الحياة، تدرس الهندسة، وتتطلع إلى مستقبل مُشرق. هي من أصل مصري، ولكنها وُلدت في العاصمة الإيطالية روما، وقبل أربع سنوات فقط انتقلت عائلتها إلى بريطانيا، من أجل «حياة أفضل».
صادف وصول هذه العائلة المصرية إلى بريطانيا سنوات هي الأسوأ في تاريخ ممارسة الكراهية ضد المسلمين. فعانت كما عانى باقي المسلمين هناك، كانوا يتلقون الإهانات والسباب أمام منزلهم، ولا مانع من إلقاء البيض أيضًا أثناء السباب.
مريم بشكل شخصي عانت من عنصرية زملائها، ومن تلك الألقاب التي كانوا يُطلقونها عليها، وفي أغسطس/آب الماضي 2017 كُسرت قدمها نتيجة اعتداء زملاء الدراسة عليها بالضرب المُبرح. ورغم أن عائلتها ذهبت إلى الشرطة حينئذ، وتقدمت ببلاغ رسمي، فإنه لم يصدر قرار رادع بحق المُعتدين. وهو ما دفعهم إلى تكرار الاعتداء، ولكن بشكل أكثر وحشية هذه المرة، وكان ذلك يوم 20 من فبرابر/شباط 2018.
أصُيبت مريم بجروح بالغة، دخلت على إثرها المستشفى، وبعد إهمال طبي –وفق شهادة أسرتها- وإجراء أكثر من 9 عمليات، تُوفيت يوم 14 مارس/آذار 2018، بعد أن دخلت غيبوبة لمدة 12 يومًا.
عائلة مريم لم تمتلك الوقت للحزن، فهم ما زالوا يسعون لإثبات الجريمة التي تمت بحق ابنتهم، ولكن يبدو أن السلطات البريطانية تحول دون ذلك، فالمستشفى لم يمنحهم تقريرًا طبيًا يُوضح تطور حالة مريم الصحية منذ الحادثة، كما أن الشرطة البريطانية رفضت أن تعترف إلى الآن بأن الحادث تم بدافع «الكراهية».
ولا شك أن قصة مريم –والتي لا تزال تشغل الرأي العام العربي والبريطاني- تتناقض مع ذلك الخبر الذي نُشر قبل عام تقريبًا، ويذكر أن الحكومة البريطانية وضعت خطة عمل «واضحة وقوية لمواجهة الإسلاموفوبيا»، ورصدت أكثر من مليون جنيه إسترليني (1.25 مليون دولار) لتعزيز خدمة متخصصة في رصد وتسجيل حوادث الكراهية ضد المسلمين ودعم الضحايا.
ووفقًا لآخر الإحصائيات، فقد شهدت لندن زيادة في معدلات جرائم الكراهية ضد المسلمين بنسبة 40% خلال العام الماضي 2017، مقارنة بالعام السابق له 2016. حيث تم تسجيل ألف و678 جريمة من هذا النوع في لندن خلال العام المُشار إليه.
وقد أكدت الشرطة البريطانية «سكوتلاند يارد» أن معدل جرائم الكراهية ضد المسلمين في لندن قد يفوق الأرقام التي صدرت عن مكتب العمدة، كونه لم يتمكن من توثيق جميع الحوادث المتفاقمة في المدينة. وبحسب بيانات بلدية لندن، فإن المعدل اليومي لحوادث الإسلاموفوبيا بالعاصمة، ارتفع من 3 حوادث إلى 20 حادثة عقب هجوم جسر لندن.
قبل الختام، ولكي تتيقن من استيعابك لسياق حديثنا السابق، حاول أن تتخيل الشاكلة التي ستكون عليها حياة أخوي مريم الأصغر منها سنًا «ملك وآدم»؛ كيف سيخرجان إلى الشارع؟ وكيف سيذهبان إلى مدرستهما، ويواجهان زملائهما؟ كيف ينمو طفل في مجتمع وقلبه يرتعد خوفًا ممن حوله؟
«يوم التطهير» في نسخته البريطانية
يبدو أن قصة مريم لن تكون سوى تمهيد للجنون الذي سيشهده مُسلمو بريطانيا الفترة القادمة. فمنذ التاسع من مارس/آذار 2018، تم رصد توزيع رسائل بريدية –واردة من مجهول- على منازل عدة مناطق بريطانية.
حوت هذه الرسائل خطابات تحريضية ضد المسلمين في شرقي لندن، تحت عنوان «يوم عقاب المسلمين»، ودعت البريطانيين إلى تخصيص يوم الثالث من أبريل/نيسان القادم لعقاب وإيذاء المسلمين بشتى الوسائل، فيما يُشبه يوم التطهير، الذي كان موضوع سلسلة أفلام أمريكية شهيرة.
ليس هذا فحسب، بل تضمنت الدعوة وعودًا بمكافآت سخية تتناسب طرديًا مع حجم الإيذاء الذي سيمارسه الشخص تجاه أي مُسلم. وتُمنح هذه المكافآت وفق نظام للنقاط يتراوح بين 10 و2500. فمن يهين مسلمًا بشكل لفظي يحصل على الحد الأدنى من النقاط وهو 10، ومن ينزع غطاء رأس لامرأة مُحجبة يحصل على 25 نقطة. أما في حالة رمي مواد حارقة على وجه مسلم فيحصل الشخص على 50 نقطة، وفي حالة تعذيب مسلم بالصاعق الكهربي فيحصل على 250 نقطة، في حين تُحتسب له 500 نقطة إذا أطلق النار عليه أو ضربه بسكين أو صدمه بسيارة. و1000 نقطة تكون من نصيب من يقوم بتفجير مسجد، فيما كانت المكافأة الأكبر لمن يضرب مكة بالسلاح النووي، حينها يكون قد سجل 2500 نقطة.
إجمالاً، يبدو أن الأمر تعدى مرحلة الحوادث الفردية، ووصل إلى حد الجرائم الجماعية المُنظمة، والتي ستزداد بلا شك مع استمرار تنامي أعداد المتطرفين واليمينيين في أوروبا (والذين ارتفعت أعدادهم بنسبة 30% خلال عام 2017)، وهو الأمر الذي سيؤدي بالضرورة –آجلًا أم عاجلًا- إلى صدور رد فعل من مُسلمي أوروبا، مما يُنذر بحقبة قد تكون الأسوأ في تاريخ حوادث الكراهية والعنصرية في العالم.
(المصدر: موقع إضاءات)