ورشة الفشل والخيانة
بقلم عبد الحميد عبدوس
اختتمت يوم الأربعاء الماضي( 26 جوان2019) ورشة المنامة التي احتضنتها عاصمة البحرين لمدة يومين بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومثلت هذه الورشة الشق الاقتصادي من خطة ” صفقة القرن” التي أوكلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر قيادتها وتسويقها للعالم إلى صهره جاريد كوشنر، والمبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات، وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان وهم يشكلون زمرة من غلاة اليهود والمستوطنين الصهاينة.
وكما كان متوقعا توجت أعمال هذه الورشة بالفشل والخيبة، حيث كتبت صحيفة (الغارديان) البريطانية: “هذه مسرحية غاب عنها نجومها ونصف الممثلين أيضا، فالدول العربية التي شاركت أرسلت ممثلين من الدرجة الثانية، بل إن الشخص الذي يقف وراءها، وهو صهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، تحدث عن ورشة عمل بدلا من مؤتمر، ورؤية وليس خطة”.
قبل انطلاق ورشة البحرين بشهر كامل أعلن الفلسطينيون في 23 ماي الماضي أنهم سيقاطعون ورشة البحرين وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس:” لن نحضر هذه الورشة”، وقال:” إن صفقة القرن يجب أن تذهب للجحيم”.
هذا هو الصواب، الجحيم أو مزبلة التاريخ هو المكان الجدير بخطة لم يتورع مهندسوها والداعون لها من المسؤولين الأمريكيين عن إعلان تحيزهم الصارخ والكامل للكيان الصهيوني. فقبل انعقاد الورشة قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، كما أمر بإغلاق البعثة الفلسطينية في واشنطن، ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإغلاق القنصلية الأمريكية بالقدس، والاعتراف بضم إسرائيل للجولان.
وأما جاريد كوشنر فقد شكك في قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم، وصرح بعد ذلك أن المبادرة العربية للسلام، التي اقترحها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية ببيروت قبل 17 عاما، “لم تعد أساسا للحل”. ومن جهته، عارض المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات استخدام مصطلح الدولتين لأن هذا المصطلح ينظر إليه كل طرف بطريقة مختلفة على حد قوله.
ومن جانبه قال السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان في 8 جوان الماضي في مقابلة مع جريدة (نيويورك تايمز) الأمريكية:” إن من حق إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية”، وجدد هذا القول المخالف لكل القوانين الدولية في حديثه مع إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم 26 جوان2019. خلال مشاركته في ورشة البحرين، وأكد أن:”هذا لا يخالف السياسة الأمريكية”.
وهكذا لم تبق إدارة الرئيس ترامب وفريقه اليهودي من واضعي صفقة القرن أي وهم للفلسطينيين وللعرب في إمكانية حدوث اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى حل عادل وسلمي ينهي حالة الصراع التاريخي في المنطقة . وتعمدت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة في العصر الحاضر السير على خطى المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى عندما كانت سيدة العالم إنشاء دولة يهودية على أراضي فلسطين، وإعطائها ما لا تملك إلى من لا يستحق!
ورغم توجيه الفلسطينيين الدعوة إلى الدول العربية إلى الامتناع عن المشاركة، وعارضوا أي دعاء من طرف الوفود العربية بتمثيلهم في ورشة المنامة أو الحديث باسمهم، كما أوضح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن سبب رفضه حضور ورشة المنامة هو ” أنه لا ينبغي مناقشة الوضع الاقتصادي قبل الوضع السياسي”، فقد استضافت مملكة البحرين هذه الورشة وشاركت فيها بوزير خارجيتها وبذلت كل الجهود لتوفير الراحة وفخامة الضيافة للمشاركين فيها وخصوصا لرجال الأعمال والإعلام الإسرائيليين الذين حضروا الورشة رغم الغياب الرسمي الإسرائيلي، وأعلنت البحرين في بيان مشترك مع الدولة الداعية للورشة الولايات المتحدة الأمريكية أن هدف الورشة هو “بحث سبل جذب استثمارات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ودول المنطقة، في حال التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي”.
كما شاركت المملكة العربية السعودي بوزير المالية، ومصر بنائب وزير المالية، والمملكة الأردنية بالأمين العام لوزارة المالية، كما شاركت في الورشة بوفود رسمية كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية، غير أن المفاجأة التعيسة جاءت هذه المرة من دولة قطر التي شاركت بوزير ماليتها رغم أن الإعلام القطري، وفي مقدمته قناة ( الجزيرة) الفضائية سلطت على مدى أيام وابلا من القصف الإعلامي على ورشة المنامة وعلى منظميها، وعلى تصريحات المسئولين البحرينيين المؤشرة على تصاعد مسعى التقارب بين البحرين وإسرائيل. ورغم أن أغلب الحاضرين في ورشة المنامة يمثلون الدول المحاصرة لقطر، إلا أن السلطات القطرية لم تخاطر ـ على ما يبدوـ بإغضاب إدارة ترامب برفض الدعوة لحضور الورشة، وهذا الموقف يختلف كثيرا عن موقف دولة الكويت التي رفضت حضور ورشة المنامة رغم تعليق الولايات المتحدة الكثير من الأهمية على مشاركة الكويت، وتميز موقف دولة لبنان التي تعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة حاول منظمو ورشة المنامة اغتنامها من خلال التلويح بعائدات مالية تصل إلى 6 ملايير دولار يستفيد منها لبنان من مبلغ الـ 50 مليار دولار المخصصة في مشروع صفقة القرن لإطلاق مشاريع التنمية في كل من فلسطين والأردن ولبنان ومصر، ولكن رئيس مجلس النوّاب اللبناني نبيه برّي، اعتبر ورشة البحرين:”بمثابة رشوة لدول المنطقة لكي تقبل بخطّة السلام الأمريكية”.
كما قاطعت أغلب الدول العربية ورشة المنامة منها الجزائر والعراق وتونس وموريتانيا والسودان وليبيا.. أما الجماهير العربية فقد عبرت عن موقفها الرافض لهذه الندوة بالمظاهرات والاحتجاجات والإضرابات في فلسطين والعراق والاردن ولبنان .
لأن الغرض الرئيسي لهذه الندوة المشينة هو توفير الغطاء لتعميق مسار الهرولة العربية والتطبيع مع إسرائيل، وهذا ما أكدته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية التي قالت ” إن ما جرى في المنامة أكبر لقاء تطبيع شوهد في السنوات الأخيرة بين ممثلين من دول عربية وإسرائيليين، وذلك برعاية مؤتمر السلام الاقتصادي الذي تنظمه إدارة ترامب، بهدف جمع خمسين مليار دولار للفلسطينيين، إذا تم دفع خطة السلام التي تنوي الولايات المتحدة عرضها بعد الانتخابات الإسرائيلية”.
جاريد كوشنر الذي تجاهل ما يعانيه الفلسطينيون تحت ظروف الحصار والاحتلال قال: ” مؤتمر البحرين يُظهر أن مشكلة الشرق الأوسط يمكن حلها اقتصادياً، ووضعنا الآن الإطار لتحسين حياة الشعب الفلسطيني”
وقد علق المفكر الفلسطيني عزمي بشارة ساخرا على مبادرة صهر الرئيس الأمريكي بالقول إن كوشنر:” جاء بفكرة عبقرية هي أن يمول العرب بأنفسهم ثمن تنازلهم عن فلسطين، وكأنهم يدفعون للسارق ثمن ما سرقه مقابل أن يحتفظ به”.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)