مقالاتمقالات مختارة

هوان أمر الدين وطغيان المادة

هوان أمر الدين وطغيان المادة

أبو بكر الظبي

في الآونة الأخيرة انتشرت في أوساط المسلمين ظاهرةٌ من الطبيعي أن تكون في المجتمعات الغربية والمادية التي لا تقيم للدين وزنا، ولا تتخاطب إلا بلغة المال والمتاع، ووجودها في مجتمعاتهم مفهوم ومعقول وواقعي؛ إذ أن هذه نظرتهم للحياة من الأساس،

غير أن من اللافت للأنظار والمثير للعجب ظهورها في مجتمعاتنا إلى حد تجاوز المعقول والمقبول الذي يحفظ للمسلم توازنه في الحياة؛ كيلا يعيش بعيدا عن الحياة ومتطلباتها التي بدونها قد لا يستطيع إقامة دينه،،

إنها ظاهرة النظرة المادية للأشياء عموما بما فيها ما هي روحية شعائرية وتعبدية!

بمعنى آخر:

أصبح من هب ودب يقوم بالحديث في جانب من جوانب الدين متعلق بالدعوة إلى نفع الناس وخوض غمار الحياة والمادة، فتكون قضيته – من حيث المبدأ- عادلة صادقة،

غير أنه يتجاوز ذاك الحد إلى محاولة إقناع المسلمين والناس بأن الدين الإسلامي إنما هو لنفع الناس في شئون الحياة المادية، وأن التدين كل التدين إنما يكمن في السعي لحفظ حقوق الناس الحسية الملموسة، وأن ما عدا ذلك من أمور الدين صغيرها وكبيرها لا يستحق منا أدنى اهتمام أو التفات، وأن كل جهد يبذل في سبيل إقامة الصلاة، وتعليم الناس كيفية التعبد لربهم، وتحرير مسائل التوحيد، وحفظ نصوص القرآن والسنة وتعليمهما، واستنباط ما يتعلق بالعلاقة الزوجية والمرأة وتفاصيل ذلك من كتاب الله وسنة رسوله ?، وما إلى ذلك مما يأخذ قدرا كبيرا من اهتمام الكتاب والسنة الصحيحة،،

كل ذلك جهد لا يستحق مجرد الذكر والاهتمام فضلا عن الشكر والإشادة، وأن هؤلاء العلماء والأئمة الأعلام الذين – بفضلهم وجهادهم بعد الله- وصلنا دين الله بهذا التفصيل وهذا التحقيق، من أحكام الطهارة إلى أحكام العلاقة الدولية والحكم، مرورا بالأحوال الشخصية، والبيع والشراء، وكل ما يحتاجه المسلم من إيضاح لما يريده منه الله – سبحانه وتعالى -،

هؤلاء العلماء مجرد دراويش والإحسان إليهم وتبجيلهم والإفادة منهم والنهل من معين علمهم الذي تناقلوه وتعلموه ورووه جيلا عن جيل، كل ذلك مضيعة للوقت والجهد والمال،،

وأن هذه الأمور كلها التي تطلبت منهم هذه الجهود الجبارة لم يكن يحتاج إليها المسلم أساسا، وكأن أمور دينه من قرآن عقيدة وفقه وحديث وغيرها يمكن له تحصيلها بإلهام سماوي من الله، أو أنه لا يحتاجها أساسا؛ فهو غير مطالب بشيء من تعاليم الدين- وهي الأطم والأدهى -،،

وأصبح هؤلاء المسوخ الذين يُدعون (مثقفين متنورين) يطالبون هؤلاء الذين رفع الله شأنهم بعلوم كتابه وسنة نبيه ?،

أصبحوا يطالبونهم باختراع شيء من متاع الدنيا واحتياجات الناس لكي تكون منهم فائدة مرضية تُذكر وتُشكر،

وأصبحوا يجتزئون من نصوص القرآن والسنة ما يتعلق بالمقاصد العامة وبعض الغايات؛ ليحاولوا إقناع الناس بأنها هي الدين رأسًا، وأن من فعلها ونفع البشرية وقدم منها شيئا، ولو لم يشهد لله بالوحدانية ولا لنبيه بالرسالة، قد سبق العلماء (الدراويش) في حجز مقعده في الجنة!

ثم

بعد ذلك لا يهمه ما يأتي في القرآن من آيات بينات واضحات وأوامر وزواجر، وعقوبات وجنة ونار،

كل ذلك لا يغني من الحق في ميزانهم شيئا؛ فقط بحجة فهمم العميق لمقاصد الدين العامة، والأدلة العامة التي تحث على فعل الخير، وتدعو إلى نفع البشرية،

ثم لتذهب الكثرة الكاثرة من نصوص والكتاب والسنة – حسب نهجهم- إلى الجحيم!

وبعد ذلك العفن كله تطاوع بعض الناس أنفسهم أن يعتبروا هؤلاء دعاة إسلام وإيمان كما يريد الله!،

اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعله السفهاء منا.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى