هل يمكن إنقاذ الشّيوخ الدّعاة؟
بقلم د. فتحي الشوك
يتمّ في هذه الأيّام الفاضلة في شهر الرّحمة تداول أخبار ملحّة ومفزعة حول اعتزام السّلطات السّعودية تنفيذ أحكام الإعدام في حقّ ثلاثة من خيرة مواطنيها، ذنبهم حملهم لهمّ وطنهم وسعيهم لنهضته، هم الدّكاترة سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، أسماء من بين المئات من العلماء والدّعاة والمصلحين والنّاشطين الحقوقيين ممّن تمتلئ بهم المعتقلات السّعودية في حملة قمعيّة غير مسبوقة تشهدها المملكة بعد أن تولّى وليّ العهد محمّد بن سلمان زمام الأمور. فهل السّلطات السّعودية هي فعلا جادّة في المضيّ قدما نحو ارتكاب حماقة جديدة وجريمة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائمها السّابقة وماذا تراها تنوي أن تجني من نتائج من وراء عملها هذا؟ وكيف بإمكاننا، كلّ من موقعه، من تتجنّب وقوع هذه الجريمة وإجبار الجلّاد على تخلّيه على رغبته المرضيّة وإنقاذ من كان همّهم إنقاذنا؟
مدى جدّية تنفيذ أحكام الإعدام:
ما يجري في السّعودية حاليا هو خارج مجال دائرة المنطق والعقل، فلا يمكن لعقل سليم أن يتقبّل كيف تلاحق أحكام بالإعدام ثلاثة من خيرة مصلحي المجتمع السّعودي ممّن عرفوا بالاعتدال ودعوتهم للوسطية ونبذ التطرّف والعنف وممّن رشّدوا الشّباب حينما كانت الدّولة الرّسمية تدفعهم إلى المحارق والتّهلكة. يقول الدّكتور سلمان العودة المفكّر والمصلح والمجدّد: “أنا أقول بملء فمي حين كانت الدّولة تشجّع الشّباب على الذّهاب لأفغانستان كنت ممّن يقولون لا تذهبوا وابقوا حيث انتم وتعلّموا وأصلحوا أحوالكم”.
أمّا الدّكتور عوض القرني الفقيه وخبير البرمجة اللّغوية العصبية أحد أهمّ وجوه الصّحوة عندما انطلقت فمن أقواله: “أتحدّث عن الاعتدال، معنى التوسّط أم أتحدّث عن العدل وهو أحد لوازم الاعتدال، عن الاعتدال في القول أو عن الاعتدال في الحوار أو عن الاعتدال في المعتقد أو عن الاعتدال في العبادة أو عن الاعتدال في الأخلاق أو عن الاعتدال في السّلوك أو عن الاعتدال في التّربية فوجدت أنّنا في حاجة إلى الاعتدال في كلّ جانب من جوانب حياتنا”. في حين يحدّد الدّكتور العمري المفكّر والإعلامي انتماءه بقوله: “أنا انتمي إلى أيّ فكرة تخدم عقيدتي الإسلامية الصّافية، تخدم وحدة مجتمعي، تخدم الفكر الوسطي والبعد عن التطرّف والعنف”. ليس ثمّة وضوح أكثر من هذا الوضوح، هم دعاة إصلاح، حملة كلمة، حجّتهم الفكرة ودعوتهم وسطيّة واعتدال.
فما الّذي يجعل هذا الاعتدال يناقض ما يدعو إليه بن سلمان وما يبشّر به المدّعون المتعالمون من أمثال عائض القرني والمغامسي والسّديسي والكلباني الّذين انخرطوا صحبة أشباه إعلاميين في التخلّص من تاريخ السّعودية الحديث والقديم والتّسويق لدين بن سلمان الجديد الوسطي المعتدل الّذي ينشر معارضيه على أنغام الموسيقى ويغتصب المعتقلات ويقتل الأطفال في اليمن وليبيا ويساند قمع المسلمين الإيغور ويعادي كلّ الشّعوب متى أرادوا الانعتاق والتحرّر. دين جديد يجعل من الدّعاة مجرّد مقدّمي نشرات الطّبخ ويكتفون بالحديث عن الحيض والحوض والبيض.
من يقتل أطفال اليمن بدم بارد، ومن يعتقل النّاشطات ويعذّبهنّ ويستمتع بهتك عرضهنّ، من قتل الأستاذ جمال خاشقجي وقطّع جثّته وأتلفها بالحرق غير مستغرب منه أن يقتل ثلاثة من الدّعاة وهو من يقتلهم ببطء في اليوم ألف مرّة منذ اعتقالهم. نعم، الشّيء من مأتاه لا يستغرب وغير مستبعد أن تنفّذ سلطات القمع أحكامها بالموت في حقّ من يدعون إلى الحياة وتهم بعضهم عدم التحمّس والدّعاء لوليّ الأمر بالشّكل الكافي وعدم إبراز مظاهر الطّاعة والولاء بما يشبع غرور وليّ عهد طاغية سايكوباثي. فإذا كان البوح والصّراخ والجهر بالرّأي تهما كافية للزجّ بصاحبها في السّجن في دول الاستبداد العاديّة فإن الصّمت وعدم التّعبير الصّريح عن الولاء تهما قد تغيّبك بالكامل في دول الاستبداد السّادية.
سبق للسّعودية أن أعدمت في أبريل الماضي 37 سعوديا بعد محاكمات صوريّة تفتقد لأدنى شروط العدالة ومرّ ذلك دون ردّ فعل يذكر محلّيا ودوليّا، كما أنّ جريمتها الفظيعة تجاه خاشقجي لم تقابل بالحزم المطلوب ممّا يجعلها تعتزم المضيّ قدما في تنفيذ حماقات جديدة بما أنّ جرائمها السّابقة لم تتبعها محاسبة أو عقاب. وهي تستغلّ ظرفا إقليميا ودوليا دقيقا ومتأزّما وتساهم في تأزيمه مع مراهنتها على نفاق الغرب وازدواجيّة خطابه وعلى تغليبه لمصلحته الذّاتية لحظة اتّخاذ المواقف المبدئيّة. ووجود ترامب والبعبع الإيراني وصفقة القرن كلّها ظروف ملائمة لارتكاب مزيد من الحماقات، لا خطوط حمراء لديهم وذاك جزاء من يلوي عصا الطّاعة في يد وليّ الأمر الحاكم بأمره، من اتّبعه فله الجنّة ومن عاداه فمصيره النّار وسوء المآل.
هل بإمكاننا تفادي المصيبة؟
لا شكّ أنّ خبر اعتزام السّلطات السّعودية إعدام الشّيوخ والدّعاة في الأيّام القادمة يجب أن يؤخذ مأخذ الجدّ، وتسريب الخبر هو بالون اختبار وسبر للرّأي العام المحلّي والدّولي وتحسّس لنبض الشّارع وهي طريقة لتهيئة مناخ متقبّل للجرائم المرتقبة. إن تمّ تنفيذ تلك الجرائم لا قدّر الله ولا أمكن لهم ذلك ولا مكّنهم من ذلك فالطّغاة يقصدون بفعلهم إرهاب الجميع وإخراس كلّ الأصوات، من مصلحين وناشطين ودعاة، تمهيدا لمزيد من الإفساد القيمي والأخلاقي والعقدي وإيغالا في مشاريع التطبيع مع الكيان الصّهيوني. من واجبنا أفرادا ومجموعات أن نصطفّ لمحاولة تفادي جرم أعلن عنه مع سبق الإصرار والترصّد، كلّ منّا يستطيع أن يقوم بشيء ما افتراضيا على صفحات التّفاعل الاجتماعي أو واقعيا في السّاحات.
ومن واجب علماء الأمّة الصّادقين ورثة الأنبياء والمرسلين أن يصدحوا بكلمة الحقّ وأن يعلنوها عالية في وجه الطّغاة المستبدّين الّذين تمادوا في ظلمهم وسعوا في الأرض فسادا وانتهكوا حرمات ودماء الأبرياء والمستضعفين، عليهم أن يسارعوا بنزع الشّرعية عمّن يتّخذها غطاء لممارسة إجرامهم، كلّ عالم حريص على ما اؤتمن عليه من علم أن يعلنها صراحة ودون لبس أنّ من يدّعون الدّفاع عن المشاعر والشّرع هم أبعد ما يكون عن ذلك وقد خانوا أمانة خدمة ثاني القبلتين بعد أن فرّطوا في الأولى.
كان موقف الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين مشرّفا وواضحا، وإن كنّا لا ننتظر خيرا من رابطة العلماء المخابراتية ومؤسّسة الأزهر المختطفة فقد نرجوه من جامعة الزّيتونة التّونسية، ومن شخصيات ذات القيمة الاعتبارية مثل الرّئيس أردوغان والدّكتور المرزوقي ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمّد والشّيخ راشد الغنّوشي. “لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم”، هذا ما قاله الرّسول المصطفى وهو الأولى بالاتّباع والاهتداء، النّفس البشرية الّتي حرّم الله قتلها بدون وجه حقّ تستحقّ أن يستنفر الجميع لأجلها، وإن يستنفذ الجميع، أفرادا وجماعات لأجل وضع حدّ لمسلسل الاستهانة بها. قال الدكتور عوض القرني: “إذا رأيت الباطل زمجرت رعوده، وهبّت عواصفه، وثار غباره، واشتدّ ظلامه فلا تبتئس بما يصنعون من الزّيف، فإنّما هو سحابة صيف عمّا قريب تذهب”. فأجاب الدّكتور سلمان العودة: “لم تنته الحكاية غدا تطير العصافير”. حفظ الله علماء الأمّة من كلّ سوء وحفظ الله بلاد الحرمين من أصحاب السّوء.
(المصدر: مدونات الجزيرة)