بقلم د. محمد عمارة
منذ أسابيع، أعادت إحدى دور النشر طبع كتاب “في الشعر الجاهلي” للدكتور طه حسين (1307- 1393هـ، 1889- 1973م) بصورته التي نشر بها عام 1926م، مع أن صاحب هذا الكتاب قد حذف منه العبارات الصادمة والمثيرة للجدل، وغير عنوانه وأضاف إليه عندما أعاد طباعته عام 1927م.
ولقد تكرر هذا التدليس في حياتنا الثقافية مرات كثيرة، فأعاد المتغربون العلمانيون طبع كتاب “الإسلام وأصول الحكم” رغم أن صاحبه قد رفض إعادة طبعه حتى توفاه الله، وأعادوا طبع رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ، رغم اعتراف الرجل بأنه قد كتبها “في لحظة شك” عابرة، وأنه لن يعيد نشرها إلا إذا وافق على ذلك الازهر الشريف!.
وفي ما يتعلق بكتاب “في الشعر الجاهلي”، يدلس المتغربون العلمانيون على القراء فيزعمون أن الكتاب لا شائبة فيه، وأن رئيس النيابة – محمد نور – الذي حقق مع طه حسين، بشأنه، قد حفظ التحقيق لخلو الكتاب من الطعن في ثوابت الإسلام، مع أن قراءة النص الكامل لقرار النيابة – المؤرخ في 30 مارس عام 1927م – تكشف عن جناية هذا الكتاب على ثوابت الإسلام، لقد جاء فيه:
“إن المؤلف قد تطرق في بحثه إلى الكلام في مسائل في غاية الخطورة، صدم بها الأمة الإسلامية في أعز ما لديها من الشعور، ولوث نفسه بما تناوله من البحث بغير فائدة – وخرج من البحث بغير جواب (ص 7) إنه لم يكن دقيقا في بحثه، وهو ذلك الرجل الذي يتشدد كل التشدد في التمسك بطرق البحث الحديثة (ص9) لقد اعتاد الخطأ في أبحاثه حيث يبدأ بافتراض يتخيله ثم ينتهي بأن يرتب عليه قواعد كأنها حقائق ثابتة، (ص 14) وإن المبشر – المتستر تحت اسم هاشم العربي – الذي نقل عنه المؤلف، والذي عرضه الطعن في الإسلام، كان في عبارته أظرف من مؤلف كتاب “الشعر الجاهلي” (ص 16) لقد أخطأ المؤلف فيما كتب، وأخطأ ايضا في تفسير ما كتب، ولقد تعرض بغير شك لنصوص القرآن ولتفسير نصوص القرآن، وليس في وسعه الهرب بادعائه البحث العلمي منفصلا عن الدين (ص 17)، إن المؤلف – في إنكاره الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام – يتخبط تخبط الطائش، ويكاد يعترف بخطئه (ص 18) لقد تورط في هذا الموقف الذي لا صلة بينه وبين العلم بغير ضرورة يقتضيها بحثه ولا فائدة يرجوها (ص 19) كما تكلم فيما يختص بأسرة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه في قريش بعبارة خالية من كل احترام، بل بشكل تهكمي غير لائق (ص 25) وبالتطبيق على القانون يتضح أن كلام المؤلف فيه تعد على الدين الإسلامي، لأنه انتهك حرمة هذا الدين بأن نسب إلى الإسلام أنه استغل قصة ملفقة هي قصة هجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة وبناء إبراهيم وإسماعيل للكعبة، واعتبار هذه القصة أسطورة، وأنها من تلفيق اليهود، وأنها حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام، وهو بكلامه هذا يرمي الدين الإسلامي بأنه مضلل في أمور هي عقائد في القرآن باعتبار أنها حقائق لا مرية فيها، أما كلامه بشأن نسب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إن لم يكن فيه طعن ظاهر إلا أنه أورده بعبارة تهكمية تشف عن الحط من قدره (ص 28) ولا نزاع في أن التعدي قد وقع على الدين الإسلامي الذي تؤدى شعائره علنا، وهو الدين الرسمي للدولة (ص 29) إن أغلب ما كتبه المؤلف مما يمس موضوع الشكوى، إنما هو تخيلات وافتراضات واستنتاجات لا تستند إلى دليل علمي صحيح، وكان يجب عليه أن يكون حريصا في جرأته على ما أقدم عليه مما يمس الدين الإسلامي الذي هو دينه ودين الدولة التي هو من رجالها المسؤولين عن نوع من العمل فيها، وأن يلاحظ مركزه الخاص في الوسط الذي يعمل فيه، لقد تورط في بحثه حتى تخيل حقا ما ليس بحق، أو ما لا يزال في حاجة إلى إثبات أنه حق، لقد سلك طريقا مظلمة وكان يجب عليه أن يسير على مهمل وأن يحتاط في سيره حتى لا يضل، ولكنه أقدم بغير احتياط، فكانت النتيجة غير محمودة، لقد أخطأ فيما كتب، إلا أن الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شئ، وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدي شئ آخر (ص 31) ولذلك يكون القصد الجنائي غير متوفر (ص 32).”
تلك هي نصوص قرار النيابة في كتاب “في الشعر الجاهلي” التي يدلس حولها المغربون العلمانيون!.
* المصدر : عربي 21