مقالات

هل يجوز إفشاء السر للمصلحة؟

بقلم الشيخ ندا أبو أحمد

إفشاء السر خيانة للأمانة، ونقض للعهد، وهو دليل على لؤم الطبع، وفساد المروءة، وكم طُلِّقت من زوجات، وقطعت من أرحام، ومزقت من صداقات، وفرق بين أخوين متحابين، وتهاجَر متآلفان، وكم سفكت من دماء، وكم سلبت من حقوق، وكم قطع من صلة، وكم منع من خير، وأحدث من ضرر، والسبب إفشاء السر.

الإفشاء لغة يعني: ظهور الشيء، يقال: فشا الشيء يعني ظهر، وقال الجوهري: “يقال: فشا الشيء يفشو فُشوًّا: أي ذاع”.

السر لغة: اسم لما يسر به الإنسان؛ أي: يكتمه.

إفشاء السر اصطلاحًا:

قال السفاريني رحمه الله: “إفشاء السر نشره وإذاعته (بين الناس)، والسر هو ما يكتم في النفس كالسريرة”؛ بتصرف (عن غذاء الألباب: 1/ 115).

وقال الكفوي رحمه الله: “إفشاء السر يكون بالكتابة والإشارة والكلام”؛ (الكليات للكفوي: 14).

الدافع إلى إفشاء السر ودلالته:

قال الراغب رحمه الله: “إذاعة السر من قلة الصبر وضيق الصدر، ولا يوصف به إلا ضعفة الرجال، والصبيان والنساء”.

وقال الماوردي رحمه الله: “في الاسترسال بإبداء السر دلائل على ثلاث أحوال مذمومة: إحداها: ضيق الصدر، وقلة الصبر، الثانية: الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء، وقال بعض الحكماء: “انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلاً فيخون”، الثالثة: ما ارتكبه من الغرر، واستعمله من الخطر، وقال بعض الحكماء: “سرك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته”؛ (أدب الدنيا والدين للماوردي: ص295).

حكم إفشاء السر:

قال السفاريني رحمه الله: “يحرم على كل مكلف إفشاء السر، قال: ولعله يحرم حيث أمر بكتمه، أو دلته قرينة على ضرورة كتمانه، أو كان مما يكتم عادة، وقيل: الذي يحرم هو إفشاء السر المضر”؛ (غذاء الألباب: 1/ 116).

 وقال الغزالي رحمه الله: “هو منهي عنه (إفشاء السر)؛ لِما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، وهو من قبيل اللؤم إن لم يكن فيه إضرار”؛ (إحياء علوم الدين: 3/ 132).

 وذكر ابن بطال: “أن الذي عليه أهل العلم أن السر لا يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة”؛ (فتح الباري: 11/ 85).

 قال الجاحظ: “إفشاء السر: خُلقٌ مركبٌ من الخرق والخيانة؛ فإنه ليس بوقور مَن لم يضبط لسانه، ولم يتسع صدره لحفظ ما يستسر به”؛ (تهذيب الأخلاق: 30).

 هل يجوز إفشاء السر للمصلحة؟

جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد والبيهقي في “السنن” وأبو داود، من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المجالس بالأمانة إلا ثلاثةَ مجالس: سفك دمٍ حرام، أو فَرْج حرام، أو اقتطاع مالٍ بغير حق)).

 والمعنى أن ما يحدث في المجالس أمانة، إلا ما يؤدي إلى إراقة دم من مسلم بغير حق، أو استحلال فَرْج حرام على وجه الزنا، أو استحلال مال من غير حِله، سواء من مال مسلم أو ذمي، فمن قال في مجلس: “أريد قتل فلان، والزنا بفلانة، أو اقتطاع مال فلان ظلمًا”، لا يجوز للمسلمين حفظ سره، بل عليهم إفشاؤه دفعًا للمفسدة.

 يقول العز بن عبدالسلام: “الستر على الناس من شيمة الأولياء، ولكن قد يجوز الإفشاء إذا كان في ذلك مصلحة، أو دفع ضرر، ويستدل على ذلك بما ذكره القرآن الكريم من إفشاء يوسف عليه السلام بسرِّ التي راودته عن نفسه، وسر النسوة اللاتي قطعن أيديهن، وإنما قال يوسف عليه السلام: ﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾ [يوسف: 26]؛ ليدفع عن نفسه ما تعرض له – أو ما يمكن أن يتعرض له – من قتل أو عقوبة، وكذلك قوله: ﴿ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ [يوسف: 50]؛ ليدفع التهمة عن نفسه؛ فإن الملك لو اتهمه لم يولِّه، ولم يحمل على إحسان الولاية”؛ (شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبدالسلام ص389) بتصرف.

المصدر: الألوكة نت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى