هل يراجع المصريون معتقداتهم؟!
بقلم السيد أبو داود
١ ـ في تصريح للمسئول الأول في مصر، قال:
«أتصور أن القضية الأهم هي الوعي بمفهومها الشامل، سواء الوعي بالدين، كلنا أتولدنا والمسلم مسلم بالبطاقة،
ولكن علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نؤمن به، عندك استعداد تمشي بمسيرة بحث في المسار ده لتصل للحقيقة؟».
وهذا التصريح من الخطورة بمكان ويستحق التوقف عنده ومناقشته.
٢ ـ ومعنى هذا الكلام أن الملايين من المسلمين، لأنهم مؤمنون بالوراثة ومقلدون، فهذا أمر لا يليق بهم وهو أمر غير جيد،
ولو أن وعيهم تحسن وتطور لقاموا بمراجعة عقيدتهم التي ورثوها وأخضعوها للبحث والمناقشة،
فلو وجدوا الإسلام دينًا صحيحًا استمروا فيه وإلا تركوه وانصرفوا إلى ما يثبت العقل والعلم صحته.
اللهم إيمانًا كإيمان العجائز
٣ ـ قام الإمام الرازي برحلة علمية إلى نيسابور، فاجتمع الناس عليه ليسألوه وليتعلموا منه .. فسألت سيدة عجوز: من هذا الرجل الذي يتزاحم الناس عليه؟
فقالوا لها هذا الرازي، ذلك العالم الكبير، الذي جمع ألف دليل على وجود الله.
فقالت لهم: لو لم يكن في قلبه ألف شك ما احتاج ألف دليل.
فلما بلغ الرازي قول هذه السيدة قال: اللهم إيمانًا كإيمان العجائز.
٤ ـ أبو حامد الغزالي، وهو على فراش المرض في آخر أيامه، بعد أن قضى غالب عمره مشتغلاً بالفلسفة والمنطق والكلام،
جعل على يمينه صحيح البخاري وعلى يساره صحيح مسلم، ونقل عنه قوله: ها أنا ذا أريد أن أموت على ما مات عليه عجائز نيسابور.
٥ ـ فعجائز نيسابور «وغالب عجائز المسلمين» لم يكونوا يعرفون ألف دليل على وجود الله مثل الرازي،
ولم يكن عندهم علم العلماء وفقه الفقهاء وثقافة المثقفين، ولكن فطرتهم وبساطتهم وكل شيء فيهم مؤمن بالله موقن به مملوء بحبه.
٦ ـ فدين الله واضح بالفطرة السليمة، وإنما يدخل الزلل والشطط على بني آدم من شياطين الإنس وفلاسفتهم الضالين،
ولو تُرك الإنسان «أي إنسان في أي زمان ومكان» لنفسه، بلا مؤثرات الضلال لاختار الله وطريق الله ودين الله.
٧ ـ الرازي والغزالي، لم يتمنيا إيمانًا كإيمان العلماء ولا كإيمان الفقهاء،
لأن العَالِم دائمًا يتبع منهج الشك والبحث والمقارنة والتدقيق حتى يصل لليقين،
أما إيمان العجائز فسهل ويسير وبلا تعقيد، صاف ونابع من القلب، وليس فيه شك ولا تساؤل.
٨ ـ قد لا يعرف المسلمون البسطاء كثيرًا من فروع الدين وتفاصيله،
لكنهم ربما ما في قلوبهم من الإيمان مثل ما في قلب تلك السيدة العجوز،
التي تمنى الرازي إيمانًا كإيمانها،
فلا يضرهم جهلهم بما لم يشكوا فيه، وكل ما في جوارحهم ينبض ويؤمن بوجود الله، وقلوبهم وعقولهم شاهدة له سبحانه بالوحدانية.
لا يشترط على المقلد النظر والاستدلال
٩ ـ ولذلك فقد أجمع العلماء على صحة إيمان المقلد،
وأنه لا يشترط عليه النظر والاستدلال والتفكر والتثبت في أصول الإيمان وفي أدلتها، لأن أصل الإيمان موجود في فطرة الإنسان التي فطره الله عليها،
قال تعالى: [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا] الروم: ٣٠.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)
أخرجه البخاري ومسلم. فالأصل في الإنسان الإيمان، وهو يقلد في أمر قد فطره الله عليه.
١٠ ـ وأكد العلماء أيضًا أنه يجب النظر والاستدلال والتثبت والتفكر، فقط على من يقدر على تحصيل العلم، أما العاجز عن العلم بهذه الدقائق فلا يكلف بها.
١١ ـ إرهاق الناس بالنظر والتثبت والتفكر والاستدلال، جناية على جمهور هذه الأمة المرحومة،
وتكليف لهم بما ليس في وسعهم ولا يطيقونه،
ولو ألزمنا العامي بترك التقليد والتزام الأخذ بالاجتهاد واتباع طرائق العلماء، لألزمناه بما لا يطيق،
وقد قال الله تعالى: [لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا] البقرة: ٢٨٦.
١٢ ـ في النهاية: فإن الفيصل في القضية هو أن على المتشكك في عقيدته أن يبحث عن وسائل لإزالة الشك والشبهات لديه..
ولن يكون ذلك إلا بتقوية إيمانه بنصحه وإرشاده وجلوسه لأهل العلم، وقراءته للقرآن وسماعه، ومصاحبته للصالحين،
والتضرع إلى الله بأن يقذف النور في قلبه المتشكك.
أما المطمئن قلبه بالإيمان، والسعيد بإسلامه، المحب له، المحب لله ولرسوله، المحب لأمة محمد، المحب لعباد الله الصالحين، المحب لشريعة الإسلام، المحب للهوية الإسلامية،
الذي يفرح لعزة المسلمين ونصرهم ويحزن ويتألم لانكسارهم.. فهذا يشكر ربه ويحمده.. ويمضي في طريقه عابدًا له حتى يلقاه.
المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية