مقالاتمقالات مختارة

وسائل استمرار السيطرة ج(6) خرافة السمو.. تبرير ميتا-تاريخي

بقلم محمد أمزيل

تقديم للجزء

جلنا تقريبًا شاهد إنمي المحقق كونان، وليس هناك من الذين شاهدوا حلقات هذا الإنمي، لم يُشاهد تلك الحلقات التي تتحدث عن أسطورة أو خرافة معينة يُحاول القاتل استغلالها لجعل الناس يعتقدون أن الجريمة لها علاقة مباشرة بهذه الأسطورة أو الخرافة، ليبتعدوا بانتباههم عن الخيوط التي تقودهم إليه، ولكن المحقق كونان، بحسه النقدي وذكائه المشع لا يدع الأساطير أو الخرافات تتحكم بعقله، بل يطرح الأسئلة، إلى أن يصل بملاحظاته الدقيقة إلى المجرم الحقيقي، ويحل اللغز بتفاصيله الشيقة.

هذا بالضبط، ما يستغله الطاغوت، ليُبعد انتباه الناس عن طرح الأسئلة، التي يمكن أن تقودهم إلى الحقيقة، التي تُخبرهم بأن الطاغوت، هو شخص قد استحوذ على الحكم لنفسه، دون مشاركة باقي الشعب معه في هذا الحكم. ومن أهم الخرافات التي يستغلها هذا الطاغوت؛ خرافة السمو.

كيف تساهم خرافة السمو في استمرار سيطرة الطاغوت؟

إن قوة الخرافة، تعمل على كبح الروح النقدية في الناس، تجعلهم يُسلمون بالأمر الواقع، لأنه يتجاوز قدراتهم الإنسانية، فلا يرغبون أن يتحدوا شيئًا ساميًا تحميه قوى روحية خارجية – حسب اعتقادهم – وهكذا يضعون أمر حكم الطاغوت
كقدر سامٍ.

إنه لا يُشبهنا في التكوين الروحي

إن نشر هذه الخرافة بين الناس، وتكرارها بينهم، إلى أن يؤمنوا بها، تجعلهم يعتقدون بأن الطاغوت، ليس مجرد شخص عادي، يُشبههم في التكوين الروحي، وإن كان يُشبههم في التكوين الجسدي، وإنما هو شخص يتجاوزه القانون الطبيعي، إلى درجة أن البعض لا يستطيعون أن يتصوروا ولو سخرية بأن الطاغوت أيضًا يدخل إلى المرحاض، بل هناك من لا يتصور  إمكانية موت الطاغوت.

الطاغوت أعلى الهرم الروحي

إن خرافة السمو، تضع الطاغوت في أعلى الهرم، ليس الهرم الاجتماعي والاقتصادي، وإنما الهرم الروحي، فيُصبح كيانًا لا يجب انتقاده، وإنما التسليم بأفعالها على أنها ضرورة لابد منها، حتى وإن كانت ظالمة. فهي أفعال ظالمة بالمعيار الإنساني العادي، أما بالمعيار السامي فهي أفعال عادلة. هكذا يُقسّْم الفرد الذي يؤمن بخرافة السمو، معايير الحكم، حيث يضع المعيار الإنساني في المقام العادي الذي يتعامل به العامة، وبين المعيار السامي، الذي يتعامل به الطاغوت.

إن الهرم الروحي الذي صنعته خرافة السمو في عقول الناس يوجد الله في قمته، والطاغوت أسفل الله مباشرة، وبعده خدامه (أي خدام الطاغوت)، وأسفله أشياءه، وفي الأخير يأتي المواطنون المطيعون، أما من يخرج عن طاعته، فهو في الحقيقة يخرج من الهرم، ويُصبح منبوذًا من العامة، تُلاحقه اللعنات من كل الجهات، وفي كل الأماكن، التي تُشرق عليها الشمس.

تبرير ميتا-تاريخي

إن خرافة السمو هو تبرير ميتا-تاريخي لقداسة الطاغوت، تجعل الناس يعتقدون بأنه الشخص الذي أخذ قبسًا من الله، ليُنير به مجتمعًا كاملًا، فتصبح كل الخيرات بسبب وجوده، وكل الشرور هي نتيجة لعدم طاعته.

وأكثر من هذا، تجعل خرافة السمو، والطاغوت مركزًا للاهتمام، حيث تُصبح خدمته من الأولوية للحصول على بعض من رضاه، الذي يعني شهادة على العبد الصالح.

هذا بالنسبة للرؤية المتطرفة لبعض معتنقي خرافة السمو، أما المعتدلون منهم، فيرون في الطاغوت، الأب الأعلى (كالأخ الأكبر باللغة الأورويلية)، فتُصبح إطاعة الأب الأعلى أسمى من إطاعة الأب، وإن كان المجتمع يحترم الأب، فإن الأب الأعلى يجب أن يُقدس. لأنه الأولى بالطاعة.

الطاغوت نعمة من الله

تذهب خرافة السمو إلى الحد الذي يعتقد بسببها المواطن أن الطاغوت هو نعمة من الله يجب شكره عليها، وأي انتقاد لهذا الطاغوت يعني انتقاد لقرار الله، الذي بسببه أرسل هذه النعمة للناس. وهكذا يُصبح الخروج عن طاعة الطاغوت، هو في الحقيقة انتقاد للنعمة؛ وانتقاد النعمة، يعني طلب للسخط، وهذا ما لا يرغب فيه الناس.

خاتمة

لا تقف خرافة السمو عند هذا الحد، وإنما ترعى في عقول الناس بكل الطرق، وتزرع تصورات، قد تتناقض مع معتقدات الشخص الدينية ومصالحه الدنيوية، ومع ذلك تعيش دون أن يلاحظ الفرد هذا التناقض؛ لأنها (أي الخرافة) تفرض نفسها بالقوة، إما بعامل الخوف، أو بعامل الوعي المُغيب.

إن خرافة السمو تلعب دورًا معنويًا في نفسية المواطن البسيط إلى درجة أنه يُصبح متحمسًا لهذه الخرافة؛ فيدافع عنها بكل ما أوتي من قوة؛ لأنها الأساس المتين لبنيانه النظري الذي يفهم من خلاله الواقع السياسي والاجتماعي. وهكذا تُصبح لهذه الخرافة قوة تبريرية للوضع القائم. لا يمكنك مبدئيًا تجاوزه.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى