وجوب اللعنة على من تجرأ على السنة (3-5)
بقلم محمد عبد الرحمن صادق
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}.
سبق أن ذكرنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن بعض الأدلة النقلية التي تؤكد على حجية السنة، كما قمنا بتعريف السنة وأقسامها وبعض الآيات التي تدل على حجيتها.
وفي الجزء الثاني ذكرنا بعض الآيات والأحاديث التي تؤكد حجية السنة، كما تحدثنا عن مدى اتباعِ الصحابة رضي الله عنهم للنبيِّ ﷺ.
سادساً: بعض أقوال التابعين في حجية السنَّة النبويَّة المطهَّرة:
• لقد سار التابعون وتابعوهم على نهجِ النبي ﷺ والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فلم يُبدِّلوا ولم يَحيدوا عن النهج قِيدَ أنملة، ولا أقل من ذلك، وتركوا لنا مِن الأقوال ما يُبيِّن الحجية، وصدق الطاعة، ودقة الاتباع والاقتداء.
1- قال الإمام ابن حزم رحمه الله: “في أي قُرْآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها، والسلام، وبيان ما يُجتَنَب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغَنَم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجِمار، وصفة الإحرام وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرَّضاع المحرِّم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس (الأوقاف) والعمرى (هبة توهب للمرء ينتفع بها طوال عمره)، والصدقات وسائر أنواع الفقه؟ وإنما في القُرْآن جُمَل لو تركنا وإياها لم نَدْرِ كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك: النقلُ عن النبي ﷺ ، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائلَ يسيرة… فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القُرْآن، لكان كافرًا بإجماع الأمة”.
2- قال الإمام ابن حزم عند قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 59] “الأمةُ مجمِعة على أن هذا الخطابَ متوجِّه إلينا وإلى كل مَن يُخلَق ويُركَّب رُوحُه في جسده إلى يوم القيامة من الجِنَّة والناس، كتوجُّهه إلى مَن كان على عهد رسول الله ﷺ ، وكل مَن أتى بعده عليه السلام ولا فرقَ”.
3- قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: “إياكم والقولَ في دِين الله تعالى بالرأي، وعليكم باتباع السنَّة؛ فمَن خرج عنها ضلَّ”.
4- قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وليعلَمْ أنه ليس أحدٌ مِن الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًّا يتعمَّدُ مخالفة رسول الله ﷺ في شيء مِن سنَّته، دقيقٍ ولا جليل؛ فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أن كلَّ أحد مِن الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسولَ الله”.
5- يقول ابن العربي رحمه الله: “حرمةُ النبي ﷺ ميتًا كحرمته حيًّا، وكلامه المأثورُ بعد موته في الرِّفعة مثلُ كلامه المسموع من لفظه، فإذا قُرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفَعَ صوته عليه، ولا يُعرِض عنه، كما كان يلزَمُه ذلك في مجلسه عند تلفُّظِه به”.
سابعاً: موقف السلف الصالح مِمَّن عارض السُّـنة
• عن سالم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها”، فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهنّ. فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبِرك عن رسول الله ﷺ وتقول: والله لنمنعهن؟!.
قال النووي: فيه تعزير المعترض على السُّنة والمعارض لها برأيه.
• جاء في كتاب “مدارج السالكين” : وقال أبو الحسين الطبسي: سمعت أبا سعيد الأصطخري يقول: …وجاءه رجل وقال له: أيجوز الاستنجاء بالعظم؟ قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ رسول الله ﷺ قال: «هو زاد إخوانكم من الجن».. فقال له: الإنس أفضل أم الجن؟
قال: بل الإنس. قال: فلِمَ يجوز الاستنجاء بالماء وهو زاد الإنس؟
قال: فنـزا عليه وأخذ بحلقه وهو يقول: يا زنديق، تُعارض رسول الله ﷺ ؟ وجعل يخنقه، فلولا أني أدركته لقتله، أو كما قال.
• نختم هنا بما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله حيث قال : “هل كان في الصحابة من إذا سمع نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟ وهل كان قط أحدٌ منهم يقدم على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟. فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم.
(المصدر: موقع بصائر)