بقلم صالح الشناط
وسائل التواصل الاجتماعي هي نعمة وباب للأجور، وفائدة عظيمة إن أحسن المرء استغلالَها وتوظيفها في مكانها، وضبَط أوقات استخدامها، غير أنه وفي هذا الزمان أصبح استخدامها أكثر مما ينبغي – ولو كان في الحلال – فصار كثير من الناس من نمط “الشخصية الإدمانية” مع وسائل التواصل الاجتماعي، والواتساب خصوصًا.
نستغرب كيف كان بعض السلف يقرأ عشرة أجزاء من القرآن الكريم كل يوم، ويختمه كلَّ ثلاث! ثم نجيب أنفسنا بأنها البرَكة في أوقاتهم، ولكن أليس الوقت هو نفسه؟ أليست الساعة ستين ثانية، أم أنها تغيَّرت؟!
البرَكة لا شك جندٌ من جنود الله يرسلها لمن شاء، ولكن السلف حين عشقوا القرآن وختموه في ثلاث ليالٍ، أخذوا بالأسباب، وكادت أيديهم أن تلتصق بالمصاحف، تمامًا كما تلتصق أيدينا بالجوالات اليوم، وندمن النظر في الواتساب دون كللٍ أو ملل، لا تمرُّ عشر دقائق إلا وننظر فيه! ودون أن نشعر نقضي ساعات وساعات.
أليس في هذا إعطاء للوسيلة أكثر من حجمها؟ بل ويتبين لك ذلك جليًّا حين ترى أنها اقتحمت دوائر غيرها، فما زاد شيء عن حده إلا ونقص شيء في مكان آخر.
يمرض فلان، فنعوده عبر الواتساب: طهور لا بأس عليك إن شاء الله!
يتزوج الصديق، فنهنِّئه عبر الواتساب: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير!
يُتوفَّى من نعرف، فنعزي أقاربه: عظم الله أجركم!
يطول غيابنا عن أرحامنا، فنصلهم عبر الواتساب!
فاقتصرت صلة الأرحام، وعيادة المريض، والزيارة في الله، والتعزية في الوفاة على الواتساب.
ولا تعتقد أن هذا الكلام فيه مبالغة؛ فسَلْ نفسك وأسأل نفسي: متى آخر مرة زرنا فيها مريضًا، أو زرنا أخًا لنا في الله زيارة خالصة لله، أو زرنا عمَّتنا أو خالتنا أو حتى أختنا؟
ربما ستكون إجابة الغالبية: في عيد الفطر الفائت!
أدمنا الواتساب حتى صار مَن عنده رقم نهنِّئه ونعزيه ونبارك له… إلخ، أما من لا يمتلك “واتساب”، فلا نتصل به في الغالب؛ أي: إن الواتساب فرض علينا ما يريد، وألزَمَنا بأنه من عنده واتساب، فهو حبيبنا، ومن لا عنده، فالله أعلم بحاله!
تأمل هذه الأجور التي حرَمَنا إياها الواتساب:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: بأن طِبْتَ وطاب ممشاك، وتبوَّأت من الجنة منزلًا)).
وفي حديث آخر يُبيِّن فضل الزيارة في الله: ((أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريدُ؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة ترُبُّها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسولُ الله إليك بأن الله قد أحبَّك كما أحببته فيه)).
فالدردشة لا تغني عن المجالسةِ، والرسالة لا تغني عن الزيارة، وقلوب الحب لا تغني عن الحب، وورودُ الواتساب ليس لها رائحة؛ فاجلس إلى الصالحين ((مثلُ الجليس الصالح كحاملِ المسك))، واقصد إليهم واستفِدْ منهم ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ ﴾ [الكهف: 66]، واصبر نفسك معهم ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ [الكهف: 28]، ولا تعطِ الواتساب أكثر من حجمه، ولا تعتقدَنَّ أنه يغني عن زيارة المريض، وصلة الأرحام، والزيارة في الله، وزيارات الأفراح والأتراح.
المصدر: شبكة الألوكة.