(هيئة علماء فلسطين) تصدر فتوى في حكم الشماتة بأهل غزة بسبب مصائبهم وتسلط أعداء الأمة عليهم
السؤال:
ما حكم من يشمت بالمسلمين من أهل غزة في المصائب التي تحل بهم من تهديم بيوتهم وسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم ومحاصرتهم والتضييق عليهم بتسلط أعدائهم؛ حيث رأينا في بعض وسائل الإعلام من يقول (يستاهلون) ومن يقول: (زين سووا فيهم اليهود) ومن يقول: (خير لأهل فلسطين أن يرضوا بالواقع) ومن يقول (هؤلاء جروا على أنفسهم المصائب)!!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فلا شكَّ أن الشماتةَ بالمسلم – أياً كان حاله – من مساوئ الأخلاق ومرذول الطباع، مما ينبغي أن يتنزَّه عنه كلُّ ذي نفس سوية؛ لأن في الشماتة به أذيةً له، والله تعالى يقول {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا} وقد نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشماتة بالمحدود الذي أصاب كبيرة من الكبائر؛ فقد روي في الحديث في قصة رجم ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه (فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه انظر إلى هذا الذى ستر الله عليه فلم تَدَعْه نفسُه حتى رُجِمَ رَجْمَ الكلب! فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائلٍ برجله فقال «أين فلان وفلان»؟ فقالا نحن ذان يا رسول الله. قال «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار» فقالا: يا نبي الله من يأكل من هذا؟ قال «فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشدُّ من أكلٍ منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها» رواه أبو داود والبيهقي، ولما جيء بشارب خمر فقال بعض الصحابة: لَعَنَهُ الله ما أكثرَ ما يؤتى به!! قال عليه الصلاة والسلام (لا تلعنْه فإنه ما علمتُ يحبُّ الله ورسوله) رواه البخاري.
فإذا كانت الشماتة – وهي الفرح بالبليَّة التي تصيب غيرَك – منهياً عنها في حق العاصي والمذنب فكيف إذا كانت بقوم يقفون في مواجهة عدو كافر مغتصب للمقدسات منتهك للحرمات، بل هو أشد الناس عداوة للذين آمنوا بنص القرآن؟
لا شك أن الشماتةَ بهؤلاء المجاهدين والفرحَ بما يصيبهم من اللأواء والبأساء والضراء وتخذيلَ الناس عن نصرتهم؛ إنما هو من صفات المنافقين نفاقاً أكبر مخرجاً من الملة، فقد قال الله تعالى عن أولئك المنافقين {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط} قال أهل التفسير: أي إنْ تنالوا- أيُّها المؤمنون- سرورًا بظهوركم على عدوِّكم، أو بكَثْرة أنصارِكم، أو ظَفِرتُم بالنَّصر على أعدائكم، أو بحصولِ العافية لكم، وغير ذلك من أنواع الخيرِ، يَغُمُّهم ذلك ويُحزِنهم، وإنْ تنالوا- أيُّها المؤمنون- ما يسوؤكم كانتصارِ عدوِّكم عليكم، أو حدوثِ اختلاف بينكم، أو وقوع جَدْبٍ في أرضكم، وغير ذلك من أنواع الضُرِّ، فإنَّهم يُسَرُّون بذلك.ا.هــــ وقال جلَّ من قائل {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} قال محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى: المتبادِرُ أنَّ هذا إخبارٌ عن شأنِهم في ماضِيهم وحاضِرِهم ومُستَقبلِهم، والحَسنةُ كلُّ ما يَحسُنُ وقعُه ويَسُرُّ، مِن غنيمةٍ ونُصرةٍ ونِعمةٍ، أي: أنَّه يَسوؤُهم كلُّ ما يَسُرُّك، كما ساءَهم النَّصرُ في بَدرٍ وغيرِ بَدرٍ مِن الغَزواتِ.ا.هــــ
والشماتة لا تكون إلا من عدو ظاهر العداوة؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شماتة الأعداء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من جَهْد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) رواه البخاري
وعليه فإن الواجب على من وقع في شيء من ذلك أن يعلمَ أنه وقع في خصلة من خصال النفاق الأكبر، وأن يلجأَ إلى الله تعالى بتوبة نصوح؛ حذراً من الوعيد القرآني {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا. إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيما}
وعليه أن يمحو السيئة بالحسنة؛ بأن يوالي إخوانه المجاهدين في غزة وأن يفرح لما ينالون من نصر على أعدائهم وظفر بهم، وأن يحزن لما يصيبهم من البأس والضر، عملاً بقوله تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} وقوله سبحانه {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} والله تعالى أعلم.
المصدر: هيئة علماء فلسطين