ثم سألت نفسي: لماذا هذا الشعار بالذات؟! أبعد كل هذه القرون من رحيل الأندلسيين المسلمين (المورسكيين أو المدجنين)، وبعد رحيل ملوك قشتالة وأراغون الكاثوليكيين، وتعاقب الأجيال والعائلات والأسر الحاكمة أشكالا وأنواعا ، وبعد تغيير أشياء كثيرة بالأندلس، منها الدين واللغة وعادات المجتمع، ظل هذا الشعار يملأ الشوارع والأسواق، شامخا بقصورنا التي يزورها اليوم ملايين السواح من شتى بقاع العالم، ليجثوا مصوروهم وتنحني رقابهم وتخشع أبصارهم أمامه، لأجل التقاط صورة تحمل “ولا غالب إلا الله”.
رقدا معا بمسجد غرناطة الكبير، بعد أن منعا فيه الآذان وحولاه إلا كنيسة أطلقا عليه اسم الكنيسة الملكية لغرناطة، وبها صار قبرهما في طي النسيان، ولا أحد يعرف عنه شيئا خلال زيارته لمدينة غرناطة، إلا لمن كان لديه شغف البحث أو كان متخصصا في تاريخ الأندلس.
لا أتصور أن يغيب معنى شعار “ولا غالب إلا الله”، عمن استخلفهم الله في أرض فعمروها بالعلم والحضارة ورفعوا فيها هذا الشعار المستمد من القرآن الكريم من سورة يوسف “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” رفعوه عاليا، وجعلوه شعارا للأندلس المسلمة ليعلم الناس، أنّ البقاء والقوة والغلبة لله جميعا.
ذهبت دولة بني الأحمر بسقوط غرناطة، وذهبت جميع مملكات الطوائف بملوكها، وذهب السجانون، والمحققون، والجلادون، وذهب أعتى ملوك الإسبان الكاثوليك وظل شعار: “ولا غالب إلا الله” يستقطب الزوار والسائحين من كل بقاع العالم، دون أن يسأل أحد عن مكانه، يكفيه أن يدخل إسبانية الأندلسية ويرفع رأسه إلى أي معلم أو جدار خلّفه المسلمون، أو أن يجوب محلات الهدايا التذكارية، فلا تقع عينه على غيره.
الحياة غالب ومغلوب، ودورة الحضارة كما يقول عنها ابن خلدون: المغلوب فيها مولع بالغالب، نغلِبُ ونُغلب وأخيرا “لا غالب إلا الله”.