واجب العلماء في الثبات على منهج الأنبياء ومواصلة الإصلاح والبناء
بقلم محمد مكركب
يوم الخامس ماي من كل عام يذكرنا بمحطة جليلة وجميلة من تاريخنا الحافل بالأمجاد، في جزائر العلم والمقاومة والجهاد، بل وفي كل مغربنا العربي الإسلامي. يوم الخامس ماي يذكرنا بتاريخ بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إنه تاريخ جمعية العلماء الزاهر، إنه تاريخ الدعوة الإسلامية في الجزائر، بالمنهج المؤصل للمستقبل العامر. وواجب علماء الجزائر اليوم أن يواصلوا وحدتهم وتعاونهم على منهج دعوة الأنبياء، لمواصلة الإصلاح والبناء، كما فعل ويفعل أئمة جمعية العلماء، وهل يرتقي من يريد أن يرتقي بغير قواعد الترقي؟
أيها العلماء، أيها الأئمة، والأساتذة، والشيوخ، والدعاة، أيها الشباب، أيها الجمعيات العلمية والثقافية والخيرية والاجتماعية، لقد ثبت بالوحي والتاريخ والواقع الدعوي، والتجارب السياسية، أن الأمة لا تتقدم، وأن الدولة لا تثبت بكمال سيادتها، وأن العمران لا يزدهر، وأن المدنية لا تتطور، إلا بالاتحاد والتكامل بين العلماء من أبناء الأمة علماء كل الاختصاصات، في عمل مؤسس، وفي مجمع متماسك متضامن، يقيم وحدته واتحاده على النية والإخلاص واجتماع الطاقات والقدرات والتنسيق بين الأفكار والتخصصات، في تطاوع إيماني، وتجاوب إنساني، وهذا الذي سارت عليه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، بالنخبة السائرة نحو المستقبل، ولسان حال علمائها، يردد قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [الممتحنة: 4]، ورسمت شعارها المتضمن المبادئ الثلاثة: المبدأ الديني الإنتمائي الذي لا يتبدل، وهو: (الإسلام ديننا) والمفتاح الحضاري، والأساس الثقافي الذي لا يتحول وهو: (العربية لغتنا) والموطن الحر الأمين، الذي هو ديارنا الحالية في الدنيا، وهو: (الجزائر وطننا). وسار كل جزائري حُرٍّ نزيه ووطني أصيل مع هذا الفكر المستنير بنور الوحي. ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى:52].
ها هو كل عاقل يشاهد على مسرح الواقع العالمي ذلك الامتحان الرهيب الذي تمر به الشعوب الإسلامية، والاضطراب المخيف، والزلزال العنيف الذي تتعرض له المنطقة العربية بالخصوص، والكواسر الكبيرة أعدت مخالبها، وشحذت أنيابها، وتهيأت للانقضاض على خريطة الاحتلال. وكثير من العلماء المسلمين في حروب كلامية بينهم هذا يرد على هذا، وهذا يُبَدِّع هذا، في مشهد لا يليق بالعلماء، وكأنهم ما قرؤوا القرآن الكريم، ولا ذاقوا حلاوة الإيمان. فإذا قلت لبعضهم تعالوا نُحَكِّمُ الآيات القرآنية، والسنة النبوية، ونمضي إلى المستقبل باتباع رضوان الله سبحانه متوكلين عليه، في موكب الجمعية العلمائية. قالوا: دعونا نصفي الحسابات الماضية، ونحيي النعرات الجاهلية. وأخوكم كاتب هذه الكلمات في ذكرى جمعية العلماء، جمعية الجزائريين جميعا والجزائريات، يدعو إلى وحدة علمائية في المؤسسة الأصيلة، في الخامس ماي 2018م، نكرر النداء للعلماء تحت الشعار الإسلامي الثابت:(الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا). فلا دين إلا الإسلام. ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19]، لقد أمرنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال بما أمر الله تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 163]، فلا تقل أنا من جماعة كذا، أو مذهب كذا، أو فرقة كذا. إننا مسلمون. ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]، لهذا فالإسلام ديننا.
وما وجدنا في التاريخ، والعلم، والمنطق، لغة أجل وأجمل، وأزكى وأكمل، وفقهها أوسع وأشمل من لغة القرآن، فمن أساء إليها أساء إلى القرآن، ومن هجرها هجر لغة القرآن. ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: 2]، الذين يعقلون تعلموا العربية وعلموها أولادهم، وعملوا بها في إدارتهم، وتخاطبوا بها في أسرهم، ومجتمعهم، والذين لا يعقلون في أوهامهم يسبحون، ويوم القيامة يعلمون،﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: 3]. فالعربية لغة الإيمان، والشريعة، والحضارة، لغة الكون، والتاريخ، والدين. قال محاوري: لماذا التذكير بهذا وقد علم الأعداء من قديم السنين، قبل الأصدقاء من المسلمين، أن العربية لغة العلم والنهضة والتمكين؟ قلت: لأن لا يكون للمتهاونين والمماطلين حجة ولا برهان بعد فوات الأوان يوم يزول سلطان الحيل والمال، ويجد الإنسان نفسه أما السؤال. ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات: 24] عن أقوالهم، وأفعالهم. من قال بالخير، وفعل الخير، يفرح وينجح، ومن غش وخادع فلا يلومن إلا نفسه.
والجزائر وطننا: أيها العلماء، ألا يستحق منا هذا الوطن الغالي العزيز أن نتواصى به خيرا؟ ألا يجب علينا أن نخاف عليه ونحرص على وحدته وسلامته وسيادته؟
ودليل حرصنا على مستقبل وطننا هو في وحدتنا واتحادنا. ولهذا نكرر ونؤكد لكم من منبر جمعيتكم، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
بأن الجمعية التي قادت الأمة في ليالي الاستعمار والنار، في زمن الاحتلال والإستدمار، قادرة بإذن الله تعالى على بناء مستقبل الأمة، والبلوغ بها مراتب المجد والازدهار. الأمر الذي يجب الانتباه إليه هو أن علماء الجمعية في الماضي والحاضر اتبعوا ويتبعون الأسباب التي يسرها وييسرها الله تعالى لهم، ومن ثم قد يكون شيء من العثرات في قانون الابتلاءات، ومعارك الجهاد تدور بين يومين: يوم لك ويوم عليك. وعندما قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، لم كان أبو بكر رضي الله عنه كذا، وكان عمر رضي الله عنه، كذا، يعني من النجاح والتألق، وها أنت كذا، يعني فتن الخوارج والموارج؟ أجابه: بأن الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجدان بعد الله تعالى النصرة والشورى والمعونة من أمثال علي رضي الله عنه، فكان لهما ما كان، رغم أنهما كانا يحاربان أقوى دولتين في ذلك الزمان، الفرس والروم.
فعندما يتعاون العلماء مع العلماء، ويتجاوب الأمراء مع سنن الله في الكون ورسالة السماء يتحقق بإذن الله الرجاء، وتخرج الأمة من المعاناة وحفر الشقاء؛ ورد في مقدمة الطبعة الثانية لكتابنا: “سياسة الإتلاف لإقامة وحدة المسلمين واتحادهم” (قلت: نعلن في هذا الكتاب متوكلين على الله العلي العظيم، أن الأخوة والتعاون والتكافل بين المسلمين فريضة مقدسة، يجب على المسلمين إن أرادوا استرجاع المجد الذي تركه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم،أن يعودوا إلى العمل بمنهج الإسلام. لنكون حقا خير أمة أخرجت للناس، فلا مستقبل للمسلمين إذا ظلوا مصرين على النزاع والصراع بين بعضهم، وإنما المستقبل للمسلمين بالإسلام، وللإسلام بالمسلمين مجتمعين على منهج الحق)، ومنهج الحق أخوة بين العلماء والأمراء، وشورى علمية بالغة النصح والإخلاص. أمَّا أن يظل العلماء فرادى متفرقين، ويظل الحكام بمعزل عن شورى العلماء الربانيين، فستظل الأمة تعاني ما تعانيه من التخلف والهوان. ﴿هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 138]، هل علمتم أن العقبات التي تعترض طريق المسلمين في هذا العصر خاصة، أو قولوا أهل الشوكة الذين يحاربون الإسلام والمسمين، هم ثلاث فئات: فئة الكافرين من زمن نزول الوحي وإلى اليوم، الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[البقرة: 109]، وفئة المشركين والملحدين والمرتدين. الذين قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: 26]، وفئة الجاهلين والمغرورين والمتنطعين الذين في قلوبهم زيغ. قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران: 7]، وهنا وجب أن يقف العلماء المخلصون في صف واحد أمام هذه الفئات الشوكية عاملين بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 45/46].
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)