وضع الجزائر ملاحظات سريعة من القلب والعقل
بقلم أبو يعرب المرزوقي
كتبت الكثير في الشأن الجزائري. وعللت ذلك بأن ما يجري فيها لا يعني مواطنيها وحدهم بل هو يهم كل المغرب وكل الأقليم وكل افريقيا وكل المسلمين. فرهانات اعداء هؤلاء جميعا هو على المعركة الجارية فيها حاليا باعتبارها مفتاح التحرركما كانت مفتاح التحرير. من يتجاهل ذلك سيعتبرني”حاج كلوف”.
“حاج كلوف” بالتونسي تعني “الحشري” بالمصري أي من يتدخل في شؤون غيره أو المتطفل بالفصحى. لكن ما أظن أحدا يتابع ما يجري يجهل أن الجزائر ليست غيرا على الأقل بالنسبة إلى أجوارها الجنب ناهيك عن بقية من ذكرت. وقد شرحت في كل تدخلاتي طبيعة تدخلـي.
فما طبيعة “التدخل” اليوم؟ سبق أن تكلمت على المقابلة “مدنية عسكر” التي جعلها شعارا مقدسا. وهـي موضوعي اليوم. بينت سابقا أن المشكل ليس في هذه المقابلة بل في ثقافة الشعوب: فما من أمة يمكن أن تقوم لها قائمة من دون جيش مخلص لها وقائم بواجبه ولا يمكن أن يكون فاسدا إذ لم يكن الفساد قعد قد سيطر على كل الأمة. والأمثلة كثيرة.
فإذا كانت الثقافة من جنس ما راينا في مصر أو في سوريا أو في العراق أو في اليمن أو حتى في السودان (رغم عدم موافقتي لأن السودانيين شعب ميال إلى السلم وتجنب العنف) فقد أفهم احترازات البعض وخاصة من ليسوا مزايدين لغاية في نفس يعقوب. وكم هم كثر كالنمل فيما يجري في الجزائر وفي كل بلد عربي فيه «مطموع».
فرنسا بحركييها والثورة العربية المضادة بأموالها والصهيونية بسلطانها العالمي والصفوية بطائفيتها الخبيثة وبعض النخب في الجزائر ومن الأجوار المحيطين بالجزائر وجلهم حركيون يتظاهرون بالحداثة والتقدمية والعلمانية وهم في الأغلب عملاء أو متمسحون يطبقون التقية. ومفهوم الحركي ليس مقصورا على الجزائر بل كل عميل حركي كل هؤلاء يريدون أن تضيع الجزائر فرصة تاريخية هي فرصة الصلح بين شعب استرد عزته وجيش استرد عافيته وروح ثورته التي عمرها ما يقرب من قرنين منذ وطأت جيوش فرنسا أرضهم.
فلو كان جيش الجزائر ما يزال جيش العشرية السوداء لما انتظر شهورا دون أن يسيل قطرة دم ولما حمى الحراك الشعبي وحال دون انحرافه واختراقه من الأعداء الذين هم كما بينت لا يكادون يحصون. كل ذلك أقنعني بأن جيش الجزائر تعافى واسترد معنوياته ومن ثم فقياداته الحالية من أشرافه لأنه مكنوا شبابه من القيادة روح الثورة فطهروه من عملاء فرنسا وإسرائيل وإيران وأعراب الجاهلية.
لكني مع ذلك “سأتبع السارق حتى باب الدار” بالتونسي واسلم جدلا أن الجيوش لا يُطمأن لها وأن الدولة المدنية أفضل علما وأن الجيش المتعافي لم يطلب وصاية على الدولة بعد الفراغ من تركيز مؤسساتها -على حد علمي- لكنه في محاولة لتجنب الفراغ الدستوري حافظ على الشكليات مع رعاية المرحلة بنفسه.
سأسلم جدلا للمشككين في الجيش وأسألهم: لو فرضنا قيادات الجيش تـخاتل وما يزال فيها للعصابة سلطان ألا يكون أيسر على الحراك تحرير الجيش منهم بمساعدة هؤلاء الصامدين فيه قبل أن يسترد المافياويين المبادرة؟ هل تريدون مواصلة انهاك محاولي إصلاحه بما قد يطرأ على الحراك من اختراقات فيضطر الجيش إلى ما يقتضيه حفظ وحدة البلاد لأنها مقدمة على كل شيء آخر؟
ثم هب أن الجيش فيه فسدة وطامعين في السيطرة على الحكم لمواصلة النظام القديم هل النخب التي تزايد أقل أو أكثر عددا من الصالحين في قيادات الجيش؟ طبعا أكثر وطبعا معهم الكثير من السند الفرنسي والعربي المعادي للثورة والصهيوني والصفوي. فهل الحراك أقدر على علاج الأولى أم الثانية؟ أين العقل والحكمة؟
إن أصحاب المصلحة في بقاء الحال على ما كانت عليه يعدون بالملايين في الشعب نفسه وخاصة في الإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكل من له مصلحة في نهب ثروات الجزائر في حين أن من هم من جنسهم في قيادات الجيش مهما كبر عددهم فهم لا يتجاوزن المئات. فما الأيسر على الحراك مساعدة مصلحي الجيش أم ضرب القيادات التي تحاول استكمال تطهيره؟ أليس هذا لصالح أولئك؟
والسؤال الأهم وبه أختم: هل الحراك له قيادات راشدة تعلم أن الثورات إذا لم تكن متدرجة لا يمكن أن تبقى سلمية فتتعفن وتصبح فوضى. فإذا واصل المزايدون فإنهم قد يوصلوا البلد إلى تخويف كل الطبقات في المجتمع وجعل الغالبة تصل إلى مرحلة تفضيل الأمن على الحرية. فاحذروا وأعلموا أن التردد يؤدي لعودة المانفال.
(المصدر: موقع تدوينات)