“وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى”
بقلم د. محمد فتحي الشوك (خاص بالمنتدى)
هنغاريا تريد ترسيخ نوع الجنس في الدستور، إذ تقدّمت الحكومة الهنغارية يوم الثلاثاء 10 نوفمبر 2020 بمشروع تعديل دستوري ينصّ على أنّ” الأمّ امرأة و الأب رجل” و تعريف الجنس على أنّه جنس الولادة فقط.
قد يبدو الأمر بديهيا و تعبيرا عن مسلّمات لا تحتاج إلى تفسير أو تشريع و قانون، كمن يفسّرالماء بعد الجهد بالماء أو كمن يقرأ احد فصول الكتاب الأخضر حينما كان يتحدّث عن حقّ ترشّح المرأة سواء كانت ذكرا أو أنثى !
فما الّذي يجعل ما يعتبر أمرا طبيعيا متناغما مع الفطرة و منسجما مع المنطق مستهجنا و مندّدا به من قبل البعض؟
_ هل كفرت هنغاريا؟
ما طرحته وزيرة العدل الهنغارية “جوديت فارجا” كان صادما لأوربّا و للغرب بصفة عامة اذ اعتبر ذلك مسّا بالحرّية الشخصية و ضربا لقيم اللّيبرالية و الحداثة و التنوير و المدنية خصوصا و أنّ النصّ المقدّم يتضمّن أيضا بما يفيد أنّ التعليم يتمّ توفيره وفقا للقيم القائمة على الهويّة الدستورية للمجر و الثّقافة المسيحية.
الخطوة المجرية المزمع اتّخاذها بالرّغم من ضغوطات الاتحاد الأوربي ستفتح جدلا واسعا حول القيم الكونية الّتي تسعى العولمة المتوحّشة أن تفرضها قسريا منتهكة خصوصيات المجتمعات و الاختلافات الثقافية.
هي خطوة تصحيحية و محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من قلب أوربا في حين تتواصل الحملات التدميرية الممنهجة لمجتمعاتنا و القصف المركّز لكينوناتنا للتفتيت و إعادة التشكيل وفق صياغتهم و قراءتهم .
الهوية الجندرية أو الجنسانية و شعارات جسدي ملكي و الحركات النسوية و المثلية كانت حصان طروادة لاختراق المجتمعات و الاستيطان كتفريخات سرطانية تعيث فسادا أينما حلّت.
و المنظومة العالمية المسيطرة الفاسدة المفسدة الّتي دمّرت الإنسان و لوّثت بيئته و دنّست قيمه ، تروّج لإنسانها الهجين المستهلك المستهلك، إنسان التفاهة في عصر الرّداءة و تعلي ما تراه قيما كونية تدخل جنّتها من يؤمن بها و تلقي في نارها كلّ من يكفر بها!
تأسّست العلمانية في سياق تاريخي محدّد لامتصاص الصّدمة الثقافية الّتي أحدثتها الثّورة الصّناعية و لفكّ الارتباط مع مؤسّسة كنسية مترهّلة و متسلّطة ، لتتحوّل عند البعض إلى دين جديد له طقوسه و إثابته و عقابه ،
و يبدو أنّ قلب أوربّا قد بدت عليه علامات الردّة و الكفر البوّاح!
_نظام الزّوجية أو الثّنائية القطبية:
يعتبر نظام الزّوجية أو الثّنائيّة القطبيّة للذّوات شرطا أساسيّا و ضروريّا للاجتذاب, الجمع و البناء و كلّ العمليّة التّفاعليّة المادّية الحسّية و المعنويّة العاطفيّة ، و ثمرتها أو منتوجها ذوات جديدة تحقّق استمرار النّوع في إطار غريزة البقاء ، تحفّزه و تنظّمه مكتسبات ثقافيّة لجماعة رغبة منها في الحياة.
و الأسرة ما هي الّا مجال تفاعل القطبين ، عبارة على بحر افتراضي ، انتظام موجه و تناغمه مرتبط بتمايز و تمثّل القطبين كأعمدة فاعلة لهما مركزهما و دورهما.
لن نعود الى اهمّية الاخصاب، الحمل و الانجاب،و تكوين الجنين السّليم في بيئة سليمة ثمّ نزوله إلى العالم الخارجي مستكشفا و مستكملا لنضجه و محتاجا لأسرة ،لتنشئته من الالف الى الياء.
احتياجات الطّفل بيولوجيّة و نفسيّة و مرتبطة ببيئته(الوالدين) لاشباعها و تحديد دوره ، مركزه، امتصاصه للقيم الخلقيّة ، استقلاله و تبلور ذاته.
أغلب الاستنتاجات العلميّة اثبتت اهمّية التّقليد و التقمّص كعاملين اساسيين في تطوّر سلوك الطّفل ،و هذا يتطلّب انّه عندما تبدا احساساته في العمل يجد قطبين كلّ له دوره و مركزه ،المتميّزين ،المتفاعلين و المتكاملين،فتتفعّل مختلف الميكانزمات النّفسية الّتي عبّر عنها فرويد بالحسد للمركز(الذّكر يميل إلى الأمّ و يغير من الأب و أمام عجزه عن المنافسة يقوم بتقليده و تقمّص دوره و البنت بالعكس)،أو تلك النّظريات المركّزة على النّفوذ الاجتماعي.
يبدا الوافد الجديد في تقليد أبويه في الصّوت و الحركات ، يمتصّ المرغوب وغير المرغوب فيه بلا إدراك(تجارب وولترز-باندورا1963_1965)، يدعم ذلك الوالدان بما يمثّلانه من خلفيّة ثقافيّة باضفاء الاسم،الضّمير، اللّباسّ ،اللّعب و المعاملة لتتمايز الذّوات ذكرا و انثى فيصير الولد غالبا كأبيه و البنت كامّها، تقليدا و تقمّصا.
كلّ ذلك يتطلّب وجودا حقيقيّا للامّ،متمايزا و متكاملا مع وجود حقيقيّ للاب.وهو ما يجعلنا نقول انّ كلّ تلاعب او استهانة بالفطرة ،جينيّا أو بيئيا كالتّشويه أو الخلط بين دوري الرّجل و المراة(المساواة المزعومة بينهما و هي كلمة حقّ أريد بها باطلا لغاية في نفس يعقوب، الزّواج المثلي ,الابوان الغير البيولوجيان..)يمثّل اجراما في حقّ البشريّة لا يماثله اجرام.فالخطا المبدئي و المنهجي اصاب الانسانيّة في مقتل و لعلّ ظاهرة العزوف عن الزّواج،نسبة الطّلاق،فساد المنتوج و كثرة الانحرافات و الامراض النّفسية تعود فيما تعود اليه مع أسباب اخرى الى هذه العلّة في المفصل و الأزمة المستفحلة الّتي تعيشها الإنسانية.
(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (72)النّحل.
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)(45) النجم.