مقالاتمقالات مختارة

هل للمقلد أن يرجح بين الأقوال في المسائل الفقهية!

هل للمقلد أن يرجح بين الأقوال في المسائل الفقهية!

بقلم أيمن صالح

قال ابن تيمية، كما في المسودة ص512:

«قال ‌أبو ‌الحسين ‌القُدُوري: المقلِّد إذ غلب على ظنه أن بعض المسائل على مذهب فقيه أقوى فعليه أن يقلد فيها ذلك الفقيه وإذا أفتى بها حاكيا لمذهب من قلده جاز.

 وقال أبو الطيب الطبري: لا حكم لظنه واستحسانه.

وكانا قد سئلا عمَّن يقلد فقيها فاستحسن مسائل في مذهب غيره هل يجوز له أن يقلد صاحب المسائل ويعمل بها وإذا سُئل عن تلك المسائل يفتي بها على سبيل الأخبار على مذهب ذلك الفقيه».

قلت- أيمن: وكلام القُدوري أقرب إلى ظواهر الشرع من كلام القاضي، كقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ‌فَيَتَّبِعُونَ ‌أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وقوله: صلى الله عليه وسلم لمن سأله: “قلتُ يا رسولَ اللهِ أخبِرْني ما يحِلُّ لي ويحرُمُ عليَّ، قال: البرُّ ما سكنت إليه النَّفسُ واطمأنَّ إليه القلبُ والإثمُ ما لم تسكُنْ إليه النَّفسُ ولم يطمِئنَّ إليه القلبُ وإن أفتاك المُفتون”. [إسناده جيد كما قال ابن رجب وغيره] وفي رواية ضعيفة: استفت قلبك وإن أفتاك الناس”.

وعلى قول القدوري يتخرّج ما يقوم به كثير من طلبة العلم ممن قصروا عن رتبة الاجتهاد من الترجيح في المسائل الفقهية، معتمدين في ذلك على ما أمكنهم من النظر، وإن كان قاصرا.

لكن المفسدة التي تترتب على ذلك، (أعني اشتغال من قصر عن الاجتهاد بالترجيح بين المسائل بناء على النظر في الدليل) هي ما يُرى في كثير من طلبة العلم وصغار الباحثين من ثقة – مبالغ فيها – بترجيحاتهم حتى يكاد بعضهم الجزم بخطأ القول المخالف في مسائل هي في ملتطم الظن والنزاع بين أئمة الاجتهاد، وهو تعسف بالغ قائم على وهم التمكن من النظر، وسراب حيازة الصواب، وحينئذ يكون الترجيح مذموما ممن قام به على هذا الوجه، لأنه من قبيل التعالم، وتشبع المقلد بما لم يعط من آلات الاجتهاد، وهو من لبس الزور كما جاء في الحديث: “المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور” [متفق عليه].

لكن من رجَّح لا على هذا الوجه المذموم فلا دليل يمنع من فعله هذا، بل هو أولى – في رأيي – من التزام مذهب بعينه دون تكلف النظر ممن أطاق النظر ولو قاصرا، لأنه أدعى إلى مطالعة نصوص الكتاب والسنة والتبصر في اختلاف العلماء وهو أمر حميد، يرقى بصاحبه بعد اكتمال الآلة بإذن الله إلى منازل المجتهدين.

والله اعلم

المصدر: مدونة أيمن صالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى