وفاة الشيخ العلامة غلام الله رحمتي (1345- 1442هـ)
بقلم حاتم محمد شلبي
خرجت لصلاة الفجر يوم الجمعة 16جمادى الأخر عام 1442هـ الموافق 29 يناير عام 2021م، وخطر ببالي وأنا في الطريق إليها شيخنا العلامة المجاهد غلام الله رحمتي رحمه الله، والله على ذلك شاهد.
فلما أديت الصلاة وعدت لمنزلي، عمدت إلى ثبت لشيخنا كنت أجمعه بعدما استأذنت ولده البار وشيخنا فضيلة الشيخ عبدالحميد بن غلام الله، لأقوم على تحريره والنظر فيه.
وانقطعت من حينها عن النت وكل مؤثر لمراجعته، وبقيت على ذلك إلى الساعة، ثم فتحته ففوجئت بخبر توقفت عنده برهة وأمعنت النظر فيه، فإذا هو خبر وفاة شيخنا العالم الرباني الشيخ غلام الله رحمتي رحمه الله يسوقه إلينا ولده الشيخ عبدالحميد صبره الله وذويه.
نعم نعاه ولده إلينا وإلى كل آله ومحبيه وطلابه ومريديه، فنزل عليَّ ذلك النعي الفجائي نزول الصاعقة، وكدت أكذب عيني، التي استقبلته بدموع محب فقد حبيبه، وطالبًا فقد شيخه، وقلت في أول الأمر لعل صفحة شيخنا وابن شيخنا اخترقت.
أو لعله يقصد من هو في مقام والده بالنسبة له، أو لعله.. ولعله!!
ولما تأكدت ولم يعد لدي شكٌ في الخبر، استرجعت وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا معقب لحكمه ولا رادَّ لقضائه، فتعزيت بقول الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157].
وبقول حبيبنا وقدوتنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ” إذا أصيب أحدكم بمصيبةٍ فليذكرُ مصيبته بي؛ فإنَّها أعظم المصائب”.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس أيُّما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبةٍ فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تُصيبه بغيري؛ فإنّ أحدًا من أمتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشد عليه من مصيبتي”.
وخطر ببالي قول أبو العتاهية:
اصبر لكلِّ مصيبةٍ وتجلَّدِ
واعلم بأنّ المرءَ غيرُ مخلَّدِ
فإذا ذكرتَ مصيبةً تسلو بها
فاذكر مُصابَك بالنبيِّ محمدِ
|
وقول لبيد بن ربيعة:
ومَا المالُ والأهْلُونَ إلاَّ وَديعَة ٌ*** وَلابُدَّ يَوْمًا أنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ
لقد كان فقيدنا-رحمه الله- أحد أعلام الدعوة والعلم والفضل والجهاد.
عرف بمكارم الأخلاق في عصره ومصره، وشهد له كل من التقاه بدماثة الأخلاق، وطيب القلب، ولين الجانب، ومحبة الخير للجميع شيوخًا وطلابًا.
وأما عن جهوده في نشر القرآن والسنة، و العقيدة والتوحيد الخالص في بلده الأم أفغانستان، وبلده الثان باكستان، بل وخارجهما، فجهود عظيمة، حدث عنها ولا حرج، جعلها الله له ذكرى خير خالدة، وصدقة جارية عليه واردة.
فشيخنا كان من الدعاة المصلحين إلى الله، ومن الرجال الصالحين الذين ينفقون أوقاتهم، وأموالهم، وأنفسهم في سبيل الله نحسبه والله حسيبه.
ولذا هزّت وفاة الشيخ الأوساط العلمية ليس على مستوى بلده وحسب؛ بل هزته شرقا وغربا، عربا وعجما.
وحضر جنازته وشيعها رغم أنها كانت ليلًا جماهير كثيرة، ودعا له بالرحمة والمغفرة جموع غفيرة، قد لا يحصيهم عد، ولا يحدهم حد، وهذه بطاقة مختصرة لشيخنا لمن لم تكتحل برؤياه عيناه، وأذنه بسماعه:
هو: شيخنا العلامة، والحجة الفهامة، شيخُ الحديث والتفسير غلام الله بن المولوي رحمت الله بن محمد بن أختر بن باران بن عثمان بن حكيم خان بن عظيم خام الكاكري القندوزي الأفغاني ثم البيشاوري الباكستاني، مدير مدرسة دار القرآن والحديث السلفية، أبو عبد الحليم.
ولد شيخنا في أفغانستان حوالي عام 1345هـ تقريبا، وتعلم في صباه علوم الآلة وأتقن جميعها في مدة وجيزة، ورحل في طلب العلم إلى باكستان، ثم رجع بعد التحصيل العلمي إلى بلاده أفغانستان، ولِما أعطاه الله ذكاء وهمة انهمك في دروس التفسير والحديث وأصبح لا يرغب عنهما بديلا، حتى اشتهر بالتوحيد والسنة – وعلى اصطلاح المقلدين والمبتدعين بالوهابية -.
عانى كثيرا في سبيل نشر التوحيد والسنة، ومجاهدة أهل البدع، ومن ذلك: أن أودع في السجن بسبب سعي علماء أهل البدع مرارا، وكان جملة ما مكث في السجن يقرب على عشر سنوات في أوقات منقطعة، ضُرِب وأوذي وسُب وشُتم مرات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بعد الغزو الروسي لأفغانستان كان الشيخ من أوائل المجاهدين في سبيل الله، حيث كان مؤسسا لمنظمة “المسلمون” وذلك في ابتداء الجهاد.
وكان نائبا للشيخ جميل الرحمن (رحمه الله) مؤسس جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة في أفغانستان، والتي تولى شيخنا رحمه الله فيها رئاسة التعليم وعمل رئيسًا لقسم الإفتاء والدعوة والإرشاد بها، وشغل منصب رئيس المدرسين بالجامعة الأثرية ومشيخة الحديث فيها.
وأشرف على الدعاة التابعين لوزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمكتب الدعوة بإسلام آباد.
كما أسس مدرسة [دار القرآن والحديث السلفية] في بشاور، وعمل مديرًا لها وشيخ الحديث والتفسير بها إلى أن توفي رحمه الله صباح اليوم.
وصدق من قال:
لو كان يخلد فينا عالمٌ أبدًا لَخُلِّد المصطفى في هذه الدارِ!
لكنْ هو الموتُ لا يبقي على أحدٍ وفي تواردهِ رايات تذكارِ
فاللهم إنا نؤمن بقضائك ونحتسب عندك أجر الصبر على بلائك، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة:155].
فنسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا رحمة واسعة، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يحسن عزاءنا وعزاء الأمة فيه، ويوفقنا في مصابنا لما يحبه سبحانه ويرضاه.
(المصدر: شبكة الألوكة)