بقلم أحمد جلال
لاشك أننا جميعاً ننتظر أن تصبح إسطنبول قبلة لرؤوس الأموال على غرار المراكز المالية العالمية المشهورة فى العالم، وأن تحوز على نصيب وافر من رؤوس الأموال العابرة للقارات والمحلية بشقيها الإسلامي والتقليدى، ولايفوتنا فى هذا المقام أيضاً أن نشير إلى أن استضافة إسطنبول للمنتدى العالمي للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية (CIBAFI)، الذي يبدأ في الثاني من شهر مايو/ أيار القادم، ويستمر ليومين، حيث يُركز المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية خلال المنتدى العالمي 2018م الذي يُعقد برعاية وكالة التنظيم والرقابة المصرفية التركية (BDDK) على كيفية وفاء القطاع بالالتزام، والحفاظ على التنافسية، والملائمة في الأسواق المالية العالمية. ويضم المجلس الذي تأسس عام 2001م، نحو 120 عضواً، من 32 دولة، يمثلون المنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات المهنية، والجمعيات الصناعية.
وسيكون موضوع المنتدى الرئيسي “البُنية الجديدة للخدمات المالية: الاضطرابات والفرص والقواعد الجديدة”، حيث سيجتمع خبراء القطاع من جميع أنحاء العالم، لمناقشة التوجهات الناشئة، والتحديات، والفرص، في صناعة التمويل الإسلامي الحديث.
ولاشك أن هذة الخطوات تجرى فى إطار تحويل إسطنبول إلى مركز مالي عالمي للتمويل الإسلامي لجذب المزيد من الاستثمارات لذلك بدأت الحكومة التركية خطوات لتحويل مدينة إسطنبول إلى مركز مالي عالمي، ومركز للتمويل الإسلامي؛ وذلك بعد أيام من وضع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في منتصف اكتوبر 2016م حجر الأساس لمركز إسطنبول التمويلي الدولي «إي إف إم»، لافتا إلى أن حكومته تسعى لأن يصبح المركز محورًا أساسيا لعمليات تحويل السيولة عبر القارات، وأن يشكل مركزًا أساسيا لاستقطاب الاستثمار الأجنبي إلى تركيا.
وترجع فكرة تأسيس المركز المالي الدولي في إسطنبول إلى أكثر من 10 أعوام، لكن الحكومة التركية انتظرت طيلة هذه المدة حتى ترسي الدعائم الاقتصادية الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، ووضعت للمركز شعار “مركز إقليمي في البداية وعالمي في النهاية”.
وتهدف الحكومة التركية إلى جعل المركز عالميًا بحلول عام 2018، وتأهيله في العام نفسه للحصول على مرتبة في مصاف الدول الخمس والعشرين، وفقًا لمؤشر مراكز التمويل العالمية، من حيث الثقة وحجم السيولة لتحويل مدينة إسطنبول إلى مركز تمويلي عالمي ضخم على غرار دبي ولندن ونيويورك وطوكيو.
ولاشك أن المركز سيعمل وفقًا لنظامي التمويل التقليدي والإسلامي، لافتا إلى أنه سيتم فتح الباب أمام العملاء المحليين والأجانب لوضع أموالهم في المركز لاستثمارها في المشروعات التجارية والصناعية والزراعية والخدمية، حيث سيتم فرض ضرائب جمركية صغيرة على التحويلات النقدية من خلال المركز، كما ستعمل الحكومة التركية على توفير برامج توجيهية مكثفة للمستثمرين لزيادة رغبتهم في الاستثمار ضمن المشروعات المدارة من قبل الحكومة التركية.
فأعمال البورصة قائمة بشكل أساسي على توقعات المستثمر، فإن تم تحقيق استقرار قوي مع تسهيلات اقتصادية فريدة فإن توقع المستثمر سيصبح إيجابيا ويساهم فى صعود مؤشرات البورصة وتعزيز الإقتصاد التركى وبالتالى ترتفع درجة التصنيف التمويلي لتركيا، وفي الوقت نفسه، تتجه الحكومة التركية إلى رفع مساهمة التمويل الإسلامي في اقتصادها، وتسعى تركيا أن تكون من بين الدول الأكثر استفادة من إمكانية رفع التمويل الإسلامي حول العالم من تريليوني دولار حاليا، إلى 3 تريليونات ونصف التريليون دولار خلال خمس سنوات، مع ضرورة تطوير النظام المالي الإسلامي في البلاد.
ويرى خبراء أن تركيا تملك، في حال تعديل بعض قوانينها، مقومات بنية تحتية وقوانين وبيئة جاذبة للنهوض بالتمويل الإسلامي على الصعيد العالمي، ويمكنها أن تكون عاصمة هذا النوع من الاقتصاد.
ولاشك أن مشكلة السيولة هي أكبر مشكلة تواجه البنوك الإسلامية، لكن تطبيقات البنك المركزي التركي سهلت تحديات السيولة التي تواجها هذه البنوك. وكما أن قطاع البنوك الإسلامية في تركيا، جذب اهتمام المراكز المالية الرائدة في العالم، مثل لندن ودبي وهونج كونج ولوكسمبورج، وأن الاستثمار في هذا القطاع يتزايد.
لذا نتمنى أن تكون الدراسات الخاصة بإنشاء البورصة الإسلامية والتمويل الإسلامى فى تركيا قد توصلت إلى أفضل الآليات الإسلامية للتداول المالى مع الإستعانة بالتجربة الماليزية وغيرها والتى قد سبقت فى هذا المجال عن طريق سوق رأس المال الإسلامى الماليزى، غير أنة قد قابلتها عدد من العقبات التى لم يجدوا لها الحلول حتى الآن على ما أعتقد من حيث ملائمة بعض العمليات المالية لمتطلبات الشريعة بوجود فروق جوهرية بين النظرية والتطبيق في إطار عمل سوق الأوراق المالية الإسلامية، وهو يعزى إلى مجموعة من العوامل والمسببات أهمها: وجود اختلافات فقهية بين العلماء والفقهاء المعاصرين حول الحكم الشرعي لبعض معاملات السوق من حيث الجواز أو الحظر حسب تصورات وافتراضات أو حتى اجتهادات قد تكون خاطئة في أساسها للحكم على مدى مشروعية بعض الأدوات المالية المتداولة في تلك السوق، حيث أنها لا توفر الحد الأدنى المطلوب للحكم عليها بأنها أداة مالية شرعية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، كما أن تلك السوق لا تستطيع العمل بمعزل عن البيئة الاقتصادية التي تتواجد فيها مما يشير إلى عدم استقلاليتها وخصوصيتها لتمارس أعمالها وفق ما صممت لأجله دون أن تلتزم بالتشريعات والقوانين والسياسات النقدية والمالية الحاضنة لتلك الأسواق، وأن هذه الأسواق لم تكن لتتطور وتحقق النجاح بدون الدور الفعال التي تمارسه الجهات الرقابية الشرعية فيها لضبط معاملاتها وأدواتها وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. وضرورة إعادة النظر والتقييم لبعض الأدوات المالية المتداولة في بورصة الأوراق المالية حتى تكون أكثر توافقاً مع أحكام الشريعة، وضرورة التنسيق والتعاون بين حكومات البلدان الإسلامية لإنجاح تجربة سوق الأوراق المالية الإسلامية التركية الجديدة لتكون النموذج الإسلامي المنافس للأسواق العالمية، وضرورة البحث والدراسة في هذا السياق لغرض التأصيل لتلك التجربة الإسلامية الواعدة.
كما لايفوتنا فى هذا المجال أيضاً طلب حث البنوك الإسلامية على تطوير نفسها بإيجاد آليات جيدة وميسورة لتمويل المشروعات الناشئة والشباب والتى تتلقفها بنوك التمويل التقليدية بما يشكل عقبة أوعبئاً مالياً كبيراً على أصحاب المشروعات الناشئة، سواء من حيث تعقد متطلبات الحصول على القروض وخدمة سداد القروض، وتوفير سبل ميسرة لإلتقاء أصحاب المشروعات الناشئة والممولين بما يسمح بنمو وتطوير المشروعات الناشئة والشباب والتى تتوقف على عقبة التمويل بصفة أساسية وتبحث عن تمويل إسلامى ميسر لتشجيعها.
فنتمنى من قلوبنا أن تكون البورصة والتمويل الإسلامى فى تركيا المنتظرة قد توصلت وانتهت إلى الأجابة على جميع التساؤلات قبل موعد الإفتتاح المأمول والذى سوف يمثل دفعة جبارة للإقتصاد ككل وتدعيم للإقتصاد الإسلامى وأهدافة السامية بفتح المجال وتشجيع الإنسان والأنشطة والمشروعات على الفكر والتحرك بحرية من أجل البناء والتعمير فى الأرض، ليس فى تركيا وحدها بل وفى جميع أنحاء العالم والشرق الأوسط على وجة الخصوص؛ حول مدى توافق معاملات وأنشطة سوق الأوراق المالية مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإلى المدى المأمول الذى سوف يتطابق فية الواقع العملي التطبيقي مع نظرية عمل سوق الأوراق المالية الإسلامية، تلك النظرية التي وضعها علماء الاقتصاد المسلمين وأقرها الفقهاء في العالم الإسلامي، وهل ستستطع تلك الأسواق المالية أن توفر هذا المناخ الإسلامي للاستثمار، وأن تقوم بتوليد أصول مالية قادرة على جذب المدخرات وتوفير فرص التمويل المربحة في النشاطات الاقتصادية المختلفة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
(المصدر: ترك برس)