بقلم د. محمد أيمن الجمّال – مدونات الجزيرة
وذلك أن ما يطلق عليه اسم الأصول منقولة بالتواتر وهو قطعيٌّ لا يُمكِن الخلاف حوله، وكلُّ ما نقِل الخلاف فيه فهو منقولٌ جيلاً عن جيل، وأيُّ وصفٍ يستحقّه المعاصرون يستحقّه من نقِلت عنهم هذه الأقوال! والسعيُ في تضعيفها على خلاف القواعد الحديثيّة كلّها سعيٌ وراء سرابٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجدَ الله عنده فأيقن حينئذٍ أنّه تجاوز حدود الأدب مع الله حين حكَم بالقطع فيما أذِن الله بالاختلاف فيه لمّا لم يجعله قطعيّا، والعاقل من يتعامل مع الاحتمالات كلها -ضعيفها وقويّها عنده- وفق مراد الله في تركها غير قطعيّة الدلالة، وفي ذلك إشارةٌ منه -سبحانه- إلى جواز الاختلاف في مثلها، أو إلى عدم جواز اتّهام المخالف بالفسق والضلالة فضلاً عن التجسيم أو التعطيل!
لكنّ المطلوب في هذه المرحلة هو تغيير حال المنفعل ليصبح فاعلاً، وتطوير تفكيرِهِ ليبني مواقفه على المصالح لا على ردّات الفعل فحسب؛ ففي أوقات الأزمات يتجاوز الموقفُ الحقَّ والباطلَ إلى الممكنِ التحقيقِ؛ وحين يستحيلُ الحصول على الحقِّ سيسعى العقلاء للتواصل مع الآخرين للوصول إلى (كلمةٍ سواء)!
تجاوز هذه الأزمة الأخلاقيّة بين المنتسبين إلى أهل السنّة يُمكن أن يتحقّق حين تتفّق المرجعيّات الفرعيّة لكلّ طرف على فضِّ النزاع، وحين تخلو الجلسات الخاصّة من الاتّهام المباشر والتحريض غير المباشر، وحين تُراجَعُ تلك المصادر التي تقضي من كلّ فريقٍ بالتكفير على مخالفِهِ، والحكم بعدمٍ النجاة والإلقاءِ في النار؛ المؤدّي إلى استحلال الدم والمال! والبدء بالمراحل العمليّة لهذه التوافقات والاتفاقات ينبغي أن يكون مسارًا مشتركًا لمختلف المكوّنات السنّيّة، وأن يسير وفق خطّة عمل تزامنيّة بينهم. ولا ريب أنّ استشعار الخطر الذي يُهدّد وجودَ الأمّةِ لا كياناتها ومسمّياتها عاملٌ مهمٌّ في تعجيل مرحلة التنسيق التي يُمكن فناءُ المكوّن الرئيس للمسلمين دونَها!
إنّ تبرئةَ النفس أحد أهمّ عوامل التفرقة في صفوف جماعة أهل السنّة، والحقّ أنّ بعض التيارات في أهل السنّة أكثر تطرّفًا من بعض، لكن ليس من الحكمةِ أن ننتظر أن يكونَ أكثرُنا تطرّفًا أكثرَنا اعتدالاً في الطرح، أو أكثرَنا توافقيّة في المصالحات!