كتب وبحوث

ورقة بحثية بعنوان جلال الصناعة الفقهية

إعداد محمد بن سالم آل رميح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فقد وضع ابن الجوزي الهناء مواضع النقب، حين قال: “للفقيه أن يطالع من كل فن فنا، من تاريخ وحديث ولغة وغير ذلك، فإن الفقه يحتاج إلى جميع العلوم”. (صيد الخاطر ٤٥١)

ولم يكن كلامه لغوا حين قال في تحصيل العلم وطلبه: “الموفق من طلب المهم، فإن العمر يعجز عن تحصيل الكل، وجمهور العلوم الفقه”. (صيد الخاطر ٣٨٥)

وذلك أن الصنعة الفقهية داعية إلى توظيف كثير من الآلات، واستعمال عديد من الأدوات، يسلطها الفقيه عند نظره وبحثه ودرسه ليخرج بمعرفة مراد الله ومراد رسوله  .

ولهذا قيل: “العلوم أبازير الفقه، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه، لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وإلى معرفة الجد والهزل، والخلاف والضد، والنفع والضر، وأمور الناس الجارية بينهم، والعادات المعروفة منهم” (الفقيه والمتفقه ٢ / ١٥٨)

وربما أنك قد تعجبت حين مرّ معك ما قاله ابن وهب: “لولا أنّ الله أنقذني بمالك والليث لضللت!”.

(الانتقاء لابن عبد البر ٢٨)

وهل تدري من ابن وهب؟

هذا الذي كان يقال عنه ديوان العلم !

لأنه كما قال ابن القاسم “ما دون العلم أحد تدوينه “

وقال أحمد بن صالح المصري: “حدّث ابن وهب بمائة ألف حديث”.

ولذا روى عنه شيوخه، بل روى عنه جلة من شيوخه كالليث بن سعد .

(سير أعلام النبلاء ٩ / ٢٢٤ – ٢٢٦)

ولكن معرفة وجوه التئام النصوص، والجمع بينها، واستنباط الأحكام لا يتوفر لكل أحد، وربما كان النظر المجرد عن آلته عاطلا عن تحصيل المطلوب، وعسى أن يقول بعض السلف قولا يخشن في السمع وقعه، لولا أن قائله من فقهاء أهل الحديث، فقد قال ابن عيينة: “الحديث مضلة إلا للفقهاء”. (الجامع لابن أبي زيد ١١٨).

فلا يغرب عليك قوله هذا، فإنه قد رأى مصارع المتعثرين، وعلم كيف ضل من ضل حين طرق بابا ليس بابه .

ولا تتعجب أن ترى قلة أهل الفقه في العلماء فضلا عن غيرهم، فقد قال أحمد في عبد الرزاق الصنعاني عندما سئل: كان له فقه؟

فقال أحمد: “ما أقل الفقه في أهل الحديث!”. (المقصد الأرشد ٢ / ١١٠٣).

مع أن عبد الرزاق صنف كتابه الكبير في فقه السلف (المصنف)، وليس يخلي المسائل من بيان اختياره، يعقب به في مواضع كثيرة، بما يعلو على كثير ممن ينتسب إلى الفقه .

ولكن من ظن أن كل من حمل النصوص وحفظها فقد عرف من فقهها وفهم من مرادها ما يبلغ مرتبة الفقهاء، فقد جافى المحزّ .

والواجب أن لا يأنف من ربض به فهمه عن رتب فقه الشريعة عن الإقرار بذلك، فإن هذا أبرد له من أن يحرق نفسه بالقول في دين الله بلا آلة، وقد كان صالحو المحدثين يذكرون ذلك عن أنفسهم لا يأنفون، فعن ابن شوذب عن مطر الوراق: أنّه سأله رجل عن حديث فحدثه فسأله عن تفسيره.

فقال: لا أدري إنمّا أنا زاملة !

فقال له الرجل: جزاك الله من زاملة خيرا، فإن عليك من كل حلو وحامض .

(ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ٢ / ١٠٢٠).

وهذا الأمر كان مشهورا عند المتقدمين يعرفه المحدثون والفقهاء من أنفسهم، حتى كان الأعمش يقول: يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة “. (نصيحة أهل الحديث للخطيب ٤٥).

وقال الطحاوي لمحمد بن زبر -محدث دمشق- وقد تصفح بعض تصانيفه وأعجبته، فقال له: “يا أبا سليمان، أنتم الصيادلة ونحن الأطباء”. (تاريخ الإسلام للذهبي ٢٦ / ٦٥٠).

ومثل هذا حمل أمثال مالك أن يوصي ابني أخته بكر وإسماعيل بن أبي أويس قال: “أراكما تحبان هذا الشأن -أي الحديث- وتطلبانه

قالا: نعم

قال إن أحببتما أن تنتفعا به وينفع الله بكما فأقلّا من الحديث وتفقها”. (نصيحة أهل الحديث ٣٧).

وإن أقرب ما تجده أن الفقه في الشرع عاصم يعصم المؤمن من الخبط في الفهم، ومن لطيف ذلك الحكاية المشهورة التي ذكرها الخطابي عن بعض شيوخه، وكان يظن أن حديث ﷺ “نهى عن الحلق يوم الجمعة” (بسكون اللام)

أي الحِلاق

قال: فبقي أربعين سنة لا يحلق يوم الجمعة !

قال الخطابي: وإنما هو الحِلَق جمع حلقة .

(إصلاح غلط المحدثين ٢٨).

وأنا ضارب لك مثلا فقهيا من مشهور مسائل الخلاف القديم، عسى أن يظهر فيه ما أردت بيانه من جلال علم الفقه وفضله، وعظم الصنعة فيه، و سنرى فيه بعض ما يحتاجه الفقيه من الأدوات عند نظره في المسائل الشرعية، ونرى افتقاره لكثير من آلات النظر وأدواته فإن الفقيه محتاج :

١ – إلى النظر في الأدلة والنصوص

٢ – ثم البحث في الخلاف والإجماع

٣ – ومعرفة الحديث وعلله وإجماعات نقاده وخلافهم

٤ – وإعمال القواعد الأصولية

٥ – والقواعد الفقهية

٦ – ومعرفة الفروق الفقهية

٧ – والرجوع للناسخ والمنسوخ

٨ – والتثبت من النقول والتحقق من انتفاء الوهم

٩ – والمقارنة بين كلام أهل العلم لمعرفة صحة مآخذ المختلفين أو ضدها

١٠ – ثم الموازنة بين التعليلات والاعتراضات والتعقبات، وغير ذلك من أدوات النظر .

وأما المسائل المعاصرة، مما لم نبلوا فيها كلام السالفين؛ فهناك تجد طابع الفقه على أصحابه لا يخفى عليك، وثَمّ تشمر الثياب وتستنطق النصوص ويظهر الفرق بين زوامل النصوص وفقهائه .

 

مسألة: (نقض الوضوء بأكل لحم الجزور)

       اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :

١ – ليس فيه وضوء .

وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية .

(تبيين الحقائق ١ / ٣، شرح التلقين ١ / ١٩٩، عيون الأدلة ٢ / ٦٧٣، المجموع ٢ / ٥٦، مغني المحتاج ١ / ١٤٠).

       واستدل أصحاب هذا القول :

بحديث جابر: ” كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار”. (رواه أبو داود ١٩٢، والنسائي ١٨٥ من حديث ابن المنكدر عن جابر)

       وقالوا: هو ناسخ لأحاديث الوضوء من لحم الجزور .(اللباب ١ / ١٢٤، المجموع ٢ / ٥٩)

        ويدل على رجحانه أنه قول الخلفاء الراشدين .(المنهاج شرح مسلم ٤ / ٤٨).

       وقالوا: إن مس الدم والنجاسات لا يوجب وضوءا فالطاهر أولى .(شرح التلقين ١ / ١٩٩).

       بل إن أكل المحرمات لا يوجب الوضوء فالطاهر المباح أولى .(عيون الأدلة ٢ / ٦٣٨، المجموع للنووي ٢ / ٥٦).

       ولأن الذي ينقض ما يخرج من الجوف لا ما يصل إليه .(عيون الأدلة لابن القصّار المالكي ٢ / ٦٣٧).

       ولأن القائل به لا يعديه إلى الشحم والكبد ولا فرق .(مغني المحتاج ١ / ١٤٠).

       وحملوا الوضوء في الحديث الذي استدل به أصحاب القول الثاني على غسل اليدين .(اللباب ١ / ١٢٤، شرح التلقين ١ / ١٩٨ ، عيون الأدلة ٢ / ٦٣٨).

       وقالوا: لأن لحم الجزور له زفر وسهوكة ليست للغنم .(اللباب لجمال الدين ابن مسعود المنبجي ١ / ١٢٤، شرح التلقين ١ / ١٩٩، الحاوي ١ / ٢٠٦، المجموع ٢ / ٥٦).

ولهذا حمله بعضهم على السنية .(شرح التلقين ١ / ١٩٩، عيون الأدلة ٢ / ٦٣٧، الحاوي ١ / ٢٠٥، والقول بالسنية ذهب إليه بعض الفقهاء، وعللوا القول بالسنية بالخروج من الخلاف، تبيين الحقائق ١ / ٣).

       القول الثاني :النقض بلحوم الإبل ووجوب الوضوء منه .

وهو قول جابر بن سمرة، وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن خزيمة وابن المنذر وابن تيمية وابن القيم .

(المجموع ٢ / ٥٦، المغني  ١ / ١٣٨، شرح العمدة ١ / ٣٣٢، إعلام الموقعين ١ / ٢٩٨).

وهو القديم للشافعي واختاره بعض أصحابه كالنووي في المجموع .(المجموع ٢ / ٥٦، خلافا لما قرر في شرح مسلم ٤ / ٤٨).

       وقال الخطابي: “ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث”. (معالم السنن ١ / ٦٧).

 

واستدل أصحاب هذا القول :

       بحديث ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﺳﻤﺮﺓ ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﺳﺄﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ : ﺃﺃﺗﻮﺿﺄ ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻡ الغنم؟ ﻗﺎﻝ: “ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﺘﻮﺿﺄ، ﻭﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﻓﻼ ﺗﻮﺿﺄ 

ﻗﺎﻝ ﺃﺗﻮﺿﺄ ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻡ الإﺑﻞ؟

ﻗﺎﻝ: “ﻧﻌﻢ ﻓﺘﻮﺿﺄ ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻡ الإبل “(رواه مسلم ٣٦٠)

وبحديث البراء بن عازب  ﻗﺎﻝ: “ﺳﺌﻞ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻋﻦ اﻟﻮﺿﻮء ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻡ الإبل

ﻓﻘﺎﻝ: “ﺗﻮﺿﺌﻮا ﻣﻨﻬﺎ 

ﻭﺳﺌﻞ ﻋﻦ ﻟﺤﻮﻡ الغنم

ﻓﻘﺎﻝ: “ﻻ ﺗﻮضؤوا ﻣﻨﻬﺎ (رواه أبو داود ١٨٤).

       وقالوا راوي الحديث جابر بن سمرة كان يقول بمقتضاه، وهو أدرى بما روى .(شرح العمدة لابن تيمية ١ / ٣٣٢).

       وهو أصح من حديث جابر: ” كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار”. (المغني ١ / ١٣٨).

فإن حديث جابر مختصر من حديث طويل ذكر ذلك أبو داود وابن حبان ، وأن السياق عن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ قال: “ﺫﻫﺐ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺇﻟﻰ اﻣﺮﺃﺓ ﻣﻦ اﻷﻧﺼﺎﺭ ﻭﻣﻌﻪ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ، ﻓﻘﺮﺑﺖ ﻟﻪ ﺷﺎﺓ ﻣﺼﻠﻴﺔ، ﻓﺄﻛﻞ ﻭﺃﻛﻠﻨﺎ، ﺛﻢ ﺣﺎﻧﺖ اﻟﻈﻬﺮ ﻓﺘﻮﺿﺄ، ﺛﻢ ﺻﻠﻰ ﺛﻢ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻓﻀﻞ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﻓﺄﻛﻞ، ﺛﻢ ﺣﺎﻧﺖ اﻟﻌﺼﺮ ﻓﺼﻠﻰ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻮﺿﺄ”. (سنن أبي داود ١٩٢ ، صحيح ابن حبان ٣ / ٤٣١).

وقال أبو حاتم: “ﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ ﻣﻀﻄﺮﺏ اﻟﻤﺘﻦ؛ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ: ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺃﻛﻞ ﻛﺘﻔﺎ ولم يتوضأ “(علل ابن أبي حاتم ١ / ٦٤٥).

وقد ﻧﻘﻞ اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﺨﻴﺺ: “ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻲ ﺳﻨﻦ ﺣﺮﻣﻠﺔ: ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻊ اﺑﻦ اﻟﻤﻨﻜﺪﺭ ﻫﺬا اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﺟﺎﺑﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﺳﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ”. (تلخيص الحبير ١ / ٢٠٥).

       وأما حديث النقض به، فقد قال إمام الأئمة ابن خزيمة: “لم نر خلافا بين علماء الحديث في صحة هذا الحديث”. (صحيح ابن خزيمة ١ / ٢١).

       على أن حديث ترك الوضوء مما مست النار -لو صح- فليس له مدخل هنا، بل هو مناط آخر على حياله، ولذا ينقض الوضوء من لحم الإبل مطبوخه ونيئه، فمسيس النار للطعام لحما أو غيره مناط مختلف عن المناط الذي في هذه المسألة .(شرح عمدة الفقه ١ / ٣٣١).

       ولهذا وهم من نسب للخلفاء الراشدين القول بعدم النقض بلحم الجزور، فإنه ظن اتحاد المسألتين، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻮﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻧﻘﻞ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺘﻮﺿؤوﻥ ﻣﻤﺎ ﻣﺴﺖ اﻟﻨﺎﺭ، فرحّل قولهم هنا إلى هذه المسألة .(مجموع الفتاوى ٢١ / ١٣).

       ومن قال بالنسخ فقوله ضعيف، فإن الأحاديث في الباب غير متقابلة حتى يظن معارضتها، ثم إن ترك الوضوء مما مست النار عامة وأحاديث الوضوء من لحم الإبل خاصة فيقدم الخاص على العام .(المجموع ٢ / ٦٠، المغني ١ / ١٣٩).

       وقالوا: ليس مع المخالفين إلا استصحاب حال، وقياس طردي يحسن اتباعهما عند عدم الدلالة بالكلية . (شرح العمدة ١ / ٣٣٢).

       ولثبوت الفرق بين لحم الإبل وغيره : فإن الإبل من جنس الشيطان ونوعه، والإبل شياطين الأنعام، فلعل الإنسان إذا أكل ذلك أورثه نفارا وحالا شبيها بحال الشياطين، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء فأمر بالوضوء من لحومها، كسرا لتلك السورة وقمعا لتلك الحال، وقلب الإنسان وخلقه يتغير بالمطاعم التي يطعمها .(شرح العمدة لابن تيمية ١ / ٣٣٢).

       وقال النبي ﷺ عنها: “إنها من الشياطين“. (رواه أبو داود ١٨٤).

       وقد ذكر ابن القيم كلاما جليلا في الفرق بين لحم الجزور وغيرها في الرد على من زعم أن الوضوء من لحوم الإبل على خلاف القياس .

فقال: “الشارع فرق بين اللحمين والمكانين والراعيين رعاة الإبل ورعاة الغنم، فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم.. كما فرق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال :” الفخر والخيلاء في الفدادين أصحاب الإبل، والسكينة في أصحاب الغنم، وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطان، وجاء أنها خلقت من جن، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذي.. فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء .(إعلام الموقعين ١ / ٢٩٨).

       وأما حملهم الحديث على غسل اليدين فضعيف لأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي (المجموع ٢ / ٥٩، المغني ١ / ١٣٩؛ شرح العمدة ١ / ٣٣٢).

ولأنه فرق بينه وبين لحم الغنم ولو أراد غسل اليد لم يفرق فإن الغسل من الدسم مستحب مطلقا .(شرح العمدة ١ / ٣٣٢).

       وأما قولهم: الوضوء مما خرج لا مما دخل وما روي فيه عن الصحابة فقد قال البيهقي: “ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﺎﻻ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ اﻟﻮﺿﻮء ﻣﻤﺎ ﻣﺴﺖ اﻟﻨﺎﺭ “(سنن البيهقي الكبرى ١ / ٢٤٥).

       وأما حملهم له على الاستحباب فضعيف أيضا، لأنه خلاف البيان النبوي الذي وقع جوابا لمن سأل .(المغني ١ / ١٣٨).

ولأنه فرّق بينه وبين لحم الغنم، والنهي في لحم الغنم إنما أفاد نفي الوجوب. (شرح العمدة  ١ / ٣٣٣).

       وأما قولهم إنه لا يجب في أكل المحرم فهنا أولى فعنه جوابان :

١ – أن النقض من ذلك ليس متعلقه الحل والحرمة والطهارة والنجاسة، ولكنه التأثير الشيطاني الذي في لحومها

٢ – ولهذا وجب الوضوء في قول عند أحمد في أكل ما يشاركه في العلة من المحرمات كالسباع .

قال ابن تيمية: “ﻭﻓﻲ الوﺿﻮء ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻮﻡ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻋﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺭﻭاﻳﺘﺎﻥ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﻜﻢ ﻣﻤﺎ ﻋﻘﻞ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻓﻴﻌﺪﻱ ﺃﻭ ﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟

ﻭاﻟﺨﺒﺎﺋﺚ اﻟﺘﻲ ﺃﺑﻴﺤﺖ ﻟﻠﻀﺮﻭﺭﺓ ﻛﻠﺤﻮﻡ السباع ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ اﻟﺸﻴﻄﻨﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻮﻡ الإبل ﻓﺎلوضوء ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭﻟﻰ”. (مجموع الفتاوى ٢٠ / ٥٢١).

       وأما قولهم أن قائل ذلك لا يقول بالنقض في الشحم والكبد فلا يسلم له، بل القول بالنقض بها قول جماعة ممن يقول بالنقض بلحمه .(الفروع  ١ / ٢٣٤).

فظهر بهذا السياق شيء من إعمال عديد من الفنون في الترجيح والنظر الفقهي، بما لعله أن ينصب أمام قارئه تعظيم هذا العلم ورفعته، ويفتح له بابا يدعوه للاجتهاد فيه .

وفقني الله وإياك لمرضاته .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

(المصدر: موقع مداد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى