وحدة العمل الإسلامي.. الواقع والمعوقات
بقلم د. حاكم المطيري
هناك ولا شك عوائق كثيرة غير أن أبلغها أثرا وأشدها خطرا -في نظري- المشكلة السياسية التي تعيشها الحركة الإسلامية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها الدعوي، ومما يدل على خطورة هذه المشكلة أننا نشاهد انقسام الجماعة الواحدة وتشرذمها لا لخلافات فكرية عقائدية، وإنما لأهواء وآراء سياسية، وإن حاول بعضهم تبرير هذه الانقسامات والخلافات بأنها لأسباب عقائدية، وتتمثل هذه الأزمة السياسية في صور عديدة هي في بعض فصائل الحركة أوضح من بعضها الآخر ومن هذه الصور:
1- غياب الأهداف الرئيسية: فقد كان سبب قيام الحركات الإسلامية سببا سياسيا وهو سقوط الخلافة الإسلامية التي ترمز إلى وحدة الأمة السياسية، ثم ما ترتب على ذلك من دخول الاستعمار الغربي وتقسيمه العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة مستعمرة، وطمسه الهوية الإسلامية وذلك بمحاربة الشريعة واللغة العربية.
فقامت الحركات الإسلامية ونصب عينيها تحقيق الأهداف الرئيسية الثلاثة وهي:
(أ) عودة الخلافة الإسلامية التي هي من أوجب الواجبات الشرعية والتي تمثل الوحدة السياسية للأمة.
(ب) تحكيم الشريعة الإسلامية في واقع حياة المجتمع الإسلامي.
(جـ) إحياء روح الجهاد في سبيل الله لدفع الاستعمار وحماية الأمة.
وقد واجه الاستعمار هذه الأهداف بوسائل كثيرة وبواسطة بعض رجال الفكر والقلم استطاع التشكيك بأهمية بل وشرعية الخلافة، وأن الدولة القومية أو الوطنية هي الأقدر على التطور والنهوض بالعالم الإسلامي، وبلغ من أثر هذا التشكيك أن صارت بعض فصائل الحركة الإسلامية تستهجن فكرة عودة الخلافة وتستبعدها في الوقت الذي ينادي فيه رجال الفكر في العالم الغربي إلى وحدة أوروبا التي لا تملك من مقومات الوحدة ما يملكه العالم الإسلامي!
وكذلك واجه أعداء الإسلام في الخارج والداخل الهدف الرئيسي الثاني للحركة الإسلامية وهو عودة الشريعة وتحكيمها في حياة المسلمين واستطاعوا بما يملكون من وسائل إعلامية ضخمة التشكيك بصلاحية الشريعة الإسلامية وأهميتها حتى صار المسلمون لا يشعرون بأهمية هذا الهدف كما كانوا من قبل بل وظهر من الإسلاميين من يهون من شجن هذه القضية بل ويطعن فيمن يوليها مزيد اهتمام بدعوى أن هناك ما هو أهم منها، وهكذا صار الهدف الرئيسي الثاني هدفا ثانويا في الخطاب السياسي للحركة الإسلامية وكذلك لقي الهدف الثالث المصير ذاته بعد التشكيك في مفاهيم الجهاد وشيوع الروح الانهزامية والاستسلامية حتى عند بعض الإسلاميين، واستطاعت وسائل الإعلام الغربي وهي التي توجه الرأي العالمي أن تشوه صورة الجهاد وأن تربط بينه وبين الإرهاب، وصار جهاد الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه نوعا من الإرهاب!!
وهكذا أصبحت الأهداف الرئيسية التي قامت الحركة الإسلامية من أجل تحقيقها أهدافا ثانويا إن لم تكن غائبة عند بعض الجماعات!
2- كذلك من صور الأزمة السياسية الاختلاف الدائر بين الجماعات في الحكم على الأنظمة القائمة وكذا الاختلاف في كيفية التعامل معها وقد كان لهذا الاختلاف أثر كبير في زيادة الفجوة بين الحركات بل وتشرذم الحركة الواحدة لمجرد موقف سياسي من هذا النظام أو ذلك.
3- التأثر بالنزعة الوطنية فصارت بعض الجماعات تتأثر سلبا بالاختلافات الدائرة بين الدول الإسلامية وأصبحنا نرى في أحيان كثيرة كيف يقف بعض قادة العمل الإسلامي مع دولهم حمية وعصبية جاهلية؟!
4- الدخول في الصراع الدائر بين بعض الدول الإسلامية أو الصراع بين بعض الأنظمة وشعوبها وشيوع الأهواء السياسية في الوقوف مع أو ضد هذا النظام أو ذاك النظام يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الظاهرة :
(الأصل الثابت بكتاب الله وسنة رسوله وهو الفرق بين قتال من خرج عن الشريعة والسنة فهذا الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأما القتال لمن لم يخرج إلا عن طاعة أمام معين فلس في النصوص أمر بذلك.. فارتكب الأولون ـ وهم الفقهاء الذين يخلطون بين البغاة والخوارج ـ ثلاثة محاذير:
الأول : قتال من خرج عن طاعة ملك معين وإن كان قريبا منه أو مثله.
الثاني : التسوية بين قتال هؤلاء وبين المرتدين.
الثالث : التسوية بين قتال هؤلاء وقتال الخوارج.
ولهذا تجد تلك الطائفة يدخلون في كثير من أهواء الملوك وولاة الأمور ويأمرون بالقتال معهم لأعدائهم بناء على أنهم أهل العدل وأولئك البغاة وهم في ذلك بمنزلة المتعصبين لبعض أئمة العلم على نظرائهم مدعين أن الحق معهم أو أنهم أرجح بهوى فيه تأويل وتقصير) انتهى كلامه رحمه الله تعالى وفيه إشارة من شيخ الإسلام إلى أثر الأهواء السياسية على مواقف بعض الفقهاء.
5- استغلال بعض الأنظمة لبعض الجماعات وعقد الصفقات معها مقابل تحقيق مصالح خاصة للجماعة اعتقادا منها أن هذه مصلحة للإسلام والمسلمين مع أن هذه المصلحة الخاصة قد تكون ضررا على الإسلام والمسلمين وقد أدت مثل هذه الصفات في أحيان كثيرة إلى اتساع الهوة بين الجماعات الإسلامية بل وانقسام الجماعة الواحدة بين مؤيد ورافض.
6- عدم وضوح رؤية صحيحة لواقع العالم الإسلامي والدولي يمكن من خلالها اتخاذ المواقف الصحيحة ولا أدل على ذلك من وقوف بعض الجماعات الإسلامية مع صدام حسين في حربه مع إيران مما أدى إلى أتساع الهوة بين هذه الجماعات والحركة الإسلامية في العراق التي بطش بها صدام وحزبه خاصة المجازر التي أرتكبها في حق الأكراد دون أن تستفيد هذه الجماعات أي مصلحة شرعية من هذا التأييد إذ لم يكن العراق في حاجة إلى مثل هذا الموقف لأنه أصلا مدعوم دوليا وعربيا ومثل هذا أيضا تأييد بعض الجماعات له في حربه مع دول الخليج العربي واستغلاله لها لتحقيق بعض الدعاية الإعلامية.
7- عجز بعض الجماعات عن تطوير هياكلها التنظيمية وعجزها عن اشتراك القاعدة في اتخاذ القرار وإشاعة روح الشورى الإسلامية مما افقدها قدرتها على مواكبة تطور الحياة وكذا افقدها مصداقيتها في الدعوة إلى الحرية والشورى والمساواة مما أدى إلى ترك كثير من الكوادر الحركية النشطة لهذه الحركات العاجزة عن استيعاب هذه الكوادر أو تلبية طموحاتها في إقامة المجتمع القدوة.
8- عدم وجود مجلس أعلى أو رابطة للحركات الإسلامية تعمل بواسطته على تقريب وجهات النظر وتحديد الأهداف وإزالة الخلافات الواقعة بين الجماعات والسعي لحلها أو تخفيف حدتها للحفاظ على الحد الأدنى من الوحدة الإسلامية.
هذه بعض صور الأزمة السياسية التي تعيشها الحركة الإسلامية والتي تعيق وحدتها وتحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث.
والله تعالى أعلم.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)