وقفة مع انحراف بعض أبناء الدعاة والعلماء!
بقلم راجي سلطاني
ابنا الشيخ حسن يوسف -القيادي الكبير في حركة المقاومة الإسلامية حماس- اللَّذان أعلنا عمالتهما للأجهزة الصهيونية، وأعلن أحدهما تركه للدين الإسلامي وتنصّره، ليسا بِدعا في حياتنا المعاصرة، ولا يمثلان وحدهما صورة الانحراف الوحيدة لأبناء قادة الإسلاميين، بل إن انحراف أبناء الدعاة وعلماء الدين وقادة الإسلاميين أصبح يشكل ظاهرة إلى حد ما، وإن اختلف ذلك من مكان لآخر، إلا أنه في بعض الأماكن يشكل ظاهرة حقيقية.
صحيحٌ أن ظاهرة الانحراف ليست بذات الحِدّة -كما وصفت سابقاً- حتى وصلت إلى العمالة للصهاينة وترك الدين، إلا أنها ظاهرة موجودة، بنسب متباينة في درجة الانحراف.
فمن الأبناء من ينحرفون عن نهج آبائهم الإسلاميين، ويعيشون عيشة أغلب الناس؛ تسحبهم مشاغل الحياة والانهماك فيها، مع المحافظة على أقل القليل من العبادات، وعدم الاهتمام بقضية الدين ونشره ومشروعه وتحديات أمته… وهذه أولى درجات الانحراف.
فكيف يكون داعية يدعو الناس لعبادة الله ليل نهار، ليجعلوا كل همهم دينه وشرعه، ثم يكون أولاده بعيدين تماماً عن ذلك، يعيشون في الدنيا عيشة الهمج والدهماء، فلا هم لهم إلا الدنيا ومشاغلها ورغباتها، وليس لهم من الدين إلا أقل القليل من عباداته الشكلية، ولا فكر أو همّ لهم بعدها بالدين!
وكيف يكون عالماً يُعلم الناس العلم، ولا يكون لأبنائه حظاً من ذلك العلم، ولا حظ من الاهتمام به والبحث فيه!
وكيف يكون إسلاميّاً يحمل مشروعه الإسلامي الكبير، ويسير به في الناس، ينتقي له من أبنائهم من يحمله معه، ثم لا يكون أبناؤه هو من هؤلاء، الذين يحملون المشروع، ويدفعون ضريبته!
كيف يختار من أبناء الناس من يدفع الضريبة الباهظة من نفسه وحياته وماله، ولا يكون أبناؤه في أول الصفوف معهم!
والعجيب في هذه النقطة، أن بعض الإسلاميين يعمدون إلى ذلك قاصدين، فيُبعدون أبناءهم عن الطريق الذي يسيرون فيه، خوفاً من كلفته الباهظة عليهم، بعدما أدوا هم هذه الكلفة من حياتهم، فلا يريدون لأبنائهم أن يعيشوا نفس التجربة من التضييق والمطاردة والخوف والسجن.
بعض الإسلاميين يعمدون إلى ذلك قاصدين، فيُبعدون أبناءهم عن الطريق الذي يسيرون فيه، خوفاً من كلفته الباهظة عليهم
وفي هذه وقفة؛ فإن في ما يفعله هؤلاء ما يجب أن يُحاسبوا أنفسهم عليه، فكيف يجتهدون في إدخال أبناء الناس لطريق يعمدون إلى إبعاد أبنائهم عنه، ولا أحسب ذلك إلا من ضعف النفوس وركونها للدنيا، فلو صدقوا تمام الصدق في اختيارهم للآخرة وعدم الركون للدنيا، لباعوا أولادهم كما باعوا أنفسهم في طريق الحق، والذي يجود بنفسه ويضن بأولاده، فقد ضنّ بما كان يجب عليه أن يجود به -لو كان مؤمناً حق الإيمان وموقناً حق اليقين- وما دام قد ضنّ بشيء فقد أكد على نقص إيمانه ويقينه مهما جاد بغيره وجاد.
ومن أبناء الدعاة والعلماء وقادة الإسلاميين من ينحرف انحرافاً أكبر من ذلك، يتمثل في ابتعادٍ أكبر عن الدين كممارسات وسلوك، بعد الابتعاد عنه كمشروع وفكر، وكذلك الابتعاد عنه كعبادة ومظاهر.
ونرى في حياتنا الكثيرين من هؤلاء، فلا نرى لهم شكلاً إسلامياً، بل مظاهر وملابس هي أبعد ما تكون عن الدين والعادات.
وكذلك نرى أخلاقاً وممارسات هي أبعد ما تكون عن الدين والعادات. ونرى تركاً للعبادات الأصلية، التي يأتيها عموم المسلمين ولا يتركونها.
ومن أبناء الدعاة والعلماء وقادة الإسلاميين من ينحرفون الانحراف الأكبر بترك الدين بالكلية، كما رأيناه بأعيننا في أبناء الشيخ حسن يوسف، وكما رأيناه في غيرهم من أبناء دعاة مشهورين من حولنا، وهذا هو أقل أنواع الانحرافات شيوعاً في أبناء الدعاة والعلماء والقادة.
وهذه الظاهرة في عمومها لها أكثر من سبب:
بعض الانحراف يكون سببه الآباء أنفسهم؛ بسبب الغلظة والشدة التي ينتهجها بعض الإسلاميين في تربية أبنائهم ، وقد رأينا ذلك بأعيننا، فرأينا غلظةَ وشدةَ أحد الدعاة المشهورين تجعل ابنه يترك المدرسة والبيت والالتزام، ويصبح مجرماً سارقاً!
وكذلك رأيناه في ابني داعيةٍ آخر، ألحدا في النهاية، تحت وطأة شدته وغلظته وقسوته في تربيتهما، وتعامله معهم بالحديد والنار من أجل أطرهم على الحق أطرا، ولو عاملهم هذا الوالد بالحنو والحب والتوجيه الحسن السمح، لكان أصلح لهم، ولما أحدث لهم تلك الصدمة النفسية، التي ذهبت بعقولهم، وجعلتهم يتركون الدين كله.
وبعض الانحراف يكون سببه انشغال الوالد الزائد بأعبائه الدعوية والعلمية والحركية التنظيمية، مما ينتج تقصيراً شديداً في تربية الأبناء ومتابعتهم ومراقبتهم. وهذا موجود بكثرة في بيوت الدعاة والعلماء وقادة الإسلاميين!
غريبٌ أن تجد الوالد منهمكاً في دعوة عموم الناس، ومقصراً جداً في دعوة أبنائه وتربيتهم، تصعب عليه هذه وتسهل عليه تلك!
وإذا دققنا النظر في هذه النقطة سنجد مردها إلى أن الأبناء يحتاجون إلى دعوة وتربية ومراقبة، وهو ما يجد فيه الأب صعوبة بالغة، على غير ما يجده في دعوة عموم الناس التي لا تعدو كونها مجرد دعوة عامة، لا تربية بعدها ولا مراقبة ولا تقييم.
الداعية يدعو عموم الناس، من يلتزم فيهم فبها ونعمت، ومن لا يلتزم فليس على الداعية بعدها شيء، يستمر في دعوته، ولا ضير.
أما الأبناء فدعوةٌ وتربية ومراقبة وتقييم.
كما أن البعض من الدعاة والعلماء وقادة الإسلاميين يجدون ميلاً للعمل العام مع عموم الناس عن الجهد مع الأبناء لما فيه من حظ النفس من الشهرة والمكانة وتقدير المجتمع.
وبعض الانحراف مرده إلى اختيار الأبناء بأنفسهم لطريقٍ بعيدٍ عن طريق الآباء، لما يرونه من ضريبة باهظة يدفعها آباؤهم من أجل ما هم فيه. سجن وتضييق ومطاردة، وشغل لا يتوقف وهم لا ينتهي، ولا راحة ولا سكن.
بعض الانحراف مرده إلى اختيار الأبناء بأنفسهم لطريقٍ بعيدٍ عن طريق الآباء، لما يرونه من ضريبة باهظة يدفعها آباؤهم من أجل ما هم فيه
بعض الأبناء تحدث لهم صدمات نفسية مما يرون آباءهم فيه من الاعتقال كل حين، والخوف والقلق والتضييق الذي يلاحق الأسرة كلها. صدمات نفسية تدفعهم لأخذ القرار بعدم السير في طريق الآباء.
ظاهرة حقيقية نراها بأعيننا في أبناء الدعاة والعلماء والقادة، وهي ظاهرة لها مثالٌ أول، عندما حاد ابن نبي الله نوح عن طريق أبيه، ولم يؤمن بما جاء به، وآثر أن يموت غريقاً كافراً على أن يركب في السفينة وينجو مع أبيه مؤمناً.
وكم هي الدهشة من هذا المشهد العجيب، ابنٌ يرى بأم عينيه أن أباه على حق، والطوفان الذي أنذر به حق، والسفينة التي كان يصنعها في الصحراء لنجاة المؤمنين حق، ومع ذلك يصر بعناد وصلف على الموت غريقاً كافراً.
على الآباء أن ينتبهوا جيداً لأبنائهم، اهتماماً وتربية وإحساناً، وتطبيباً ومعالجةً، وليؤدوا ما عليهم، فإن هداهم الله وحفظهم من الزيغ والفتن فهو من فضله وكرمه، وإن حادوا وزاغوا فقد أدى الآباء حينها ما عليهم، والأمر في النهاية لله، والقلوب بين يديه، يقلبها كيف يشاء، وليكن لهم في قصة ابن نبي الله نوح التعزية، فليس أقدر على تربية الأبناء من أنبياء الله، وليس أكمل تأديةً لحقوق الأبناء منهم، ومع ذلك يكفر ابنُ النبي، ويموت على كفره معانداً مستكبراً ، في أكبر صورة لانحراف أبناء الدعاة، وعنادهم وغبائهم.
(المصدر: موقع بصائر)