يقيد حقوق المسلمين.. هيئات إسلامية في أوروبا تحذر من الميثاق الفرنسي لمبادئ الإسلام
حذرت هيئات إسلامية في أوروبا من “ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي”، موكدة أن القانون يُقيّد حقوق المسلمين وحريتهم، وذلك وفقا لبيان حصلت عليه الجزيرة نت.
وجاء ذلك في بيان مشترك لـ3 هيئات، وهي اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا (CCMTF)، ومؤسسة المجتمع الإسلامي في أوروبا “مللي غوروش” في فرنسا (CIMG France)، وجمعية الإيمان والممارسة (Foi et Pratique) التي تنضوي تحت المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
و”المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” هو أكبر مؤسسة رسمية إسلامية في فرنسا، ويتكون من المنظمات والجمعيات الإسلامية والمساجد المعترَف بها قانونيا في البلاد.
ونددّت الهيئات الثلاث بـ”وثيقة المبادئ” لتنظيم شؤون المسلمين التي تسعى الحكومة الفرنسية إلى فرضها، وشدد البيان على أنها تحوي “فقرات تمسّ شرف المسلمين، ولها طابع اتهّامي وتهميشي، وتضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة”.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية اعتماد ما أسماه “ميثاق مبادئ لإسلام فرنسا”، وقدُمّ الميثاق إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في 18 يناير/كانون الثاني بعد أن وقّعت عليه 5 اتحادات إسلامية، في حين رفضت التوقيع 3 أخرى، وهي الجمعيات المكوِّنة للمجلس الفرنسي الذي تعدّه الحكومة الفرنسية ممثلا للمسلمين.
وينص الميثاق خصوصا على “مبدأ المساواة بين الرجال والنساء” وعلى “توافق” الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، وتشددّ على “رفض توظيف الإسلام لغايات سياسية” وعلى ضرورة “عدم تدخّل دول أجنبية في شؤون الجالية”.
وفي الوقت ذاته شددت المؤسسات الثلاث على أن إنشاء “المجلس الوطني للأئمة” (CNI) المسؤول عن الموافقة على الأئمة في فرنسا، أمر ضروري وسيكون مفيدا للمسلمين، لكن التسرع في التوقيع على الميثاق والإعلانات المختلفة للأسف أدى إلى تصور مشروع مفروض من أعلى، دون موافقة القاعدة وعلى الأخص الفاعلين المعنيين وهم الأئمة”.
وقال البيان “نأسف لهذه الإدارة السريعة التي -دون احترام الخطوات اللازمة للتشاور- دفعت عدة مجموعات من المساجد والأئمة للإعلان عن رفضهم المشاركة في هذا المشروع”.
خطاب تهميشي
وأوضح أن “استخدام خطاب يهمش المسلمين والأئمة، وتعميم السلوك غير المقبول الذي يرتكبه أفراد معزولون على المجتمع المسلم بأسره، من شأنه أن يضر بشكل خطير بمصداقية هذا الميثاق وبالتالي بمصداقية المجلس الوطني للأئمة”.
وذكر البيان أنه و”بالمثل، فإن استخدام الكلمات المجردة التي قد تلقي بظلال الشك على المسلمين وتفتح الطريق لتفسيرات مختلفة قد تقوض أيضا قبول المسلمين لهذا الميثاق وهذا المجلس”.
ورفضت المؤسسات الإسلامية عددا من المواد في “ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي”، والتي اعتبرت أنه لا أساس لها وتتجاوز أهدافها وهو اسم غير صحيح.
وأوضحت في هذا الصدد، ورود عبارة “إسلام فرنسا”، وقالت “لا يمكن حصر الإسلام، ومصادره الرئيسية القرآن والسنة، بمجتمع أو أيديولوجية، لذلك لا يمكن أن يكون هناك سؤال عن إسلام وطني مثل “إسلام تركيا” أو “إسلام المغرب” أو “إسلام الجزائر”.
وقال البيان إن “الدستور الفرنسي يكفل حريات المواطنين في الأمور المتعلقة بالمعتقدات الدينية والالتزامات المدنية، فليس هناك حاجة للجوء إلى أي إعلان أو التزام يفرض على المسلمين والمنظمات التي تمثلهم، وإنه يجب معاملتهم مثل أتباع الديانات الأخرى ومنظماتهم، في إطار الحقوق والواجبات التي يقرها الدستور الفرنسي والقانون الدولي”.
وقال البيان إن هناك غموضا في عدد من المواد التي تفتح الباب مستقبلا لتقييد الحقوق والحريات للمسلمين.
وأضاف البيان أنه “تم ذكر العقيدة الدينية والدستور على نفس المستوى وتقديمهما كنظامين متناقضين. هذا الأسلوب لا يتماشى مع العلمانية لأنه يخلط بين مناطق يفصلها القانون ويفترض أن جميع المنظمات الإسلامية، دون تمييز، تعارض الدستور”.
وأوضح البيان أن بعض مواد الميثاق تتنافى مع العلمانية وهي علمانية متدخلة في الشأن الديني.
وفي هذا الإطار، طالب البيان بالمساواة بين جميع المواطنين الفرنسيين، مهما كانت أفكارهم ومعتقداتهم، حين يتعلق الأمر بالحق في حرية الدين والوجدان، “لذلك لا مانع من أن يكون للأفراد، سواء كانوا ملتزمين بالعقيدة الإسلامية أم لا، الحرية الكاملة في اختيار أو رفض أي دين، فالدين هو مسألة حرية فردية لا يمكن لأي أن يفرضها بالإكراه”.
وقال إن هناك عبارات في الميثاق قد تعتبر الدعوة إلى الإسلام والتعبير عن آراء المسلمين كشيء سيئ، “لذلك من الواضح أن الميثاق يحتوي على عبارات تقيد حرية الدين”.
وقال البيان “ترفض المنظمات الإسلامية اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص ينتهك سلوكه التعاليم والمحظورات الدينية. وفي هذا السياق، فإن الأئمة المناوبين في مساجدنا مسؤولون عن الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالمثلية الجنسية وفقا لمصادر الدين الإسلامي، وخاصة القرآن والسنة، دون الدعوة إلى الكراهية أو العنف”.
الإسلام السياسي
حذر البيان من مصطلح “الإسلام السياسي” الوارد في الوثيقة، وقالت “لا يمكن أن يظل تعريف (الإسلام السياسي) شديد الغموض”.
وذكر في هذا السياق أن “مفهوم (الإسلام السياسي) المنصوص عليه في المادة يحد من حق المسلمين أو المنظمات الإسلامية في الدخول في نقاش اجتماعي أو سياسي، حيث قد يتم اتهامهم بممارسة “الإسلام السياسي” ومنعهم من ممارسة حقوقهم الديمقراطية”.
وأضاف “كما يمكن أن يعرضهم للتمييز وتجريم آرائهم، كما ندين بشدة اختطاف بعض الجماعات أو المنظمات الإجرامية لديننا.. وبالتالي، فإن المسلمين هم أكثر من يعاني الاضطهاد من قبل هذه المنظمات الإرهابية مثل داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) أو القاعدة، وغالبا ما يكونون من بين أولى ضحايا الجرائم التي ترُتكب”.
وأشار البيان أيضا إلى “المادة السادسة من الميثاق والتي تقضي برفض أي تمويل من خارج فرنسا سواء من أشخاص أو جمعيات أهلية، ولا يمكن أن تقتصر الأنشطة الإنسانية والتعاونية على الحدود الوطنية للبلد”.
وذكر البيان “تحتاج البلدان والمجتمعات إلى سياسة تكميلية وتعاون في جميع المجالات. بالطبع، هذا هو الحال أيضا في إدارة الأنشطة الدينية. إن الرغبة في إبعاد الجمعيات الدينية عن أي تواصل وتفاعل من الخارج، من خلال قصرها على الحدود الوطنية، ينتج عنها نموذج “للدين المنغلق” على غرار نموذج “الاقتصاد المنغلق”.
وقال البيان “يجب ألا ننسى أن جميع المسلمين الذين يعيشون في فرنسا ليسوا بالضرورة مواطنين فرنسيين. ليس من القانوني الرغبة في قطع كل العلاقات بين المسلمين الأجانب المقيمين في فرنسا وبلدانهم الأصلية. في ضوء كل هذه التفسيرات، فإن محتوى نص المقال كما هو يمكن أن يؤدي إلى الكثير من سوء الفهم، فضلا عن عواقب سلبية وغير عادلة على المسلمين”.
(المصدر: الجزيرة)