مقالاتمقالات مختارة

هل وقوف أغلب العلماء إلى جانب السلطان نابع من موقف شرعي أم سياسي؟ وما مدى صحة أدلتهم؟ | د. أحمد الريسوني

هل وقوف أغلب العلماء إلى جانب السلطان نابع من موقف شرعي أم سياسي؟ وما مدى صحة أدلتهم؟ | د. أحمد الريسوني

الوقوف مع السلطان الشرعي في سياساته الشرعية، هذا واجب شرعي وموقف شرعي، أما الوقوف مع الظلمة الفاسدين فأعتقد أنه بالدرجة الأولى ليس لا سياسيا ولا شرعيا، بل هو موقف شخصي وحساب مالي، وقد سبق لي أن شرحت بعض ذلك منذ عدة سنوات في مقال أسميته “العلماء ومشكلة التملق والتورق”، وقد عَنَيتُ بالتورق الحرصَ على الأوراق النقدية والجريَ وراءها… ولذلك قال علال الفاسي رحمه الله عن بعض علماء عصره:

وكنتُ أرى تحت العمائم حاجةً                     فما هي إلا أن يدوم المرتَّبُ

ثم هو بالدرجة الثانية موقف سياسي ممْلى ومفروض.

ثم ثالثا وأخيرا، يستدعون ويُشَغِّلون آلية التأصيل والتأويل.

وقد يكون ترتيب هذه العناصر مختلفا في حق بعض العلماء، ولكنْ في الجملة: هذه العناصر الثلاثة كلها حاضرة وفاعلة.

هذا يقودنا إلى إعادة طرح السؤال التاريخي القديم/الجديد: ما هي حدود طاعة الإمام الجائر؟ وما ضوابط الخروج عليه وخلعه؟
من المعلوم أن الإسلام نبت وأسس كيانَه الأولَ في بيئة لم تكن تعرف لا دولة ولا نظاما ولا سلطةً جامعة معترفا بها، فلذلك كان مما عمل على تثبيته وتربية الناس عليه أن يتعلموا العيش في ظل سلطة وأحكام وحدود. ولذلك كان من قواعده طاعة أولي الأمر منا. وهي طاعة في المعروف وفي حدود الشرع، أو بتعبير اليوم: الطاعة في حدود القانون. وهذه الطاعة تعني عدم التمرد على الأحكام وعلى الشرعية الصحيحة، أي عدم الرجوع إلى حالة الفوضى واللانظام. ومعلوم أن هذه الطاعة المذكورة في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ مسبوقة بقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ، ومتبوعة بقوله سبحانه فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر .

فهي أولا طاعة لسلطة شرعية منبثقة (منكم)

وهي ثانيا قائمة على العدل وأداء الأمانات.

ثم هي ثالثا مشروطة -في حال الاختلاف والتنازع- بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله.

وهي في النهاية والمحصلة طاعة مشتركة متبادلة.

أما قضية العزل، فهي كقضية الاختيار، أو هي وجهها الآخر. وبصفة مبدئية عامة يجب عزل الحاكم متى أخل بشروط البيعة والتزاماتها. غير أن المشكلة ليست هنا، المشكلة في من سيتولى العزل، وكيف؟ الجواب النظري هو: أن العزل يتولاه أهل الحل والعقد. لكن الواقع العملي هو العكس، أي أن الحاكم هو من يعزل أهل الحل والعقد، ويستبدل بهم من لا يحلون شيئا ولا يعقدون إلا بأمره. إذاً المشكلة ليست فقهية ونظرية، وإنما هي مشكلة واقعية تاريخية. فلحد الآن لم ينجح المسلمون في تبني وتثبيت آلية محددة ومضبوطة لعزل الحاكم المنحرف، أو المخل بشروطه وواجباته، أو المنتهية ولايته أو قدرته. وهذه مسؤولية الجميع، وليست مسؤولية العلماء وحدهم.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى