مقالاتمقالات المنتدى

“وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ”

“وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ”

بقلم د. محمد فتحي الشوك (خاص بالمنتدى)

في رحلته المعرفيّة لاستكشاف الكون وفهم الوجود كان الإنسان ينتقل من محطّة إلى أخرى معتقدا كلّ مرّة أنّه أمسك بكلّ المعطيات وأشرف بنيانه على الاكتمال، يستريح لوهلة منتشيا بانتصاراته ليكتشف بسرعة أنّ عليه السّير مجدّدا وأنّ مسافة مشيه قد لا تتعدّى بدايات الطّريق. لينطلق من جديد ويكتشف الجديد.

في هذا المجال المادّي الحسّي القابل للتّجريب والقياس وعبر الملاحظة تمّ استخراج القوانين ووضع النّظريات للتمدّد والتوسّع في المجالات نحو الأصغر أو الأكبر كانت هناك فتوحات وإبداعات، وبقدر ما يتوسّع الإدراك بفعل التّراكمات تتوحّد القوانين والنّظريات.

رحلتان قام بها الفاتحون المستكشفون للكون في اتّجاهين مختلفين:

 _رحلة البحث عن الجزء الأصغر أو الوحدة المكوّنة للمادّة:

من المكوّنات الأربعة (الماء، النّار ّ، التّراب والهواء) الّتي طالما ظنّ السّابقون أنّها أصل المكوّنات المادّية إلى توسّع الإدراك الحسّي بوسائل مكبّرة ومضخّمة والتوصّل إلى مكوّنات الذرّة بما فيها من نواة تدور حولها الإلكترونات (تدور عكس اتّجاه عقارب السّاعة) إلى اكتشاف البروتونات والنيوترونات وأخيرا.. الكواركات (3 كواركات).

شراهة العلماء جعلتهم لا يتوقّفون على هذه النّقطة اذ لم تفسّر لهم كلّ الظواهر وقوانين النسبيّة العامّة وميكانيكا الكمّ جعلتهم يتوصّلون إلى ما أهمّ وما هو أصغر من الكواركات وهي الأوتار (جزيئيات صغيرة جدّا تتصرّف مثل نقاط أحاديّة من المادّة مع غياب للتّوزيع المكاني (خرق للزّمكان).

نظريّة الأوتار الفائقة فسّرت بالثّقوب السّوداء (تتكثّف المادّة في مساحة صغيرة جدّا (لا تدرك كأنّها افتراضية) ذات جاذبيّة عالية جدّا تعمل على جذب المادّة إلى الدّاخل، تتكثّف في نقطة واحدة مع كثافة لا نهائيّة) ويقول العالم بارك في تفرّد الثّقوب السّوداء (طبيعتها لم يقع اكتشافها بالكامل بعد) أنّها مليون مرّة أصغر من أيّ مسافة رأيناها إلى حدّ الأن (طول بلوانك وهي 1،6 ضارب 10 قوّة (-35)م).

_رحلة البحث عن الجزء الأكبر أو التشكّل الأكبر للمادّة:

من الأرض واستكمال استكشافها إلى المجموعة الشّمسيّة إلى المجرّة إلى المجرّات إلى إثبات وجود الثّقوب السّوداء، قبل المرور إلى توضيح ذلك نلاحظ أنّ حركات الكواكب تدور حول نجمها كما تدور الإلكترونات حول النّواة و كذلك الكواركات حول الثّقوب السّوداء (عكس اتّجاه عقارب السّاعة) وهو نفس اتّجاه الطّواف حول الكعبة َالشّريفة. الثّقوب السّوداء توقّعها أينشتاين وتعمّق في بحثها جون لويل (1967) وأثبتها مرصد هابل سنة 1994 وجود جسم غير مرئي في مركز المجرّة M87 يلتفّ حوله الغاز في دوّامة واضحة يبعث الأشعّة السّينية باستمرار وقد قدّروا وزنه بـ 3 مليون ضعف وزن الشّمس.

والثقب الأسود هو منطقة من المكان ضغطت بشكل كبير فتجمّعت فيه المادّة بكثافة عالية جدّا وأصبحت ذات جاذبيّة فائقة جدّا منتجة لإعصار سريع لا يمكّن أيّ شيء من مغادرتها بما فيها أشعّة الشّمس (سرعة الضّوء 3 ضارب 10 قوّة 8 م/ث)، والثّقب الأسود يتشكّل بابتداء انهيار النّجوم الكبيرة (نجم 20 مرّة ضعف وزن الشّمس فأكثر) نتيجة نفاذ الوقود لذلك شمسنا الّتي نعرف (عمرها الافتراضي الباقي 1,2 مليار سنة إذا لم يحصل طارئ خارجي: وهو ما يعني حتميّة النّهاية) لن تتحوّل إلى ثقب أسود بل إلى قزم أبيض (White dwarf) وهو تصديق لما ورد في القرآن قبل 15 قرنا في سورة التكوير (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)، مع العلم أنّ “كتلة” الثّقب الأسود هو ضعف 10 ألاف إلى ألف مليون كتلة الشّمس. وقد استنتج العلماء إلى أنّ الثقوب السّوداء تسير وتتحرّك باستمرار وتعمل مثل المكنسة، تذكّروا قوله تعالى: “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)” (سورة التكوير).

دراسة تأليفية:

في الاتّجاه نحو الأصغر المجهري، والأكبر المقرّب في عوالم ما يدرك ويبصر (الموجود المحدود وهو محاط بالموجود اللّامحدود) توصّل الباحثون إلى نفس القانون وبملاحظتنا لحركة الأشياء أكبرها وأصغرها فهي تسبح في فضائها في نفس الاتّجاه (عكس عقارب السّاعة) والحركة تردّد والتردّد تسبيح. يقول الله تعالى في سورة يس: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). (الآية: 40).

كما يقول في سورة الإسراء: “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا“، (الآية44)، وقد كان المولى قد أقسم :”فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)” (سورة الحاقة)، ووعدنا بأنّه سيرينا الآيات في الآفاق وفي أنفسنا في سورة فصّلت “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ” (فصلت53)، ألم يفصل بعد الأمر؟ ألا ترون أنّه نفس القانون تلحظه حيث تأمّلت وتدبّرت وتفكّرت ألا يدلّك على إبداع الخالق الصّانع الواحد صاحب القانون الواحد، “رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى