مقالات مختارة

وإن سألوك عن العدل فقُل: مات عمر بن عبد العزيز!

بقلم حمدي شفيق

طلب أهل سمرقند من والى المنطقة الإذن  لهم بالسفر إلى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، لعرض شكوى عليه شخصياً فأذن لهم. وقال أهل سمرقند لعمر بن عبد العزيز: إن قائد جيش المسلمين”قتيبة” قد غدر بنا وظلمنا واحتل بلادنا -بدون أن ينذرهم أولاً، ويتفاوض معهم بدعوتهم إلى الإسلام، أو الصلح وإلا فالقتال- وقد أظهر الله الحق والإنصاف، فإن كان لنا حق أعطنا إياه”.

فكتب عمر بن عبد العزيز إلى واليه على المنطقة -سليمان بن أبى السرى- قائلاً له: “إن أهل سمرقند شكوا إلىّ ظلماً أصابهم، وتحاملاً من قتيبة عليهم، وأنّه أخرجهم من أرضهم. فإذا أتاك كتابي هذا فاجلس لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم، فأخرج جيش المسلمين، كما كانوا وكنتم قبل أن يظهر عليهم قتيبة”.

وبالفعل أجلس لهم الوالي سليمان بن أبى السري قاضى المدينة “جميع بن حاضر” وكان قاضياً عظيماً لا يخشى في الله لومة لائم، فحكم بإخراج جيش قتيبة من سمرقند فوراً، وأن يبدأ في التفاوض مع أهلها من جديد حول دخولهم في الإسلام، أو الصلح مقابل الجزية، أو القتال إن رفضوا كل الحلول السلمية.

وحين رأى أهل سمرقند هذه العدالة النادرة، التي لم يعهدوا لها مثيلاً قط، قالوا: “بل نرضى بما كان، ولا نستأنف حرباً”، ثم أسلموا جميعاً لله سبحانه الذي علّم أمثال عمر وواليه وقاضيه وقائده، الامتثال للحق والعدل ولو على أنفسهم أو الأقربين. ونُلاحظ هنا أن الخليفة، رضي الله عنه، لم يحكم في قضية أهل سمرقند بنفسه، ولم يطلب من الوالي أن يحكم فيها، أو يحكم فيها قائد العسكر. بل أمره بأن تتخذ العدالة مجراها الطبيعي، فيجلس الجميع -أهل سمرقند وقتيبة قائد الجند- إلى القاضي العادي بالمدينة، ليفصل بينهم بالحق، مثل أية قضية أخرى تعرض عليه هناك.

وقد حكم القاضي ضد جيش المسلمين، لصالح أهل البلدة، وأذعن الجميع للحكم، ولم يعترض أحد. لكن المحكوم لصالحهم، هم الذين تنازلوا عن التنفيذ، بعد أن تيّقنوا من عدالة الإسلام، وأنه لا خطورة عليهم من بقاء هؤلاء الأتقياء بينهم، فليسوا بحاجة إلى إبعادهم من بلدهم.

وهذا أيضًا، دليل قاطع على أن الفصل بين السلطات كان معروفاً وواضحاً في الحكومات الإسلامية، وكان محل قبول تام وتطبيق سليم من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين.. والعبرة دائماً بالمضمون والجوهر، وليست بالأسماء والمصطلحات.

المصدر: موقع الأمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى