ينتزع صلاحيات الإعمار من الأوقاف الإسلامية.. لهذا يعرقل الاحتلال الترميم في الأقصى
إعداد أسيل الجندي
يتصاعد تضييق الاحتلال الإسرائيلي على دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس بشكل يومي، وتزداد عرقلة عمل لجنة الإعمار التابعة للأوقاف لدرجة منع الصيانات الصغرى كتبديل الإضاءة المعطلة أو معالجة الزجاج المكسور والحجارة التالفة، والمناطق التي تحتاج لعزل لحمايتها من تسرب الماء، وهو ما يعني وضع المسجد الأقصى بمبانيه ومعالمه التاريخية تحت سيف الزمن والإهمال وتفريغ الدور الأردني من محتواه عمليا.
واستأنفت لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك عملها أمس الأربعاء بعد منع كافة أقسامها من العمل لأربعة أيام على التوالي. ويعد المنع الأخير هو الأول من نوعه، إذ تعرقل الشرطة الإسرائيلية أعمال الترميم في المسجد بين الفينة والأخرى، وتمنع الموظفين من أداء مهامهم لساعات، لكن هذه هي المرة الأولى التي يستمر فيها المنع لعدة أيام ومن دون الإفصاح عن الأسباب التي تتذرع بها الشرطة عادة، رغم أن صلاحيات الإعمار والترميم كافة تعود لدائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية في القدس.
ويقول أحد الموظفين المسؤولين في دائرة الأوقاف الإسلامية إن شرطة الاحتلال تمنع منذ أيام إدخال المواد الخام الأساسية كالإسمنت والدهان والرمل إلى المسجد، ومنعت موظفي اللجنة من أداء أعمالهم في الوقت ذاته.
ترميمات مستعجلة
ويتركز عمل اللجنة حاليا -حسب الموظف الذي طلب عدم ذكر اسمه- على ترميم زخارف مصلى قبّة الصخرة المشرّفة، وترميم رخام الدعامات الداخلية في المصلى ذاته، بالإضافة لأعمال ترميم أخرى في الساحات والمصلى المرواني.
ويضيف للجزيرة نت “انفجرت أنبوبة مياه قبل أكثر من 10 أيام مقابل باب المجلس، وهي بحاجة لتبديل فوري، ولم نتمكن من تبديلها بسبب منعنا من قبل الشرطة حتى الآن”.
ورغم تكبيلهم ومنعهم من ممارسة أعمالهم الحيوية في المسجد الأقصى، فإن موظفي اللجنة بأقسامها الأربعة (الصيانة والإعمار والكهرباء والزراعة) يحرصون على التوجه إلى المسجد يوميا خاصة وأن فصل الشتاء يكشف سنويا عن أماكن جديدة تحتاج للترميم الفوري.
ويقول الباحث المختص في شؤون القدس زياد ابحيص للجزيرة نت “هناك خطان متوازيان متلازمان يشكلان منذ 20 عاما المدخل لفهم المقايضة الإسرائيلية بين السماح بالترميم وإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة”.
استغلال انتفاضة الأقصى لعرقلة الترميم
الخط الأول، وفقا لابحيص، هو خط اغتصاب صلاحيات الإعمار من الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن، وولدت هذه الفكرة مع حكومة نتنياهو الأولى عام 1996، وكانت أولى تطبيقاتها بنهاية عام 2000 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى.
حينها منعت قوات الاحتلال إخراج آخر أجزاء الردم الناتجة عن فتح البوابات العملاقة للمصلى المرواني، وهو ما وضع الأوقاف الإسلامية في القدس أمام خيارات صعبة، فاضطرت لوضع الردم في المساحات المزروعة بالزيتون شرقي المسجد الأقصى المبارك، باعتبارها أخف الأضرار لحين إيجاد طريقة لإخراجها. وبقي هذا الردم مكوما حتى يومنا هذا، مما شكل أبرز مدخل للمستوطنين والاحتلال لاستهداف الساحة الشرقية للأقصى.
محطة ثانية يرى ابحيص أنها جاءت ضمن خط اغتصاب صلاحيات الإعمار من الأوقاف، وهي منع ترميم سور المدرسة الخثنية من الجهة الجنوبية، والسور الخارجي من الجهة الجنوبية الشرقية للأقصى، رغم التشققات الكبيرة التي كانت ظاهرة فيهما، وتم هذا الترميم بعد ضغوط سياسية ودبلوماسية وفي ظل انتفاضة الأقصى، واستمر تنفيذ هذه الترميمات 4 أعوام وكان عرضة لعرقلة مستمرة.
أما المحطة الثالثة فكانت عام 2011 حين قدم المراقب العام للدولة في إسرائيل تقريرا تبنى فيه ادعاءات جماعات الهيكل تجاه ترميمات الأوقاف باعتبارها تدمّر “الإرث اليهودي في جبل المعبد”، وقدم توصية بإخضاع كل ترميمات الأوقاف إلى موافقة بلدية الاحتلال في القدس من ناحية المخططات والتنفيذ.
ويؤكد ابحيص “هذا ما بدأ الاحتلال بفرضه في السنوات اللاحقة، وجرت خلاله عرقلة أعمال الترميم الداخلية في قبة الصخرة والمصلى القبلي وفي قبة السلسلة، واعتُقل خلالها مهندسو الإعمار وفنيوه مرات عديدة، ومجريات الأمور تشير إلى أن طلب الإقرار والموافقة من بلدية الاحتلال قد فرض وتم بالفعل بعيدا عن الأضواء”.
المحطة الرابعة والأخطر، وفقا للباحث المقيم في الأردن، كانت في يناير/كانون الثاني 2019 باغتصاب صلاحية ترميم السور الجنوبي الغربي للأقصى، وشروع بلدية الاحتلال في ترميم سوره الخارجي لأول مرة منذ احتلاله، وهي ترميمات مستمرة بيد البلدية ودون اطلاع الأوقاف على شيء منها حتى اليوم، تلاها اغتصاب الشرطة لصلاحية ترميم “الخلوة الجنبلاطية” التي تحتلها في صحن قبة الصخرة في مايو/أيار من العام ذاته.
ويعتقد ابحيص أن الخط الثاني يتمثل في محاولة التقسيم المكاني انطلاقا من مصلى باب الرحمة بعد إغلاقه بقرار قضائي عام 2003 وعزل المصلين عن محيطه بسبب الردم المتراكم، وهو السياق الذي تنبهت له الإرادة الشعبية المقدسية والفلسطينية، فعملت على ترميم المنطقة وتأهيلها على مراحل في الأعوام 2013 و2018 و2019، وهو ما انتهى إلى استعجال الاحتلال بوضع اليد على مصلى باب الرحمة، فكان الرد بإعادة فتحه والصلاة فيه بقوة الجماهير.
ويضيف “فرضت الجماهير على المحتل إذلالا غير مسبوق حين تركها تفتح المصلى ليتجنب المواجهة وثمنها، وما زال حتى اليوم غير قادر على ابتلاع هذه المرارة، ويخشى تنبه الناس إلى قوة الإرادة الشعبية وجدواها، فحاول إعادة إغلاق المصلى بأدوات التنكيل والإبعاد والاعتقال والضرب لكنّه فشل، وهو اليوم يعوّل على وضع الأوقاف الإسلامية في وضع محرج لعلها تغلقه هي بيدها، فتحبط إرادة الجماهير بيد قيادتها الدينية”.
ويختم ابحيص حديثه للجزيرة نت بقوله إن الاحتلال ماض في سياسة تفريغ الدور الأردني في الأقصى من مضمونه، وفي اغتصاب صلاحيات الترميم، لكنه يحاول اليوم إيهام الأوقاف والحكومة الأردنية بأن العقدة الوحيدة هي مصلى باب الرحمة ليدفعها إلى إغلاقه أو تغيير وجهة استخدامه، ويحاول توظيفها في ضرب إرادة جماهير المرابطين، لكنه في الحقيقة ماض في ضربها هي أيضا دونما اعتبار لاتفاقية وادي عربة أو للمطالبات الأردنية.
(المصدر: الجزيرة)