مقالاتمقالات مختارة

وائل أبو هلال .. بقلم محمد عايش

بقلم محمد عايش

نزيف حاد من الأسئلة الأبدية انفجر في رؤوسنا ورؤوس الكثيرين، بعد النزيف الدماغي الذي انتهى بوفاة وائل أبو هلال الأسبوع الماضي!

كيف يموت مناضل بكل هذه الصلابة والقوة والعناد والصمود؟ وكيف لهذا الدماغ الذي لم يتوقف عن العمل ولو للحظة واحدة منذ 58 عاما أن ينزف حتى النهاية؟ وكيف لدماغ قاوم الاحتلال الإسرائيلي كل هذه السنوات أن يفشل في مقاومة نزيف لشريان عاق قال لنا الأطباء إنه رفيع لدرجة أنه يكاد لا يُرى بالعين المجردة؟ أم هل كان هذا الشريان النازف مجرد ثائر أراد الانتقام لثورات العرب الفاشلة التي لطالما كان وائل أبو هلال أحد مؤيديها والمتحمسين لها، وأحد أكثر الغاضبين لفشلها أمام موجة الثورات المضادة؟

ما الذي كان يُفكر فيه أبو هلال عندما قرر دماغه أن يثور وينفجر؟ قالوا لنا إنه تناول غداءه، ثم دخل في نقاش سياسي حاد، وقيل لنا أيضا إنه كان حزينا للأوضاع في غزة ومصر وسوريا واليمن.. لا أجوبة مطلقا لهذه الأسئلة؛ فالشيء الوحيد الذي نعرفه أن وائل أبو هلال فارق الحياة إلى غير رجعة عند الساعة الرابعة من مساء يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من أبريل 2018، بعد عمليتين جراحيتين رفض بعدهما التجاوب، وأصر على الرحيل.. هذه هي الحقيقة الوحيدة، وما عدا ذلك فهو مجرد أسئلة وتكهنات.

لحظة وفاته قال لنا الأطباء إن دماغَه توقف عن العمل، بينما قلبُه لا يزالُ ينبض.. كان هذا يعني طبيا أنه قد توفي.. أما بالنسبة للحضور، فهذا كان يعني أن دماغه توقف عن النضال والمقاومة، لكنَّ قلبه لا يزال ينبضُ بحُب فلسطين.

وائل أبو هلال مناضل فلسطيني أمضى حياته بعيدا عن الأضواء وعدسات الكاميرات وصفحات الجرائد، هو مجرد نموذج للاجئ فلسطيني عاش حرا، ومات واقفا شامخا شموخ الجبال.. كان مديرا عاما لـ»قناة القدس» الفضائية وأحد الرجال الذين تكفلوا بإنقاذها عندما كانت يوما ما على شفا الهاوية، وهي القناة التي لطالما أوجعت الإسرائيليين وكشفت عدوانهم.

أبو هلال كان أيضا أحد مؤسسي مؤتمر فلسطينيي الخارج، وأحد الناشطين المطالبين بإصلاح منظمة التحرير، وهو فوق هذا وذاك، كان أحد مهندسي مسيرات العودة الكبرى، التي اعتبر أنها التحرك الأهم في تاريخ الشعب الفلسطيني، لأنها أول محاولة عملية لعودة اللاجئين إلى بيوتهم.. وبمسيرة العودة الكبرى أنهى الرجل نضاله وحياته.

وائل أبو هلال ليس حالة عابرة، وإنما هو مناضل صاحب تأثير قدّم الكثير للقضية الفلسطينية، ويكفي أنه أمضى سنوات عمره الـ58 مسافرا متنقلا من بلد إلى آخر بسبب الهم الوطني والقومي الذي يعشش في دماغه وقلبه، ولذلك فإنَّ وفاته تشكلُ خسارة إضافية للشعب الفلسطيني، وهي خسارة لا تقل بحال من الأحوال عن خسارة الشهيد فادي البطش، الذي كان أحد أبرز علماء فلسطين وخبراء الطاقة فيها.

يُشكل وائل أبو هلال نموذجا لفلسطيني كرَّس حياته من أجل وطنه وشعبه، كما يتميز بما نحن اليوم بأمس الحاجة له، وهو أنه كان ناشطا فوق كل اختلاف وفوق كل انقسام وفوق كل استقطاب، فهو لم يكن حمساويا ولا فتحاويا ولا جبهويا ولا غير ذلك، وإنما كان فلسطينيا، وكان يرى فيه الجميع قاسما مشتركا بين كل الأطياف في أي لقاء عام.

هو النموذج الحي للاجئ فلسطيني توقف الزمن عنده عند بلدته في الضفة الغربية التي استباحها الاحتلال في أعقاب نكسة 1967، كان أبو هلال حينها في السابعة من عمره، وكان هو ينتفض عندما كان العربُ ينتكسون.. ولم يترك هذا العالم راحلا إلا بعد أن شاهد الأجيال الصاعدة من أبناء الألفية الجديدة يتقاطرون باتجاه بيوتهم مطالبين بالعودة إليها في «مسيرات العودة الكبرى» عندها فقط رَحَل عن هذا العالم مطمئنا بأن هناك من يحملُ الرسالة من بعده.

(المصدر: مجلة القدس العربي / عربي21)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى