مقالاتمقالات مختارة

وماذا عن موالاة النصارى؟

وماذا عن موالاة النصارى؟

بقلم د. عادل بن حسن الحمد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
يتحدث الناس اليوم عن زيارات مرتقبة ومتبادلة بين مسؤولين من اليهود وبعض دول المسلمين بهدف تطبيع العلاقات مع اليهود. هذا التطبيع الذي أجمع علماء الأمة اليوم على حرمته، وأصدروا الفتاوى الفردية والجماعية في بيان الحكم الشرعي من التطبيع، ولا يخالف هذه الفتاوى إلا معاند، مكابر، رافض للحق، متلبس بالباطل.
ولعل الذي مهد للتطبيع هو ما قامت به القيادات السياسية في بلاد المسلمين من الارتماء التدريجي في أحضان النصارى حماة اليهود، والذي استغرق عقوداً من الزمن، سكت فيه العالِم عن قول الحق وكبر عليه الصغير، ومات عليه الكبير، فأصبح واقعا غير مستنكر.
وهذه بعض النقاط في بيان حكم موالاة النصارى أحببت أن أذكر بها نفسي وإخواني الكرام:
أولاً: لم يفرق الله جل في علاه بين حكم مولاة اليهود وحكم موالاة النصارى، بل جمع بينهما في آية واحدة، فقال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (51) [المائدة].
فكل دليل استدل به العلماء على حرمة التطبيع مع اليهود، فهو دليل على حرمة موالاة النصارى كذلك.
ثانياً: حرم الله عز وجل علينا اتباع أهواء اليهود والنصارى من غير تفريق بينهما، وبين سبحانه أنهم لن يرضوا عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم كلها حذو القذة بالقذة، فقال سبحانه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 120]. قال ابن تيمية رحمه الله: ((فانظر كيف قال في الخبر : ( مِلَّتَهُمْ )، وقال في النهي ( أَهْوَاءَهُمْ )، لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقا، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه))( 1 ).
ثالثاً: بين الله لنا أن من صفات المنافقين نصرتهم لليهود والنصارى على المسلمين، فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)) [الحشر].
ولا فرق بين وقوف المنافق مع اليهود ضد إخواننا في فلسطين، وبين وقوف المنافق مع النصارى كأمريكا وغيرها ضد إخواننا في أفغانستان أو الصومال أو العراق. وما قضية محاربة الإرهاب إلا نموذج من هذه النماذج في نصرة المنافقين للنصارى ضد المسلمين.
رابعاً: هدف النصارى من محاربة المسلمين والتي يعلن عنها اليوم قادة أمريكا مثلا أو غيرهم هو إخراج المسلمين من الإسلام إلى الكفر، وقد أخبرنا اللهبذلك في كتابه فقال: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109]، وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران: 100].
وما هذه الاتفاقيات الأممية التي توقع عليها القيادات السياسية في بلاد المسلمين إلا نوع من أعمال النصارى في إبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، كالاتفاقيات المرتبطة بحرية الأديان، والاتفاقيات المرتبطة بإفساد أخلاق المجتمع كزواج المثليين، وكقانون العنف ضد المرأة، وقانون الطفل، واتفاقية (سيداو)، وغيرها كثير. وهذه كلها تشريعات تُلزم من وقع عليها الامتثال لها وتقديمها على شرع رب العالمين، ثم تُطالب هذه الدول الموقعة بتقديم ما يثبت الالتزام بها. والملاحظ أن دول المسلمين تحاسب على أي تقصير أو إخلال في تطبيق هذه الاتفاقيات. وهذا ما لم يحض به شرع رب العالمين في بلاد المسلمين اليوم مع الأسف.
خامساً: هدف القيادات السياسية في بلاد المسلمين من تحالفها مع النصارى هو الحفاظ على مراكزهم السياسية، لأنهم يعتقدون أنه لا يدوم على كرسيه إلا من رضيت عنه أمريكا النصرانية أو غيرها من الدول العظمى كما يقولون، ولذلك يصفون دول النصارى التي يوالونها بـ (الحلفاء).
والله جل في علاه قد فضح هذه النفوس في كتابه فقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)) [المائدة] سادساً: إن موالاة دول المسلمين للنصارى، وسكوت العلماء عن بيان حكم هذه المولاة، أوقع عوام الناس في الفتنة، فظن كثير منهم أن حرمة المولاة قاصرة على اليهود دون النصارى. قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73] سابعاً: كفَّر الله النصارى في كتابه، وبين أنهم أعداء الله وحرم علينا موالاتهم فمن والاهم فقد ضل عن سواء السبيل. قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 17]، وقال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة: 72، 73] وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة: 1]

أخي المسلم، أختي المسلمة، في كل مكان، إن التبرؤ من اليهود والنصارى دين ندين الله به، وعقيدة نلقى الله عليها، وإن الموقف من النصارى لا يختلف عن الموقف من اليهود في موضوع المولاة، وأن هذا الموقف بنيناه على نصوص الكتاب والسنة لا على أهواء الذين لا يعلمون. وأن الواجب على كل مسلم أن ينكر هذا المنكر حتى يلقى الله عز وجل. وأن شدة عداوة اليهود لنا لا تغير من موقفنا من النصارى فكلهم يتمنون لنا العنت والمشقة كما قال الله سبحانه: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].
إن احتلال اليهود في لفلسطين يقابله احتلال النصارى لأضعاف أضعاف مساحة فلسطين من ديار المسلمين.
وإن تقتيل اليهود لإخواننا في فلسطين وتعذيبهم، يتفوق عليه تقتيل النصارى للمسلمين في العراق والبوسنة والهرسك وأفغانستان والصومال وغيرها.
وإن الإنكار على الدول العربية في تطبيعها مع اليهود حق لا مرية فيه ولا يقلل من شأنه ولا يطعن فيه إلا منافق.
كما أن السكوت عن موالاة الدول العربية للنصارى واتخاذهم أولياء باطل نبرأ إلى الله منه.
إن العلماء الذين لم يستنكروا ما يرونه بأعينهم من ارتماء القيادات السياسية في أحضان النصارى، بل زادوا على ذلك أن زينوا لهم فعلهم هذا وعدوه من الحنكة والسياسة، هم الذين سيستخدمهم الساسة في التلبيس على الناس في التطبيع مع اليهود بفتاوى غريبة عجيبة.
أخيرا، لم يجرؤأحد ممن ينسب إلى أهل العلم – فيما أعلم – حتى الآن أن يفتي بأن من أنكر التطبيع مع اليهود فهو خارجي، محرض على الحكام، وأن قتله قربة إلى الله، ولكني لا أستبعد أبداً أن يُفتى بمثل هذه الفتوى على من ينكر على الحكام موالاتهم للنصارى، فإذا رأيتم ذلك فليعلم كل مسلم على هذه الأرض من هم علماء السلاطين الذين يزينون للناس الباطل، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 42].
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

————————–———————–

( 1 ) اقتضاء الصراط المستقيم 1/99.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى