مقالاتمقالات مختارة

هل يعتبر الانقلاب العسكري صورة من صور الإصلاح والتغيير السياسي؟

هل يعتبر الانقلاب العسكري صورة من صور الإصلاح والتغيير السياسي؟

بقلم أويس عثمان

حينما نتكلم عن الإصلاح والتغيير السياسي، فإننا نتكلم عن هدف سامٍ يسعى إليه المنادون به، وهو تجاوز الخلل ومظاهر التقصير والضعف التي تعتري نظام الحكم داخل الدولة، أو الارتقاء بهذا النظام ليحقق المقاصد المرجوة منه والغايات التي ينشدها المواطنون الخاضعون لسلطته وحكمه.

ومطلب تحقيق الإصلاح والتغيير السياسي، هو مطلب مشروع، وواجب مجتمعي للنهوض بالدولة، ولا ينحصر بأسلوب معين، بل له العديد من الأشكال والصور والتي تقبل التجديد والتطوير، سواء في الشكل، أو في آليات التطبيق .

فالمنظومة السياسية داخل الدولة تعتمد بشكل أساس على الاجتهاد والجهد البشري، ولهذا هي معرضة للخطأ، لأن الجهد البشري لابد وأن يعتريه النقص والخلل.

لكن ومن ناحية أخرى، فهناك فرق بين من يتولى الحكم لإدارة شؤون الدولة، وإصلاحها، والنهوض بها، وبين من يتولى ذلك لسرقة الموارد والاستبداد بالسلطة، أو جعل ذلك البلد مطية للمستعمر والمحتل، فيصبح تابعاً للخارج، يضرب بمصالح دولته عرض الحائط، ويتنكر لمطالب شعبه ويتجاهل حاجاتهم ومشاكلهم.

وهنا يتساءل البعض، هل يمكن أن نعتبر الانقلاب العسكري، وسيلة من وسائل الإصلاح والتغيير السياسي في حالة تجاهل الحاكم للمطالبات الشعبية وطرق الإصلاح والتغيير السلمية؟

مفهوم الانقلاب

قبل الشروع في تفصيل ذلك، لابد من بيان أن الانقلاب هو عمل مفاجئ وعنيف تقوم به فئة أو مجموعة من الفئات من داخل الدولة تنتمي في معظم الأحيان إلى الجيش ضد السلطة الشرعية فتقلبها وتستولي على الحكم . (الكيالي/الموسوعة السياسية). وبعبارة أخرى فهو استيلاء مفاجئ على سلطة الحكومة يقوم به عدد من الموظفين في الدولة، يتسللون ويستعملون قوات الدولة المسلحة والشرطة ووسائل الإعلام لتحقيق أهدافهم”. (السيد أبو داود/الأمة في مواجهة الاستبداد).

ويتضح من التعريفين السابقين، أن الانقلاب هو عمل مفاجئ من غير سابق إنذار خلافاً للثورات التي يمكن من التنبؤ بوقوعها، كما أن الانقلاب لا يكون بإرادة الشعوب، ولا تشارك فيه، بل يقوم به من يملك القوة كالجيش.

الانقلاب هو عمل مفاجئ من غير سابق إنذار خلافاً للثورات التي يمكن من التنبؤ بوقوعها، كما أن الانقلاب لا يكون بإرادة الشعوب، ولا تشارك فيه، بل يقوم به من يملك القوة كالجيش

علاقة الانقلاب بوسائل الإصلاح والتغيير

يتعارض الانقلاب مع وسائل الإصلاح السلمية، إذ هو استعمال للقوة ضد السلطة الحاكمة، وحمل للسلاح لأجل تغيير النظام ، ويقوم به مجموعة من الناس كالعسكريين أو من يملك السلاح.

والانقلاب قد يكون إما لأجل التخلص من حاكم مستبد لإحلال مستبد آخر مكانه من باب التنافس على السلطة والنفوذ – كما حصل في العديد من الدول-، أو قد يكون لإحلال الفاسد مكان المصلح والانقلاب على إرادة الشعب كما حصل في مصر وغيرها.

إلا أنه من النادر أن يحدث الانقلاب لأجل التخلص من مستبد لمصلحة الشعوب واستبداله بمن هو خير . وفي هذه الحالة -على فرض حدوثها- فإن الذي يحرك الانقلابات، تلك الكراهية التي يكون مبعثها تصرفات المسؤولين، أو عدم احترام الأنظمة القائمة للحريات، وابتعادها عن الحكم الديمقراطي وتزوير الانتخابات أو عندما لا تلجأ إليها من الأساس، وعندما تمنع قيام الأحزاب السياسية والمنظمات الدينية وتكتفي بحزب واحد هو حزب السلطة حيث يتحول هذا الحزب بسبب انفراده بالحكم إلى حزب متهالك متآكل تنخره الانتهازية والامتيازات غير المشروعة.

وفي عصرنا الحديث فإنه من النادر -وليس من المستحيل- أن تقع الانقلابات ضد الأنظمة الديمقراطية، التي تحترم الحريات وتداول السلطة وتحتكم إلى صناديق الاقتراع، كما تحترم الدستور والقانون  وتعتد بمرجعية المواطنة وتكافؤ الفرص، لأنها تمتلك في هذه الحالة آلية العمل التي تؤهلها لإصلاح الاعوجاج والخطأ ذاتياً، والتراجع عن أخطائها أو تصحيحها ولهذا يلتف الشعب حولها في الملمات ويدافع عنها من حيث المبدأ ولا يقبل لها بديلاً وتؤهله منظماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية كي يصد أي انقلاب أو محاولة انقلاب، ويفشلها في مهدها، ولنا فيما جرى في تركيا قبل أعوام قليلة خير مثال ذلك.

لكن يمكن أن نجمل علاقة الانقلاب العسكري بالإصلاح والتغيير السياسي في ضوء الآتي:

1- قد يكون الانقلاب أحد وسائل الإصلاح والتغيير السياسي المحمود، إذا كان لمحاربة الفساد بعد اليأس من وسائل الإصلاح والتغيير الأخرى، والوصول إلى طريق مسدود، في ظل استمرار انتهاك الحريات والاعتداء على الأرواح والأموال.

2- قد يكون الانقلاب أحد وسائل الإفساد، والتغيير السياسي المذموم، وعلى النقيض من المطالب الإصلاحية، إذا كان هدفه الانقلاب على نظام الحكم بدون مبرر، أو خلع الصالح وتعيين الفاسد، أو يكون هدفه إيصال الكفار أو أعداء الشرع إلى السلطة، بما يخالف أحكام الإسلام ومبادئه.

قد يكون الانقلاب أحد وسائل الإفساد، والتغيير السياسي المذموم، وعلى النقيض من المطالب الإصلاحية، إذا كان هدفه الانقلاب على نظام الحكم بدون مبرر، أو خلع الصالح وتعيين الفاسد، أو يكون هدفه إيصال الكفار أو أعداء الشرع إلى السلطة، بما يخالف أحكام الإسلام ومبادئه

ملاحظات

لست هنا بصدد ترجيح القول بجواز الانقلاب أو عدمه، لكن لابد من التأكيد على مجموعة من الملاحظات الهامة في هذا الصدد:

1- الأصل أن يلجأ إلى نصيحة الحاكم والعمل على إصلاحه سلمياً قبل عزله وتغييره أو الانقلاب عليه؛ نظراً لما يجره من مفاسد ومخاطر . ولا يصح أن يبدأ تغيير المنكر بالقتال إذا كان الحاكم يستجيب للنصح والإرشاد. ولا بد من العمل على تغيير المنكر عن طريق الوسائل القانونية والسلمية، كالمشاركة في البرلمانات والوزارة، وعن طريق الأساليب السلمية للمعارضة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها، قبل اللجوء إلى الانقلابات والأمور العسكرية.

2- إن قول كثير من الفقهاء، بعدم الخروج المسلح على الإمام، لا يعني رفض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يقل أحد ممن ذهب إلى عدم جواز الخروج على الحكام أن أمر الإمام الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر قد سقط عن الأمة لأنها مأمورة بعدم الخروج عليه، بل صرحت بأن أمر هذا الجائر بالمعروف ونهيه عن المنكر يعد أفضل الجهاد.

إن قول كثير من الفقهاء، بعدم الخروج المسلح على الإمام، لا يعني رفض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

3- بلا شك أن الالتفاف الشعبي حول أي تصرف هو أضمن لتحقيق المقاصد المرجوة من المطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي، فارتباط القضية بأفراد الشعب تجعل الأمر بعيداً عن احتكار المشهد من قبل مجموعة من الناس كالعسكر والجيش.

4- هناك خطورة كبيرة لابد من التنبه لها عند دعم الانقلاب، أو تأييده، فالانقلاب غالباً لا يجلب الخير والمنفعة للأمة، بل أثبت التاريخ أن كثيراً من النظم السياسية التي تكونت نتيجة انقلابات لا تحترم إرادة الشعوب ، وإنما تقيم نظم حكم أحادية وديكتاتورية وربما جاء ذلك من أنها لم تصل للحكم ابتداء بإرادة ورغبة الشعوب، ولذلك فإن الإرادة الشعبية لا تهمها طوال فترة حكمها. مما يعني أنها قد تقمع مواطنيها، وتستن قوانين استثنائية تسهل لها هذا القمع، وترفض الحوار والرأي الآخر مهما كان سلمياً وغير عنيف، بينما تسمح لنفسها أن تسيطر على السلطة كلها بالعنف وتعتبر ذلك عملاً وطنياً، وربما تضحية من أجل الوطن، ويصاب رجالها بالغرور ويعتقدون أنهم حملة خشبة الخلاص ولا يتصورون أن شعوبهم يمكن أن تتغلب على مصاعبها بدونهم.

5- الأصل كما رجح الكثير من الباحثين تحريم الانقلاب والخروج على الحاكم، بناء على الأحاديث التي حرمت الخروج على الحاكم، لكن يجوز كما ذكر بعض العلماء في الحالات التالية:

– إذا تحدى الحاكم أحكام الشريعة، وأنكرها، بحيث لم يبق على مرتبة الفسق، بل تعداها إلى مرتبة الكفر.

– إذا كانت المفسدة المتوقعة من بقاء الحاكم أعظم من الخروج عليه، كأن كانت الدولة ضعيفة، وكان الحاكم ظالماً، يقتل المسلمين، ويسفك دماءهم، وينتهك حرماتهم، بحيث يتنافى وجوده مع الحد الأدنى من مقاصد الإمامة. ولم تنفع معه طرق الإصلاح السلمية أو محاولة إسداء النصح، أو لم يوجد أي فضاء من الحريات، بحيث يعبر فيه الناس عن رفضهم للمنكر، أو السعي لتغييره.

– أن يرى الخارجون على الإمام – للضرورة- أنهم قادرون على تجنيب الأمة الفتنة وإراقة الدماء، وأن يكونوا قادرين على تغيير الوضع بأقل الخسائر . قال القرضاوي: “من كانت لديه القدرة على تحريك القوات المسلحة، لتحقيق مطالب الشعب، ومقاصد الشرع، دون أن يخشى فتنة لا تعرف عواقبها من وراء ذلك، فعليه أن يفعل”.

6- على الأمة أن تكون متيقظة لما يحاك ضدها من أمور، فالكثير من الأحداث كشفت عن وجود مؤامرات وراء تصرفات معينة، ولهذا لا يجب أن تنجر الأمة ونخبها للترحيب بأي انقلاب دون أن تستلم السلطة بكاملها ، لأن ذلك قد يعني إحلال مستبد جديد مكان مستبد قديم، وهو ما سيجعله أكثر بطشاً للحفاظ على كرسيه. لهذا ينبغي قراءة المشهد السياسي بعيداً عن العاطفة والانفعالية، وهذا يحتاج إلى تروٍ وعقلانية وأدوات صحيحة لتحليل المشهد السياسي وسيناريوهات المستقبل.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى