هل يعود الإسلاميون للحكم؟!
بقلم محمد عماد صابر
من الواضح وفق الوقائع المعاشة لدى التنظيمات الإسلامية أن هناك إشكالية كبرى في تقدير المواقف والتي بناء عليها تتخذ القرارات المصيرية للكيانات بل والدول، إشكالية تقدير المواقف التي تعانيها التنظيمات العاملة في ميدان السياسة والسلطة مرتبطة بعدم توفر المقومات المطلوبة، وفي مقدمتها وفرة المعلومات وكفاية الكفاءات، لذا تأتى الصورة بسيطة سطحية بمستوى فرق العمل غير المحترفة فضلا عن عدم فاعلية المؤسسات المعنية، أولا لعدم الاختصاص الفني، ثانيا لطرق تشكيل هذه المؤسسات بالتعيين أو الانتخاب حين تغلب عليها المعايير الشخصية لا المواصفات المؤسسية.
من مصر لتونس
من النماذج العملية، ترشح إخوان مصر في الانتخابات الرئاسية، وتشكيل النهضة للحكومة التونسية، وكذلك حزب العدالة والتنمية للحكومة المغربية، حيث كانت الأجواء لا تتسم بالجاهزية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي رغم أنهم جميعا وصلوا للسلطة بإرادة شعبية خالصة، ثم تبين أنهم جميعا لا يملكون الأدوات والآليات الداعمة للحكم وأن حجم التدافع مع الخصوم غير متوازن في الإمكانيات والقدرات، وأنهم شكلا يملكون الحكم لكن لا سيطرة لهم على مؤسسات القوة في الجيش والشرطة والقضاء حتى الإعلام لا سيطرة لهم عليه، ثم يكون سيناريو تصدير الأزمات خاصة في مجال المعيشة والخدمات لتبدو السلطة الحاكمة ضعيفة عاجزة، ثم يكون سيناريو الإسقاط الأخلاقي والقيمي حين يطالب خصوم الشريعة بتطبيق الشريعة وحلفاء إسرائيل بقطع العلاقات مع إسرائيل.
اضطرت النهضة للتراجع مراحل عدة وليست خطوات، تارة بما أسمته التخصص الوظيفي والتحول من حركة إسلامية شاملة إلى حزب سياسي، وأخرى للتراجع عن تشكيل الحكومة رغم الأغلبية البرلمانية، وأخيرا عرض المزيد من التنازلات حفاظا على المسيرة الديمقراطية بعد الانقلاب الدستوري للرئيس المنتخب قيس سعيد، حيث أعلنت أنها مسؤولة وغيرها لما وصلت إليه البلاد وأحوال العباد.
كذلك حزب العدالة والتنمية بموافقته للحكم تحت سقف النظام الملكي صاحب وساحب كل الصلاحيات ثم التراجع عن منهجه محافظة على مكاسب الحكم أو ضغوط الحكم كما أعلنوا، فوقعوا في المخالفات الشرعية بتقنين القنب الهندي وفرنسة التعليم ثم كانت خطيئة ووحل التطبيع.
أيضا ترشح الإخوان للانتخابات الرئاسية مع علمهم المسبق أن الحكم بعد الثورة أشبه ما يكون بالانتحار السياسي -راجع حوار المهندس خيرت الشاطر مع الإعلامي أحمد منصور- وقد فاتهم أيضا موقف المؤسسة العسكرية الذي انكشف بعد ذلك رغم الرصيد والتاريخ السلبي بينهما.
حكم الأجواء العامة!
حسن الأداء في الحكم أو سوئه ليس بإشكالية فأعرق الأحزاب الحاكمة في العالم تعاني هذا وربما تخسر شعبيتها وتخسر الحكم ثم تعود مرة أخري، لماذا؟ لأن الأجواء العامة تسمح بذلك، أما عندنا فالوصول للحكم يمثل اختراق غير مشروع من وجهة نظر الدولة العميقة يعمل الجميع على إسقاطه ويقسوا انتقاما منه ورسالة للآخرين.
في التجارب السابقة يحسب لحركة النهضة وحزب العدالة والتنمية تحمل المسؤولية والاعتراف بالقصور الحادث والإعلان عن إعادة النظر في المسيرة والتجربة للتصحيح والتطوير، أما في الحالة المصرية فما زال نمط الدفاع والتبرير ومقاومة التغيير هو السائد لاعتبارات منها طبيعة بقايا القيادات والهروب من تحمل المسؤوليات، عندما تخفق الكيانات السياسية في أغلب دول العالم تستقيل منصات القيادات شريكة الإخفاق وترحل أو تعود للصفوف الخلفية وتعاد الانتخابات الداخلية ويتم اختيار منصات قيادة جديدة تتعامل مع الأزمة بالإجراءات والتعديلات اللازمة، إلا الكيانات الإسلامية (التي تطالب بإقالة واستقالة الوزراء والرؤساء حين الإخفاق والفشل) ما يترتب عليه ارتباك واشتباك وانقسام وربما لا تتمكن من استعادة ما كانت عليه لأنها لا تؤمن بثقافة الخلاف والاختلاف لكن الشقاق والانشقاق، يا ترى أين المشكلة؟!
عموماً حسن تقدير الموقف، يترتب عليه اتخاذ قرارات ومشاركات تحافظ على الكيان ومشروعه الإصلاحي لاستكمال رسالته الأساسية في استعادة وعي الشعب والنخبة والتواصل الفاعل مع باقي مكونات الوطن لبناء تيار وطني يمثل حائط صد يحمى التجربة ويقلل الخسائر والتضحيات ويمنع حدوث الفراغات الشاسعة التي تتمدد فيها عوامل هدم الأفكار والقيم والمشروعات وإهدار الفرص وتبديد الثروات، حتى تبقى التنظيمات خادمة لمشروع الوطن وليست أداة لأنظمة ترى نفسها فوق الوطن والمواطن.