مقالاتمقالات المنتدى

وقفات رمضانية… لبناء الذات( ٢٢ )

وقفات رمضانية… لبناء الذات( ٢٢ )

بقلم د. عمر عبدالله شلح ( خاص بالمنتدى)

( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).. في صباح الأمس، كتبنا عن سمات الشخصية.. واليوم سنكتب عن عامل مساعد، يعمل بشكل كبير، وكبير جداً في تحديد سمات كل شخصية.. وهذا العامل، أو العنوان هو ” الرقابة الذاتية “.. وفي أبسط تعريف لها فيمكن القول بأنها ” هي مراقبة الإنسان لنفسه وسلوكه، والتحكم برغباته وشهواته، وفقاً لفهم أن الله مطلع على كل شئ، وحاضر في أدق تفاصيل الإنسان..”.. وقد عرفها ابن المبارك حينما سأله رجل ما المراقبة قال : ” كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل..”
هذا الفهم للرقابة، وهو ربط الإنسان بخالقه بالدرجة الأولى، هو الذي يساهم في بناء شخصية ذات سمات صحيحة وسليمة.. هذه الرقابة مرتبطة بمدى تقوى العبد لربه، ومدى استحضاره له سبحانه في حياة العبد.. ومن جميل ما جاء في مفهوم الرقابة ما نقل عن ابن سماك في رسالة لأخ له يقول فيها ” فأوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله منك على بال في كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر منه وجلك..” ومن مفهوم الرقابة، هو أن يقيس العبد كل قول أو فعل بمدىٰ رضىٰ الله عنه أو قبوله.. لأن المحصلة النهائية، أن هذا القول أو الفعل، سنجده مدوّن في كتابنا يوم القيامة وفقا لقوله تعلى ” ما يلفظ من قول، إلا لديه رقيب عتيد “.. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعزز مفهوم الرقابة في حياتنا بقوله ” وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة..” وقد جاء عن الفضيل بن عياض، أنه رأى ابنه يمسح كفة الميزان بطرف ثوبه.. فسأله ما هذا يا بني؟؟ فقال: أمسح كفة الميزان من غبار الطريق، لاني أخشى أن أزنه للناس.. فقال الفضيل: إن هذا الفعل أحب إلى من حجتين وعشرين عمرة..” هذا الفعل لابن الفضيل، ناتج عن الرقابة الذاتية لله في سلوكه..
الرقابة الذاتية، تجعل من العبد شخصاً مجرداً من حظوظ النفس والهوى.. بل إن داوم العبد على هذه الرقابة، سيكون في سلوكه أقرب إلى العرفانية، ممتلئاً بالطاقة الإيجابية في ذاته، ويمكن أن يؤثر فيمن حوله أيصاً.. ومن جميل ما جاء في الرقابة عند بعض أهل العلم ” من راقب الله في خطرات قلبه، عصمه الله في حركات جوارحه..”
من المعلوم، أن الرغبة في الشئ، قد تكون هي الدافع الأكبر في الحصول عليه.. وعليه، إن توفرت الرغبة لدى العبد، بأن يجعل الرقابة الذاتية سمة ثابتة في شخصيته، فإنه سيبذل كل شئ لتحقيق هذه الرغبة.. وإن كانت الرقابة حاضرة في شخصيته وحياته، نظنه بعد توفيق الله ورحمته، أنه قد نجا.. ومن غابت عنه الرقابة، فلتتوقع منه كل شئ مع الأسف..!!
لعلنا نحاول أن نبحث في صميم قلوبنا، وشخصياتنا.. هل هناك حيّز للرقابة فيها أم لا..؟؟
صباحكم صباح الرقابة في بناء الذات.. صباحكم صباح غزة.. تواصل قتالها بمعيّة الله.. فتنتصر بإذن الله .

إقرأ أيضا:بيان: الرد الشرعي على دعوة محمد العيسى لدفع الزكاة للمفوضية السامية للأمم المتحدة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى